أنجيلا ميركل تمهد الطريق لخلافتها في الحزب المسيحي

يعقد الحزب الديمقراطي المسيحي الذي ترأسه المستشارة الألمانية أنجيلا مركل، مؤتمرًا طارئًا في برلين، الإثنين، لإقرار برنامج الائتلاف الحكومي الذي يُرجّح تشكيله قريبًا، إذا وافق أعضاء الحزب الاشتراكي الديموقراطي عليه، وتنتظر أوساط الحزب، لا سيّما تياره المحافظ، أن تعلن المستشارة رسميًا أسماء وزراء حزبها في الحكومة، خصوصًا ممثل التيار المحافظ ينس شبان "37 عامًا" لحقيبة الصحة، والذي يرى فيه بعضهم بطلًا للجناح اليميني في الحزب.

وأكدت مصادر أن أورسولا فون دير لاين ستبقى وزيرةً للدفاع، فيما تُسند وزارة الزراعة إلى يوليا كلوكنر، المقرّبة من مركل. وسيتولى شبان منصب نائب وزير المال، وهو يحظى بمساندة قوية من رئيس منظمة «الشبيبة المسيحية» باول تسيماك الذي انتقد مركل أخيرًا، ويؤشر اختيارها له إلى حرصها على استمالة منتقديها، الذين دعوا إلى ضخّ دم جديد في الحزب. ورأى مراقبون أن مركل اضطرت للتنازل أمام التيار المحافظ في حزبها، بعدما أبدى انزعاجًا شديدًا من «استسلامها» لمطالب الاشتراكيين خلال مفاوضات الاتفاق على برنامج الحكومة، وتنازلها لهم عن وزارة المال، وعن وزارة الداخلية لحليفها المسيحي البافاري هورست زيهوفر.

ومعلوم أن ينس شبان، الشاب المحافظ الطموح، يعمل وراء الكواليس لإنهاء نهج الحزب الذي طبعته مركل على مدى 12 عامًا في الحكم، وكان عارضها في قضية استقبال اللاجئين، وطالب بقانون خاص للمسلمين في ألمانيا، وسافر إلى فيينا للاجتماع مع رئيس حكومتها الشاب أيضًا سيباستيان كورتس "31 عامًا" الذي ينتهج خطًا متشددًا إزاء اللاجئين. ويعتقد مراقبون بأن التيار المحافظ في الحزب يعمل بتمتين مواقعه، لوراثة المستشارة بعد أقل من أربعة أعوام، والتخلّص من نهجها الليبرالي والوسطي، فيما لم تستكن مركل إلى تآكل سلطتها وهيبتها أكثر فأكثر في الوقت المتبقي لها، بل سارعت إلى فتح الطريق أمام من يخلفها ويسير على خطاها.

وأكد مسؤول رفيع في حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الأحد، أنها قررت منح حقيبة وزارية لمعارضها الرئيسي في صفوف حزبها المحافظ، في محاولة منها لكبح التململ المتزايد داخل الجناح اليميني من الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وأفاد زعيم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ولاية ساكسونيا، مايكل كريتشمر، بأن المستشارة ستعين ينس سبان "37 عامًا" وزيرًا للصحة في حكومتها الجديدة، مؤكدًا ما ذكرته تقارير إعلامية. وقال كريتشمر المنتمي إلى الجناح اليميني للحزب «إنه مؤشر جيد، كونه سياسيًا مخلصًا أظهر على مدى أعوام أنه يتصرف لمصلحة بلده»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

وواجهت ميركل انتقادات لاذعة من صفوف حزبها، بعدما دفعتها نتائج الانتخابات التي جرت في سبتمبر/ أيلول إلى أن تسعى جاهدة لتشكيل «تحالف كبير» مع الاشتراكيين الديمقراطيين، يمكنها من حكم أكبر قوة اقتصادية في أوروبا لولاية رابعة. وتقدم سبان منتقدي سياسات ميركل الوسطية، تحديدًا تلك المتعلقة بالهجرة، فيما دعا إلى اتخاذ الحزب مواقف محافظة بشكل أكبر، سعيًا لاجتذاب قسم من الناخبين الذين أيدوا حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتشدد في الانتخابات التشريعية الأخيرة في سبتمبر.

وقد يساهم تعيين سبان ضمن حكومتها في نزع فتيل التمرد الداخلي الذي يواجهه حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، قبيل مؤتمره المزمع عقده الإثنين، أما الوزراء الخمسة الباقون الذين تعتزم ميركل تعيينهم من حزبها، فجميعهم موالون لها، ومن المتوقع أن تحتفظ أورسولا فون دير لاين بحقيبة الدفاع، فيما ستمنح حقيبة الاقتصاد لحليفها المقرب بيتر ألتماير. كما ستتولى جوليا كلوكنر المقربة من المستشارة وزارة الزراعة، وهي تمثل صلة وصل مع الجناح اليميني للحزب، لدعوتها إلى تبني سياسة حازمة في مجال الهجرة.

في المقابل، اضطر المحافظون إلى التخلي عن عدة وزارات مهمة للاشتراكيين الديمقراطيين، مثل وزارة المالية، لإقناعهم بالدخول في ائتلاف حكومي معهم. وما زال يتعين حصول الائتلاف الحكومي على موافقة أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذين يصوتون في استفتاء داخلي ستعلن نتائجه في 4 مارس/ آذار.

وإذا ما صوتت غالبية أعضاء الحزب بـ«لا» في الاقتراع الذي يجري عبر البريد والإنترنت، فإن ألمانيا ستواجه شللا سياسيا، وربما تضطر للذهاب إلى انتخابات مبكرة جديدة قد تنذر بإنهاء مسيرة ميركل في قيادة البلاد بعد 12 عامًا في السلطة. أما حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، فسيصوت على الائتلاف الاثنين، في عملية تبدو محض شكلية، بعد بادرة المستشارة الأخيرة حيال معارضيها في صفوفه.