مدينتي عبادان وخرمشهر

رفعت إيران تأشيرة الدخول عن العراقيين الراغبين بزيارة مدينتي عبادان وخرمشهر عن طريق البر أو الجو أو البحر، وهو رفع محدود إذ أبقتها على من يسافر إلى مدنها الأخرى.

أثارت خطوة السماح للعراقيين بالدخول إلى إيران دون تأشيرة ردود فعل لدى العراقيين، بين مرحّب ومعارض. في حين سبق لمواطني محافظات الجنوب التدفّق على المدن الإيرانية لأغراض العلاج أو زيارة ضريح الإمام الرضا في مدينة مشهد أو لأغراض تجارية.

يقول المواطن محمد مرهون وهو رجل أعمال أن “ذلك ييسر تحركنا لغرض أعمالنا الصناعية والتجارية. لقد تملكت دارا وشقة في المحمرة، علما أن شراء الدور والعقارات وإنشاء المشاريع في إيران يخلو من التعقيدات الروتينية التي نواجهها في العراق. باستثناء شرط أن يسجل العقار باسم شريك إيراني”.

مرهون يؤكد لـ”نقاش” إن “العراقيين استثمروا في بعض العقارات والدور وبعضهم أعضاء في مجلس المحافظة أو النواب غير أنهم لا يرغبون بالكشف عن ذلك ويتركون إدارة أملاكهم لإيرانيين”.

القنصلية الإيرانية في البصرة أعلنت عن التوصل إلى اتفاق مع الجانب العراقي بالسماح لدخول وخروج المسافرين العراقيين والأجانب المقيمين في العراق إلى منطقتي عبادان وخرمشهر في إيران دون الحاجة إلى تأشيرة.

وقال القنصل الإيراني في البصرة حاج احمد سياهبوش إن قرار دخول العراقيين إلى منطقتي عبادان وخرمشهر ساري المفعول، كما أن بلاده بانتظار موافقة الحكومة العراقية من اجل الشروع بتنفيذ قرار إلغاء التأشيرة بشكل كامل، مبيناً أن إيران اتخذت من جانبها هذا القرار من اجل تطوير العلاقات بين البلدين.

مدير العلاقات العامة في القنصلية الإيرانية بالبصرة محمد إسماعيل أوضح إن آلية الدخول إلى هاتين المنطقتين سواء أكان جوا أم برا أو بحرا تقوم على أساس ختم جواز السفر في الحدود بين البلدين، وقال “يسمح للوافد الإقامة مدة شهر، كما يسمح له بالانتقال إلى مشهد أو أي منطقة أخرى بعد ترتيب أمور التأشيرة المتعلقة بهذا الشأن عبر منافذ معينة وبوابات خاصة في عبادان وخرمشهر”.

من جانبه قال رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة البصرة جبار الساعدي أن “الخطوة الإيرانية ستسهم في زيادة أعداد المسافرين بين البلدين بما يعود بالنفع على كلا الدولتين، وقد شددنا على ضرورة متابعة تطبيق الضوابط اللازمة في مسألة حفظ أمن وإدارة ومنع أي خروقات قد تحدث في المنافذ الحدودية”.

ويوضح علي يوسف مسؤول إعلام مجلس محافظة البصرة لـ ” نقاش” تلك الخطوات قائلا إن “هيئة المنافذ الحدودية قررت تحديد مدة دخول المسافرين الراغبين بزيارة المنطقة الحرة في عبادان وخرمشهر بلا سمة دخول عبر منفذ الشلامجة اعتباراً من الساعة السادسة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، وجاء القرار لكثرة أعداد الراغبين بالدخول بعد تطبيق قرار السماح للمواطنين العراقيين بالسفر إلى هاتين المدينتين دون تأشيرة دخول”.

وإزاء الاتفاقات الرسمية بين البلدين يرى خبراء في الاقتصاد أن رفع التأشيرة سيصب في مصلحة الجانب الإيراني الذي سيحقق منافع كبيرة تتمثل بزيادة تسويق منتجاته المحلية للعراقيين بسبب قرب الحدود بين البلدين، ما يسمح للمواطنين العراقيين بالتبضع من المدن الإيرانية.

ويرى الخبير الاقتصادي د. نبيل جعفر أن الاتفاق يمثل منفذا آخر لاستنزاف العملة الصعبة في العراق وتعزيز النزعة الاستهلاكية لدى المواطن العراقي وقال “لا أظن أن هنالك جوانب ايجابية لصالح الاقتصاد العراقي، وحتى لو حصل العكس في السماح بدخول الإيرانيين إلى المدن العراقية دون تأشيرة دخول فلا يتوفر إنتاج محلي يمكن تسويقه إلى الجانب الإيراني وبالتالي الاقتصاد العراقي هو الخاسر الوحيد في هذه العملية”.

ويضيف لـ ” نقاش”: حول الموضوع “ربما يستفيد المواطن العراقي من دخول المدينتين في الحصول على السلع الإيرانية بأسعار اقل بقليل مما يعرض في السوق العراقية، لكن في التحليل الكلي المسألة ليست في صالح العراق ودائما الميزان التجاري في العراق مقارنة مع الدول الأخرى لا يميل لصالحه”.

ويبرر ذلك بالقول إن “المشكلة في العراق تعتبر هيكلية، إذ أن بنية الاقتصاد العراقي تعتمد أساسا على النفط، فنحن لا نمتلك اقتصادا متنوعا كما هو الحال في الاقتصاد الإيراني، لذلك نجد أن أي تبادل تجاري مع إيران او تركيا آو السعودية هو ميزان ذو حركة واحدة باتجاه الاستيراد ولا توجد صادرات عراقية”.

ولوحظ في السنوات الأخيرة تدفق أعداد كبيرة من الإيرانيين على الأراضي العراقية خلال المناسبات الدينية، دون أن يعزز ذلك نمو الصناعات المحلية في مقابل البضائع الإيرانية والتركية والصينية التي تغرق أسواق الأسواق.

ويرى عبد الصاحب صالح نائب رئيس اتحاد رجال الأعمال في البصرة أن الحكومة الإيرانية تتعامل بذكاء مع الملف الاقتصادي، ويقول لـ” نقاش”: ان “الإيرانيون يحتاجون إلى جلب العملة الصعبة، وبالفعل فأن أعداد العراقيين الذين يدخلون الأراضي الإيرانية تراوح بين (2000-3000) شخص يوميا خاصة إذا حسبنا أن كل عراقي يصرف بين (100 – 500) دولار كل يوم”.

صالح يرى جانبا آخر قد يكون مفيدا لانفتاح دول الجوار على العراق الذي عانى من عزلة طويلة بسبب السياسات السابقة “فرفع إيران تأشيرة الدخول عن العراقيين يمكن أن تقرأ كرسالة إلى الحكومات العربية التي تضع العراقيل أمام دخول العراقيين لأراضيها وتفرض رسومات كبيرة، وعلى سبيل المثال فأن تأشيرة الدخول إلى الكويت بلغت (1800) دولار في السوق السوداء”.

ولا يحمل الناشط المدني أحمد فاضل الذي سبق أن زار المدينتين الايرانيتين المشمولتين برفع التأشيرة انطباعاً مشجعا وهو يتحدث لـ”نقاش” عن تجربته قائلا:”لم أجد خلال زيارتي أي مميزات تذكر بل هي مدن فقيرة اقتصاديا ولا تتوفر فيها مرافق سياحية مثيرة، كما أن تعامل السلطات الإيرانية في منفذ الشلامجة الحدودي مع المسافرين العراقيين لم يكن لائقا”.

ويقول انه لاحظ ان “المدن الإيرانية الحدودية ونتيجة لزخم المسافرين العراقيين، تشهد حاليا بناء فنادق ومطاعم سياحية جديدة، وهو ما يعكس حجم الفائدة الذي تجنيه إيران”.

فاضل يعزو رفع إيران لتأشيرة الدخول ومحاولة تعميم الخطوة على جميع المدن الحدودية، إلى مواجهة الانفتاح السعودي على العراق، لاسيما مع دخول شركات المملكة العربية إلى البصرة وقرب فتح قنصلية لها في المحافظة الأغنى اقتصاديا.