"بيونغ يانغ" رواية

مدينة وشوارع، ناس بوجوه تحمل ملامح مختلفة، ثقافة تختلف عن السائد في أوروبا والعالم الغربي، بل ربما تكون مختلفة أيضاً عن السائد في شمال القارة الآسيوية، "بيونغ يانغ" عاصمة استثنائية، لها مزاجها الخاص، تختلف في كلّ شيء، تتمسك بتقاليد خاصة لا يعرفها إلا سكّانها، فهي مدينة بعيدة كلّ البعد عن ترف الأضواء والضجيج العالمي، بل لا تعتبر واحدة من عواصم السياحة حول العالم، لكنّ في هذا الكتاب نذهب في جولة تحمل القارئ إلى تفاصيل خاصة بهذه المدينة التي لا تشبه إلا نفسها.

في روايته المصوّرة "بيونغ يانغ" الصادرة عن دار "كومكس" التابعة لـ"مجموعة كلمات"، في 176 صفحة من القطع المتوسط، يسرد الروائي والرسّام الفرنسي غي دوليل رحلته إلى العاصمة الكورية الشمالية بيونغ يانغ بمهارة من يتقن الرسم ووصف المشاهد ويضمنها بعناصر نصيّة تشرح المضمون بسلاسة بعيداً عن التكلّف. ينقل دوليل في كتابه الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يختصّ بهذه المدينة، ويتحدث من وجهة نظرة الرجل الأوروبي عن كلّ ما يصادفه أثناء رحلته أجرها من أجل الالتحاق بمشروع فنيّ برفقة مجموعة من الفنانين العالميين.

تدور أحداث الرواية التي يستعرض فيها دوليل تفاصيل رحلته بأسلوب سينمائي، حول مشاهدات شخصية للمدينة، تصف لقاءات المؤلف العابرة مع أشخاص مجهولين، وتروي حكاية فندق قديم اختاره لقضاء أيام رحلته، إلى جانب سرد تفاصيل  مدينة لا ضجيج فيها، فقط أضواء الشوارع والمقاهي، يكسر إيقاعها خيوط موسيقى تتسرب من جهاز الراديو المحمول الذي رافقه طوال رحلته، إلى جانب تصويره للأبنية الحكومية والدلالات الرمزية التي ترفعها شعارات الحزب الحاكم للبلاد، فضلاً عن المرور بشكل إضاءات سريعة على التفاصيل التاريخية لتاريخ حكم عائلة كيم إيل سونغ.

الرواية المصورة أراد لها الفرنسي غي دوليل أن تُبنى على أسس من أفكار الصحفي والروائي البريطاني "جورج آوريل" حيث يلاحظ القارئ في مستهلّ العمل أنه يشير إلى غلاف رواية "1984" التي خلّفت أصداءً واسعة بعد نشرها في العام 1949، لنلمس التوجه السياسي والأيديولوجي للمؤلف بعد الوصول إلى منتصف الحكاية، من خلال الحديث عن المثل العليا للمجتمعات، ووصف الثقافة التي تجمع الشعب الكوري الشمالي، والاقتراب من واقع يريده الكاتب أن يكون مثالياً لكنه في حقيقة الأمر -كما يصوره- يظهر واقعاً مريراً.

يمكن القول إن دوليل في استطاع في عمله أن يأخذ القارئ في جولة مليئة بالأحداث المتسارعة تكشف نمط العيش، والعلاقات الاجتماعية، والثقافية لـ "بيونغ يانغ"، خاصة أن الرواية تدور حول تجربة شخصية للمؤلف يختبر مدينة للمرّة الأولى بعد أن كان قد سمع عنها من وسائل الإعلام العالمية.