عدن ـ عبدالغني يحيى
أدت الخلافات المتصاعدة بين أجنحة الميليشيات الحوثية وتفاقم أزمة عدم الثقة في القيادات المحسوبة على حزب "المؤتمر الشعبي" إلى جانب التصارع بين قيادات الجماعة على الأموال والمناصب في المؤسسات الإيرادية إلى تصدع حكومة الانقلاب واكتفاء الجماعة الحوثية بحكومة ظل مصغرة تتبع رئيس مجلس حكمها وصهر زعيمها مهدي المشاط.
وفي الوقت الذي توقفت الحكومة الانقلابية غير المعترف بها دوليا منذ نحو ثلاثة أشهر عن عقد اجتماعاتها الأسبوعية كما جرت العادة، أفادت لـ"الشرق الأوسط" مصادر مطلعة على ما يدور في أروقة حكم الميليشيات، بأن المشاط كلف حكومة ظل مصغرة من وزراء الجماعة الطائفيين باتخاذ القرارات المهمة تحت إشرافه، وترك القضايا الهامشية لرئيس حكومة الانقلاب عبد العزيز بن حبتور.
وذكرت المصادر، أن حكومة الظل الحوثية تتألف من عدد من وزراء الجماعة المنتمين إلى سلالة زعيمها عبد الملك الحوثي، وتتألف من المعين نائبا لرئيس الوزراء محمود الجنيد، إضافة إلى القيادي طه المتوكل المعين مؤخرا وزيرا لصحة الانقلاب، كما تضم زكريا الشامي المعين وزيرا للنقل ووزير مالية الجماعة حسين مقبولي الأهدل، والقيادي حمود عباد المعين أمينا للعاصمة صنعاء.
وفي الوقت الذي أطاحت فيه الجماعة بمحافظها في الحديدة، حسن الهيج ووضعته تحت الإقامة الإجبارية أطاحت محافظها في ريمة وعينت خلفا له القيادي الموالي لها المنتمي إلى أرحب فارس الحباري، وسط أنباء عن وجود صراع شديد بين عناصرها الطائفيين في ذمار وبين محافظها محمد حسين المقدشي، يرجح أنه سيسفر عن الإطاحة به، خاصة بعد أن رفض في الآونة الأخيرة قرارات للميليشيات بتعيين أتباعها في مناصب محلية دون علمه.
وفي هذا السياق، أطاح المشاط وزير الجماعة في حكومة الانقلاب للتجارة والصناعة، عبده محمد بشر، من منصبه وعين القيادي المقرب من الجماعة عبد الوهاب الدرة في المنصب، كما عين، القيادي في الجماعة محمد الهاشمي نائبا له. وجاءت إطاحة بشر الذي يشغل أيضا عضوية مجلس النواب، في سياق عقوبة الجماعة له إثر مواقفه الحادة المناهضة لها، وما أطلقه من تصريحات نارية قبل أسابيع اتهم فيها الميليشيات بسرقة إيرادات المؤسسات الحكومية وعدم توريدها للبنك والتدخل في عمل الحكومة والوزارات، كاشفا عن وجود إيرادات ضخمة تكفي لصرف رواتب الموظفين، غير أن لصوصية مشرفي الجماعة هي العائق الوحيد أمام صرف الرواتب.
وكانت مصادر مالية في صنعاء، كشفت عن أن الجماعة الحوثية، تحصلت خلال النصف الأول من العام الحالي، أكثر من 400 مليار ريال (نحو مليار دولار) من عائدات الضرائب والجمارك والزكاة ورسوم الخدمات، فضلا عن الأرباح التي جنتها من عائدات بيع النفط والغاز، التي تناهز هذا المبلغ.
كما أدت الخلافات بين قادة الجماعة على المناصب في الجهات ذات الموارد إلى احتجاب كثير منهم، في حين أعاد المشاط قيادات حوثية أخرى إلى الواجهة رغم ثبوت تورطها في نهب المال العام وتدمير المؤسسات كما صنع مع القيادي يحيى المهدي بتعيينه عضوا في النسخة الحوثية من مجلس الشورى.
وكان القيادي البارز في الميليشيات أبو علي الحاكم المعين رئيسا لاستخبارات الجماعة أطاح المهدي قبل أشهر، من منصبه مديرا عاما للتوجيه المعنوي، وأمر باعتقاله مع عدد من أشقائه الذين اتهمهم بنهب أموال طائلة والسطو على عشرات السيارات المملوكة لدائرة التوجيه المعنوي الخاضعة للجماعة.
وفيما يتحدث الناشطون الحوثيون في مجالسهم الخاصة بصنعاء، عن اعتزام المشاط إطاحة محافظ ذمار محمد المقدشي، لجهة أنه يحاول الاستيلاء على عائدات الجمارك على البضائع القادمة من مناطق سيطرة الشرعية، بعيدا عن عناصر الجماعة، ولجهة تقصيره في حشد المجندين إلى جبهات القتال من قبيلته "عنس" ذكرت هذه المصادر أن إطاحة الجماعة بمحافظها في تعز عبده الجندي باتت وشيكة لأسباب مالية ولشكوك في صدق ولائه للجماعة.
وذكرت مصادر في تعز لـ"الشرق الأوسط" أن نجل الجندي لجأ في الآونة الأخيرة، بتوجيه من والده، إلى بيع قرارات التعيين في المصالح والإدارات المحلية في الشق غير المحرر من المحافظة، مقابل مبالغ تتراوح بين ألف وألفين دولار للقرار الواحد. ولعل تلويح الميليشيات بإطاحة الجندي من منصبه، هو الذي دفعه قبل أيام، إلى الذهاب إلى مدينة الحديدة لرفع معنويات مسلحي الجماعة، إلى جانب حرصه على الظهور في مقطع مصور وهو يقبل أقدام أحد جرحى الميليشيات الذين ينتمون إلى سلالة زعيم الجماعة، في مسعى منه لإثبات ولائه وخضوعه التام.
ومع ارتفاع منسوب الشكوك الحوثية في ولاء رئيس حكومتها عبد العزيز بن حبتور، كانت المصادر الرسمية للجماعة ذكرت في أكثر من مناسبة قيام نائبه للشؤون الاقتصادية بترؤس اجتماعات مصغرة مع قيادات الجماعة المعينين في مجلس وزرائها لمناقشة أداء الحكومة ووضع الخطط لمهام الوزارات.
وبسبب حالة عدم الثقة المتصاعدة بين قادة أجنحة الجماعة، منذ مقتل رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد، انخفضت حالات ظهورهم ميدانيا، بمن فيهم القيادي محمد علي الحوثي رئيس ما تسمى اللجنة الثورية العليا، فضلا عن مهدي المشاط نفسه، الذي تؤكد مصادر مطلعة في صنعاء أنه بات يتنقل في لقاءاته المحدودة في نحو 10 مقرات سرية. كما ذكرت المصادر، أن قادة الجماعة بمن فيهم محمد الحوثي والمشاط، استحدثوا لهم مكاتب في مقر وزارة الخارجية الموجود جوار المبنى الجديد للبرلمان في شارع الستين الغربي، حيث يلجأون إليها من وقت لآخر لعقد الاجتماعات أو لقاء وفود المنظمات الدولية.