اسلام آباد - جمال السعدي
قبل أن تخسر حركة "طالبان" مواقعها في منطقة "تايوارا" في أواخر تموز / يوليو الماضي، لم تكن ظاهرة المقاومة الأخيرة نابعة من الحكومة الأفغانية وحدها، وإنما كانت بفضل السكان المحليين الذين تجمعوا حول ممثلهم في البرلمان. وقد تم بالفعل توجيه وحدة "الكوماندوز" الأفغانية الصغيرة في "تايوارا" الواقعة في الجزء الغربي من مقاطعة "غور" المعزولة، حيث وصل ابراهيم مالك زادا، وهو عضو البرلمان في المقاطعة ومقاتل مناهض لـ"طالبان" منذ التسعينات، من كابول في محاولة لحشد دفاع نهائي عن المدينة.
وقال مالك زادا إن قوات الكوماندوز الأفغانية، استعادت بدعم من القوات الجوية الأفغانية والولايات المتحدة، تايوارا. ويعرض سقوط المنطقة واستعادتها وكيفية مواجهة تلك الحرب الطويلة ويقول: المساحة غير الخاضعة للرقابة في جميع أنحاء المقاطعة لا تزال تزداد حيث أن كل جانب – سواء كان الحكومة أوالمسلحين - يحشد الموارد ويكسب السيطرة على منطقة فردية لفترة قصيرة. ومع ذلك، لا يبدو أن أيا من الطرفين قادر على الامساك بالأراضي التي يحصل عليها.
ومن الواضح أن الكوماندوز لا يمكن أن يبقى في تايوارا لفترة طويلة. ويقر المسؤولون علنا بأن ما تبقى من ميليشيا مالك زادا غير الرسمية، أكثر من 100 رجل، أملهم الاستيلاء على المنطقة. هناك مشكلة واحدة فقط: وهي ان مدير أمن مقاطعة غور والسيد مالك زادا يختلفان حول كيفية تسجيل رجاله رسميا مع الحكومة. ويريد رئيس الشرطة من الرجال القيام برحلة لمسافة 180 ميلا الى "فيروز كوه" عاصمة المقاطعة، ومن ثم يمكن تسجيل بصماتهم وخصائصهم الفيزيائية الاخرى لتحديد الهوية والتحكم في الدخول. وقال مال كزادا "ليس لدينا وقت لذلك". واضاف "ان العدو سيعيد السيطرة على المناطق".
وتظهر البيانات العسكرية الاميركية ان الحكومة الافغانية تسيطر على حوالي 24 فى المائة من مناطق البلاد وتؤثر على 36 فى المائة. ومن ناحية أخرى، تسيطر حركة "طالبان" على نحو 11 في المائة. يتنافس الجانبان على الباقي، اي حوالي 29 فى المائة. وتفقد الحكومة عددا متزايدا من المقاتلين في المناطق المتنازع عليها. وخلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2017، توفي حوالي 20 مقاتلا أفغانيا كل يوم بسبب جهود دفاعية، وهو عدد يبدو أنه قد ارتفع في الأسابيع الأخيرة.
وقبل هجوم "طالبان" الأخير، عانت مقاطعة غور منذ فترة طويلة من عدم اهتمام الحكومة. وفي أجزاء كبيرة من المقاطعة، كانت سيادة القانون غير موجودة، كما ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان دون عقاب. لكن ما لا يقل عن 2700 من ضباط الشرطة والجيش تمكنوا من التحرك في المنطقة الشاسعة، لتأمينها من خرق طالبان. وأظهرت طريقة طالبان للهجوم على "تايوارا" مدى ثقة المتمردين في شن هجوم هذا العام.
وسعى المتمردون إلى ربط المناطق التي كانوا قد استولوا عليها بالفعل، وتم حفر ممر من الجنوب إلى الشمال. وكان اول من اصيب بجروح بالغة هو وحدة كوماندوس افغانية تضم حوالى 45 رجلا كانوا قد اقاموا قاعدة مؤقتة على قمة تلة فى وسط المنطقة. وقال أحد ضباط الكوماندوز إن 12 من زملائه من المقاتلين قد قتلوا بالمواد الكيميائية، وأن حوالي 20 شخصا أصيبوا وأن عدة منهم اختفوا. وقال الضابط ان احد الكوماندوز اختبأ في الاشجار لمدة ثلاثة ايام، حتى تم استعادتها.
مع هزيمة وحدة الكوماندوز، تركت الحكومة المقاومة للمقاتلين الموالين للسيد مالك زادا. وقاوم رجاله على أمل أن تصل القوة الجوية والتعزيزات من عاصمة المقاطعة. ولم يتسبب المقاتلون في خسائر جسيمة قبل أن يتراجعوا. وقال محمد صديق الذي كان قد اضطر الى الفرار مع عائلته من وسط تايوارا بعد ان اشعل النار في مجمع الحكومة المحلية "انهارت المحلات ودمرت المستشفى". وردا على الانتقادات القائلة بان الدعم العسكري لم يرسل في الوقت المناسب، قال عبد الله عبد الله الرئيس التنفيذي للحكومة الافغانية الذي زار تايوارا مؤخرا بعد استعادته ان عدة مقاطعات تعرضت لهجمات في نفس الوقت.
ويقول مسؤولون في غور إن وجود كل من "طالبان" وفصيل يدَّعي الولاء لـ"داعش" يديره رجلان لهما تاريخ إجرامي طويل في المقاطعة، أحدهم هو "قاري رحمة الله"، وهو زعيم المجموعة التي تعمل تحت راية "داعش"، وهو أيضا قائد محلي منذ فترة طويلة قاتل ضد "السوفييت" في 1980، وكان ينتمي إلى واحد من الأحزاب السياسية الرئيسية في أفغانستان. وقام رجال "رحمة الله "بقتل حوالي 30 مدنيا في العام الماضي، وكان عليهم أن يواجهوا العدالة على الرغم من أنهم لا يعملون بعيدا عن عاصمة المقاطعة. وقال غلام ناصر خاز، حاكم غور: "بسبب قلة قوات الأمن، يسير قتلة شعبنا بحرية في الجبال الواقعة شمال فيروز كوه".
وقال مسؤولون امنيون ان الرجل الثاني هو "الملا مصطفى " الذي يقوم بدور الميسر المحلي لحركة طالبان. وقد لعب دورا رئيسيا في الهجوم الاخير، وهو معروف بانه ينشئ نقاط تفتيش على الطريق السريع الرئيسي لابتزاز المسافرين.
ويشعر المسؤولون المحليون بالاحباط بشكل خاص لأنه على الرغم من انحيازه الواضح لطالبان، فإن الملا مصطفى يحميه شخصيات بارزة في العاصمة كابول، بما في ذلك في "مجلس السلام الأفغاني" المكلف بالتفاوض مع طالبان. وقال المسؤولون ان الملا مصطفى له اتصالات ايضا مع ايران التي تتطلع الى تدعيم علاقاتها مع طالبان في افغانستان. ويقال ان لها الكثير من النفوذ عليها في الجزء الغربي من البلاد. وقال مسؤولان رفيعو المستوى فى غور ان ايران استخدمت الملا مصطفى لتعطيل بناء سد كبير في مقاطعة هيرات من شأنه ان يؤثر على تدفق المياه الى ايران.
وقال الجنرال محمد ناصر قائد قوات الجيش الافغاني في الغرب ان رجاله على يقين من ان الملا مصطفى ساعد في هجوم طالبان على تايوارا باستضافة مئات المقاتلين من المقاطعات المجاورة "كضيوف" قبل الهجوم. وقال انه في مكالمة هاتفية حذر الملا مصطفى من العواقب المحتملة. واضاف "انكم تعلمون ان هذا الوضع لن يبقى بالنسبة للحكومة وسنأتي بعدكم".
ومن دواعي فزع الناشطين في مجال حقوق الإنسان أن الحكومة اعتمدت في كثير من الأحيان على هذه الميليشيات المحلية في غور وغيرها من المقاطعات. في الآونة الأخيرة، لمواجهة مقاتلي "داعش"، حيث قامت الحكومة سرا بتجنيد الملا ساديار، وهو عضو آخر في الميليشيات التي لها علاقة مع طالبان.