واشنطن ـ يوسف مكي
قرر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الثلاثاء، الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
ونعت الرئيس الأميركي الاتفاق النووي بـ"الكارثي"، وقال في كلمة متلفزة ألقاها في البيت الأبيض "أعلن اليوم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني" الذي وقع مع القوى الكبرى العام 2015.
وقال إن الاتفاق النووي كان لمصلحة إيران ولم يحقق السلم، وإن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران سيجعل أميركا أكثر أمانا.
وأضاف ترمب أن النظام الإيراني يشعل الصراعات في الشرق الأوسط، ويدعم المنظمات الإرهابية.
وأردف ترمب أن النظام الإيراني مول الفوضى واعتدى على جنودنا، وحوّل مواطنيه إلى رهائن، ومستقبل إيران عائد لشعبها، مشيرا إلى أن الشعب الأميركي يقف إلى جانب الشعب الإيراني.
وتابع ترمب يقول "حصل ما يكفي من المعاناة والموت والدمار الذي تسببت به إيران، وسنعمل مع حلفائنا للتوصل إلى حلول حقيقية للتهديد الإيراني النووي"، لافتا إلى أنه مستعد للتفاوض على اتفاق جديد مع إيران عندما تكون مستعدة.
وأضاف ترمب "بعد لحظات، سأوقع أمرا رئاسيا للبدء بإعادة العمل بالعقوبات الأميركية المرتبطة بالبرنامج النووي للنظام الإيراني. سنفرض أكبر قدر من العقوبات الاقتصادية".
ونبه إلى أن "كل بلد يساعد إيران في سعيها إلى الأسلحة النووية يمكن أن تفرض عليه الولايات المتحدة أيضا عقوبات شديدة".
وقال ترمب أيضا "لدينا اليوم الدليل القاطع على أن الوعد الإيراني كان كذبة".
وشدد الرئيس الأميركي على أن إيران تستحق حكومة "أفضل".
وأكد أن "مستقبل إيران ملك لشعبها"، وأن الإيرانيين "يستحقون أمة تحقق أحلامهم وتحترم تاريخهم".
وكان مساعدون بالكونغرس الأميركي قالوا إن مسؤولين بإدارة الرئيس دونالد ترمب اتصلوا بأعضاء كبار في الكونغرس، اليوم الثلاثاء، وأبلغوهم أن ترمب قرر الانسحاب من اتفاق إيران النووي، ولكنه لن يعيد فرض العقوبات لفترة تصل إلى ستة أشهر.
وأوضح أحد المساعدين أن ترمب سيُبقي على تخفيف العقوبات لمدة 90 يوما قابلة للتجديد 90 يوما أخرى في الوقت الذي اتصل فيه مسؤولون كبار في الإدارة بأعضاء بالكونغرس كي يحيطوهم علما بقرار الرئيس قبيل إعلانه المتوقع.
وكان ترمب كتب على تويتر أنه سيعلن موقفه من الاتفاق المثير للجدل، الثلاثاء، الساعة 2.00 ظهراً (1800 بتوقيت غرينتش).
واعتبارا من عام 2006، فرض مجلس الأمن الدولي عبر سلسلة قرارات إجراءات عقابية لعرقلة هذه البرامج خشية ألا تستخدم لتطوير رؤوس نووية.
وفي محاولة لتوضيح هذا الملف المعقد، شرح الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، كليمان تيرم، في تقريره مكانة الصواريخ وأسبابها التاريخية، وفقا لما نقلته وكالة "فرانس برس".
وتشكل الصواريخ الباليستية أبرز وسيلة ردع في العقيدة العسكرية التي تقدمها طهران على أنها دفاعية، لكن القوى الإقليمية المنافسة لإيران تعتبر البرنامج الباليستي "هجوميا" (التي تعتبر البرنامج الباليستي الإيراني تهديدا لأمنها).
من جهتهم، يعبر الغربيون عن قلقهم إزاء استمرار برنامج باليستي في موازاة برنامج للاستقلالية النووية، بسبب احتمال أن تستخدم إيران هذه الصواريخ الباليستية على المدى الطويل لأهداف مرتبطة بالاستخدام النووي العسكري.
والأولوية المعطاة لهذا البرنامج من قبل إيران تفسر أولا عبر خبرة حرب المدن خلال حرب الخليج الأولى (1980-1988) بين العراق وإيران.
وأدرجت طهران برنامجها الباليستي في إطار سياسة ردع، لا سيما تحسبا لفرضية تدخل عسكري ضد منشآتها النووية. ويصب شراء أنظمة صواريخ روسية من نوع إس-300 في هذا الإطار.
كما تندرج رغبة إيران في تطوير قدرات تكنولوجية باليستية في إطار أوسع لسياسة الكفاية الذاتية، التي تعتمدها طهران للحد من أي اعتماد محتمل على الخارج.
رد فعل المملكة العربية السعودية
أيدت السعودية إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.
وقالت الخارجية السعودية: "تؤيد المملكة العربية السعودية وترحب بالخطوات التي أعلنها فخامة الرئيس الأميركي دونالد ترمب حيال انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي، وتؤيد ما تضمنه الإعلان من إعادة فرض للعقوبات الاقتصادية على إيران والتي سبق أن تم تعليقها بموجب الاتفاق النووي".
وأضافت: أن تأييد المملكة العربية السعودية السابق للاتفاق النووي بين إيران ودول مجموعة ( ٥ + ١ ) كان مبنياً على قناعتها التامة بضرورة العمل على كل ما من شأنه الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط والعالم، إلا أن إيران استغلت العائد الاقتصادي من رفع العقوبات عليها واستخدمته للاستمرار في أنشطتها المزعزعة لاستقرار المنطقة، خاصة من خلال تطوير صواريخها الباليستية، ودعمها للجماعات الإرهابية في المنطقة، بما في ذلك حزب الله وميليشيات الحوثي، التي استخدمت القدرات التي نقلتها إليها إيران في استهداف المدنيين في المملكة واليمن والتعرض المتكرر لممرات الملاحة الدولية، وذلك في انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن".
وتابعت: إن المملكة إذ تؤكد مجدداً تأييدها وترحيبها بالاستراتيجية التي سبق أن أعلن عنها فخامة الرئيس الأميركي تجاه إيران، تأمل بأن يتخذ المجتمع الدولي موقفاً حازماً وموحداً تجاه إيران وأعمالها العدائية المزعزعة لاستقرار المنطقة، ودعمها للجماعات الإرهابية، خاصة حزب الله وميليشيات الحوثي، ودعمها لنظام بشار الأسد والذي ارتكب أبشع الجرائم ضد شعبه والتي أدت إلى مقتل أكثر من نصف مليون من المدنيين، بما في ذلك باستخدام الأسلحة الكيميائية.
وجاء في البيان الذي نشرته الخارجية على حسابها في تويتر: ومن هذا المنطلق تؤكد المملكـة استمرارها في العمـل مـع شركائها في الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لتحقيـق الأهـداف المرجوة التي أعلن عنها الرئيس الأميركي، وضرورة معالجة الخطر الذي تشكله سياسات إيران على الأمن والسلم الدوليين بمنظور شامل لا يقتصر على برنامجها النووي، بل يشمل كافة أنشطتها العدوانية بما في ذلك تدخلاتها في شؤون دول المنطقة ودعمها للإرهاب، ويقطع كافة السبل، نهائيا، أمام إيران لحيازة أسلحة الدمار الشامل.
"رد قلق" من روحاني
قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الثلاثاء، في تعليقه على قرار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، إنه "سعيد بخروج طرف مشاغب منه"، مشيرا إلى أن بلاده اتخذت "جميع الإجراءات الاحترازية".
وقال روحاني إن "إيران ستبقى في الاتفاق النووي دون واشنطن.. وسنجري مشاورات مع الدول المعنية بالاتفاق".
كما أكد "نطمئن شعبنا بأننا اتخذنا جميع الإجراءات الاحترازية تحسبا لهذا القرار".
وأضاف الرئيس الإيراني: "الولايات المتحدة لا تحترم الاتفاقيات الدولية ولم تنفذ قط التزاماتها"، مشددا على أن قرار ترامب تجربة تاريخية لإيران.
وشهد سعر الريال الإيراني أمام الدولار الأميركي في محلات الصرافة، الثلاثاء، انخفاضا حادا، وذلك مع إقبال الإيرانيين على شراء العملة الصعبة، فيما يعطي الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي دفعة معنوية قوية للمحتجين ضد نظام طهران في داخل إيران.
إسرائيل "تثمن" قرار ترامب.. وأوروبا تعلن التزامها بالاتفاق
ثمّن رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتانياهو، "عاليا" قرار الرئيس دونالد ترامب، فيما أبدت فرنسا وألمانيا وبريطانيا "أسفها" حيال الاتفاق.
وذكر نتانياهو، الثلاثاء "أنا وشعب إسرائيل نثمن عاليا قرار ترامب ونشكره على هذا القرار الشجاع"، مضيفا "هذا الاتفاق كان كارثة".
بينما نقل الإليزيه عن الرئيس إيمانويل ماكرون قوله: "فرنسا وألمانيا وبريطانيا تأسف للقرار الأميركي بالانسحاب من اتفاق إيران النووي".
وأضاف: "سنعمل بشكل جماعي على إطار عمل أوسع يشمل النشاط النووي وفترة ما بعد عام 2025 وأنشطة الصواريخ الباليستية والاستقرار في الشرق الأوسط لاسيما سوريا واليمن والعراق".
فيما أعلن الاتحاد الأوروبي التزامه بالاتفاق النووي مع إيران، حيث قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني، إنها تتوقع أن يواصل باقي المجتمع الدولي تطبيق اتفاق إيران النووي بعد إعلان ترامب الانسحاب منه.
وتابعت: "اتفاق إيران النووي يحقق نتائجه ويضمن ألا تطور طهران أسلحة نووية".
برز العقوبات التي ستعود إلى إيران مجددا
يتساءل كثيرون عن العقوبات التي ستعود من جديد لتفرض على طهران. فما هي أبرز هذه العقوبات؟
لن يكون بمقدور إيران من الآن فصاعدا تصدير واستيراد الأسلحة، على خلاف ما كان ينص الاتفاق النووي مع الدول الغربية، مقابل وقف طهران برنامجها النووي المثير للجدل.
وستعود إلى اللوائح الأميركية السوداء أسماء أفراد وشركات وبنوك كانت متهمة في السابق بانتهاك القوانين الأميركية، لا سيما في ما يتعلق بعقوبات واشنطن على طهران بخصوص برنامجها النووي والصاروخي.
وسيحرم فرض العقوبات على إيران مجددا الاقتصاد المحلي من الانتعاش، الذي كان سيتحقق من استيراد قطع غيار الطائرات والسفن لتحديث أسطولها الجوي والبحري، بالإضافة حرمان طهران من صفقات تجارية خارجية ضخمة.
وبعودة العقوبات الأميركية على إيران، من المتوقع أن يتعثر الاقتصاد المحلي مجددا، إذ أن العقوبات كانت وراء أكثر من 20 بالمئة من مشكلات الاقتصاد الإيراني على مدار سنوات، كان أبرز معالمها بطالة تتجاوز 14 بالمئة.
أما قطاع النفط الإيراني، فسيكون أكبر متضرر من إعادة فرض العقوبات، لا سيما أنه أبرز مصدر للدخل في البلاد، وكانت إيران بحاجة إلى دعم من شركات غربية لتطوير هذا القطاع المنهك.
ولن يكون بمقدور إيران جذب استثمارات أجنبية للبلاد، بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية عليها، في ظل تشدد القوانين الداخلية مع قضايا الشركات الاستثمارية الوافدة من الخارج، لا سيما الغربية منها.
ومن ضمن العقوبات الأميركية التي سيتم إعادة فرضها على إيران، تجميد أي أموال لطهران في الخارج، خصوصا في الولايات المتحدة، مما سيحرمها من مداخيل هامة كانت ستنعش الاقتصاد الداخلي.
وبينما أوقف الاتفاق النووي الإيراني فكرة شن حرب غربية على طهران، فإن إعادة فرض العقوبات مجددا يضع هذه الفكرة على الطاولة من جديد، لا سيما مع اتساع رقعة تدخل إيران في شؤون دول المنطقة.