صنعاء ـ عبدالغني يحيى
في تطور دراماتيكي شهدته العاصمة اليمنية صنعاء تمكن مسلحو جماعة الحوثي الانقلابية من امتصاص الصدمة العسكرية التي وجهتها لهم أول من أمس القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح والقبائل المناصرة له من حزب المؤتمر الشعبي في سياق القرار الذي اتخذه صالح للانتفاض على الجماعة ومواجهتها عسكرياً بدءا من المواقع المحيطة بمنزله في صنعاء ووصولاً إلى عدد من المحافظات الأخرى.
وفي هذا السياق أعادت الجماعة ترتيب صفوفها وحشدت الآلاف من عناصرها المزودين بمختلف الأسلحة المتوسطة والثقيلة بما فيها الدبابات العسكرية لاستعادة ما خسرته في اليوم السابق من مواقع عسكرية وحكومية في جنوب العاصمة وشمالها وسط معارك ضارية وارتباك واضح في خطاب حزب المؤتمر الشعبي لجهة شل الجماعة لوسائل إعلامه بما في ذلك السيطرة على قناة «اليمن اليوم» واعتقال طاقمها.
ودكت غارات تحالف دعم الشرعية في اليمن مواقع للحوثيين، مساء أمس، قرب مطار صنعاء وقاعدة الدليمي، وفق مصادر نقلت عنها «العربية»، وذلك بعد أن شنت صباح أمس، 5 غارات على مواقع تمركز ميليشيات الحوثي في عدد من المرتفعات جنوب صنعاء، منها تلال الريان المطلة على حي حدة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من قيادات في حزب المؤتمر في صنعاء أن الجماعة شرعت في ترهيب وترغيب عدد من قيادات الحزب للتبرؤ من صالح وقواته مقابل وضعهم على رأس حزب موال لها كما بدأت خطواتها لإعادة بث قناة «اليمن اليوم» ناطقة باسمها.
وكثف الحوثيون حصارهم وقصفهم المدفعي على أحياء مناطق حدة والسبعين ومحيط القطر الرئاسي وتمركزوا في منطقة تلال الريان المطلة على منازل صالح وأقاربه وقيادات حزبه وتمكنوا من اقتحام أحد منازله في صنعاء وكذا مقر اللجنة الدائمة لحزبه (المكتب السياسي).
وقال مصدر في مكتب صالح في بيان نشرته أكثر من وسيلة إعلامية «مؤتمرية» إن الحوثيين سحبوا مقاتليهم من جبهات صعدة ونهم وصرواح وأدخلوهم صنعاء، مضيفا أن هجوما حوثيا استمر «على مسكن رئيس حزب المؤتمر بمنطقة الثنية ومساكن طارق صالح وأخيه بشارع الجزائر ومسكن عمار صالح في حدة بالإضافة إلى مقري اللجنة الدائمة في الحصبة».
ووسط مخاوف المؤتمريين من أن تدور الدائرة لصالح الحوثي أكد العميد طارق صالح قائد قوات الحرس الخاص التابعة لعمه صالح في تغريدة منسوبة إليه مخاطبا الشعب اليمني أن الوضع العسكري في العاصمة والمحافظات الأخرى لا يزال تحت سيطرة قواته وأنصار المؤتمر والرئيس السابق. وكشف «أن الحوثيين لا يزالون يحتفظون بتعزيزات نهبوها من معسكرات الجيش وخبأوها في (بدرومات) لمحاربة الشعب اليمني، وبالتالي يتم تمشيطها والتعامل معها» على حد قوله.
وفي بيان آخر صادر عن مكتب صالح، كذب مصدر مسؤول ما تناولته وسائل إعلام تابعة لإيران عن وجود وساطة عمانية لخروج صالح من البلاد، وأكد المصدر أن صالح يرحب بالوساطة العمانية لكنه باق في بلاده «ولن يترك أبناء شعبه كما هو عهدهم به».
وتضاربت الأنباء بشأن صحة بيان منسوب للمؤتمر الشعبي يحمل في طياته مهادنة للحوثيين غير أن ناشطين محسوبين وقياديين في المؤتمر نفوا صحته وأكدوا أن الحوثيين قاموا بتسريبه عبر موقع الحزب بعد تمكنهم من اختراقه.
وحاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع قيادي من أقارب صالح للتعليق على ما تشهده صنعاء إلا أنه اعتذر عن الإدلاء بأي تصريح.
ويزعم الحوثيون بأنهم استعادوا زمام الأمور وتمكنوا من وأد انقلاب صالح ضدهم، غير أن شهودا أكدوا استمرار المعارك في أحياء صنعاء الجنوبية وفي وسطها في حين أفاد شهود أن مواجهات لا تزال مستمرة عند المدخل الشمالي للعاصمة بين الجماعة ومسلحين تابعين للشيخ ناجي جمعان شيخ بني الحارث الذي قتل ولداه خلال المواجهات.
وفي مديرية خمر التابعة لمحافظة عمران دارت معارك ضارية بين مسلحي الجماعة وموالين للشيخ القبلي مبخوت المشرقي أحد المؤيدين لصالح في المنطقة وقاموا باعتقاله وتفجير منزله بحسب شهود تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».
وفيما يأمل أنصار صالح بشكل غير معلن أن يلتف حولهم خصوم الحوثيين في معركة صنعاء سواء من الأحزاب الأخرى أو قوات الجيش الموالي للحكومة الشرعية المرابطة على الأطراف الشرقية لصنعاء تدخل طيران التحالف العربي لإسناد قوات صالح والقبائل الموالين له بشن سلسلة من الضربات الجوية على مواقع متفرقة للحوثيين في جنوب العاصمة وشمالها.
وكانت الاشتباكات بدأت منذ الصباح الباكر، وأفادت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أن «قبائل بني صريم، الموالين لصالح، أغلقوا الطريق بين محافظتي صعدة وعمران، وكذا السيطرة على إدارة أمن المحافظة وعدد من المباني المجاورة في محافظة حجة، حيث كانت الميليشيات الحوثية تسيطر على المحافظة بشكل كامل، إضافة إلى قيام أنصار صالح بتمزيق لافتات وشعارات الحوثيين في مركز المحافظة، وكذا في مديرية المحابشة حيث طرد المواطنون فيها ومشايخ المحافظة مشرف وقيادات الحوثيين مما صعد من التوتر في معظم مديريات حجة».
كما قطع قبائل جهران رصابة الموالين لصالح، بمحافظة ذمار، المعقل الثاني لميليشيات الحوثي بعد صعدة، الخط العام بين صنعاء وذمار لساعات لمنع إرسال تعزيزات للحوثيين إلى صنعاء، وسيطروا على النقطة الجامعة في وسط المدينة، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وذلك بعد محاولة الحوثيين نصب نقاط عسكرية جديدة على مداخل المدينة، حيث أعلنت أول مديرية وهي مديرة الحدأ، محررة من العناصر الحوثية.
وفي محافظ الحديدة، أكدت مصادر خاصة ومقربة من قيادات الحوثيين لـ«الشرق الأوسط» أن «زعيم الميليشيات الحوثية أرسل قيادات حوثية إلى مدينة الحديدة، لمسك زمام الأمور وخوفا من خروج المحافظة من يدها بعد أن شهدت عدة محافظات انتفاضة ضد الحوثيين، بينما عززت ميليشيات الحوثي من تواجدها في ميناء الحديدة بعشرات الأطقم والمدرعات خوفا من أنصار حليفهم السابق، صالح، من السيطرة على الميناء، ووسط اختفاء قادة الميليشيات من المدينة ومن عدد من المديريات بما فيها التحيتا وزبيد».
في سياق آخر، أماطت المعارك الدامية اللثام عن تعمد الحوثيين إخفاء آليات عسكرية وألوية في مبانٍ ومناطق سكنية، وذلك منذ بدء عمليات عاصفة الحزم في مارس (آذار) 2015 إلى الوقت الذي اندلعت فيه المواجهات بين قوات صالح والحوثيين.
وذكرت مصادر عسكرية من داخل ميدان العمليات الدائرة في صنعاء والمديريات التابعة لها لـ«الشرق الأوسط»، أن الميليشيات الحوثية خططت منذ بدء عاصفة الحزم لإخفاء الصواريخ ومنصاتها ومراكز القيادة العسكرية بين المدنيين، لتضليل المجتمع الدولي، إلى أن وصل بها الحال في معاركها الأخيرة إلى استخدام المدنيين دروعاً بشرية.