لندن _ سليم كرم
تُعدّ البلقان نقطة الوميض في مهد الحرب العالمية الأولى، وهي المكان الذي تتاخم فيه الإمبراطوريات والعرقيات والديانات، الآن يحذّر المحللون أن المنطقة أصبحت ساحة معركة كأنها حرب باردة جديدة، ويقولون إن روسيا تعمل على توسيع نفوذها وتضخيم التوترات العرقية في الدول التي تأمل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ودفعت مشاركتها بالفعل بروكسل لإحياء أهداف منسية للتوسيع، كما أنها تحظى باهتمام جديد من واشنطن بشأن المخاطر الأمنية على أعضاء حلف الناتو.
وقال مارك غاليوتي، وهو باحث كبير في معهد العلاقات الدولية، في براغ، إنه بعد الاستجابة الغربية المنسقة لتسمم جاسوس روسي سابق وابنته في بريطانيا، طرد نحو 150 دبلوماسيا وضابطا في المخابرات الروسية، وأصبح البلقان أكثر أهمية، مضيفا "روسيا تبحث عن طرق للرد غير متماثلة وتوفر فرصا لموسكو".
وفي ورقة جديدة للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يقول السيد غاليوتي إن "روسيا تتطلع إلى البلقان باعتبارها ساحة معركة في حربها السياسية، والتي تسعى إلى خلق إلهاءات وأوراق مساومة محتملة مع الاتحاد الأوروبي".
من جانبه، قال تشارلز كوبشان، الذي كان مديرا لأوروبا بمجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إن "الروس يستغلون الجزء الأخير من أوروبا الغربية التي لا تزال مختلة سياسيا".
ويحمل الوضع صدى بعيدا لأوكرانيا إذ وافقت روسيا في الأصل على انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس حلف الناتو، ثم غيرت رأيها، مما أدى إلى الثورة التي دفعت موسكو إلى ضم شبه جزيرة القرم وإثارة الانفصال في شرق أوكرانيا، وفي البلقان، فإن المنافسة مع روسيا لديها القدرة على زرع عدم استقرار جديد في منطقة ما زالت تخرج من الحرب الشريرة التي حدثت في 1992-1995 والتي حطمت يوغوسلافيا السابقة، وفي سراييفو، تم محو العديد من الندوب، وتم تجديد فندق هوليداي إن السابق، الذي كان في السابق ملجأ دون نوافذ للصحافيين بالقرب من زقاق القناصة أثناء حرب البوسنة، وتم إحراق مبنى مجلس مدينة نيو مورس، وهو نصب تذكاري للتعددية الثقافية التي تعرضت للقصف والحرق، على مستوى عال، ومع ذلك، فإن البوسنة والهرسك، الدولة المكسورة التي أعيد بناؤها في عام 1995 في نهاية الحرب، لا تزال هيكلا هشا، يمزقه الفساد والقيادة الضعيفة والضغوط العرقية والقومية بين المجتمعات، وهي استعارة مجازية لدول البلقان.
وأكد السيد كوبشان على أن البوسنة والهرسك واحدة من عدة نقاط دخول رئيسية تسعى روسيا إلى استغلالها، حيث يواصل زعيم المنطقة الصربية شبه المستقلة المعروفة باسم جمهورية صربسكا، ميلوراد دوديك، الضغط من أجل استفتاء الاستقلال، وتشمل الدول الأخرى مقدونيا، حيث لا تزال العلاقات بين العرقية الألبانية والعرقية السلافية متوترة، وبين كوسوفو وصربيا.
ويشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق من التدخل الروسي، وهو يجدد احتمال تجديد العضوية في البوسنة والدول الخمس الأخرى في غرب البلقان، صربيا والجبل الأسود ومقدونيا وألبانيا وكوسوفو، مقابل إصلاح هيكلي أساسي، لكن الشكوك بين هذه البلدان حول بروكسل عميقة، ويشك الكثيرون في صدق الاتحاد الأوروبي الذي يتحول أكثر نحو الداخل، وهو أكثر حذرا بشأن الهجرة وأكثر حذرا، بعدما حدث في رومانيا وبلغاريا، بشأن إشارك الدول قبل أن تكون جاهزة للعضوية، ولا أحد يعتقد أن أيا من هذه الدول على استعداد للانضمام، لكن الحاجة الملحة للإصلاح تراجعت مع إنحسار الهدف، وقبل أربعة أعوام، قال رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود جونكر، إنه لن يكون هناك توسع سريع للكتلة، مما سيؤدي إلى نشوء العملية، وكما يقول وزير الخارجية المقدوني، نيكولا ديميتروف، في كثير من الأحيان، وكأنه "محبوس في غرفة انتظار بلا مخرج".
وقال كارل بيلدت، وزير الخارجية السويدي السابق والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى البلقان "لقد أخطأ جونكر بالقول إنه غير مهتم بالتوسع".
ولكن عملية خروج بريطانيا من الكتلة وروسيا يلعبان على شقوق المنطقة، ووضع الاتحاد الأوروبي الآن خطة مفصلة نسبيا للبلقان، وقد سُجل حتى الآن أنه إذا سارت الأمور على ما يرام، فإن صربيا والجبل الأسود، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان تشاركان الآن في عملية الانضمام ومن ثم على المرشحين الرئيسيين، يمكنهما الانضمام بحلول عام 2025.
ووضعت استراتيجية الكتلة لدول غرب البلقان، التي نشرت في فبراير/ شباط، ست مبادرات، وهي الأمن والهجرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية النقل والطاقة، على جدول أعمال رقمي و"المصالحة وعلاقات حسن الجوار".
وتعقد بلغاريا، رئيسة الكتلة الحالية، اجتماع قمة خاص في البلقان في مايو/ آيار، وستكون دول البلقان على جدول أعمال المجلس الأوروبي في يونيو/ حزيران، وسيستضيف البريطانيون اجتماع قمة لدول غرب البلقان في يوليو/ تموز، قبل حلف الناتو مباشرة، واجتماع آخر في بروكسل، وقال يوهانس هان، مفوض الاتحاد الأوروبي المكلف بالتوسع "لقد حان الوقت لإنهاء عمل عام 1989، لقد حددنا عام 2025 على أنه تاريخ إرشادي لصربيا والجبل الأسود، وهو أمر واقعي ولكن أيضا طموح للغاية، وسواء كان ذلك واقعيا أم لا، دعونا نرى".
ويعتقد الكثيرون بأنه طموح أكثر من اللازم، بالنظر إلى أن الكتلة تصر على أن جميع هذه الدول تسوي نزاعاتها الحدودية العديدة، وهناك أيضا مشاكل داخلية خطيرة، كما اعترف تقرير الكتلة، واليوم، تظهر البلدان عناصر واضحة في أسر الدولة، بما في ذلك صلاتها بالجريمة المنظمة والفساد على جميع مستويات الحكومة والإدارة، فضلا عن تشابك قوي بين المصالح العامة والخاصة، وأشارت إلى وجود أدلة قوية على "التدخل السياسي المكثف في وسائل الإعلام والسيطرة عليها" وعدم استقلال القضاء، أضف إلى ذلك الاقتصادات غير التنافسية وهرب الشباب الذين يبحثون عن وظائف أفضل، ويبدو أن الاحتمالات قاتمة، ولكن الآن، أصبح الأميركيون أكثر اهتماما فجأة أيضا، حيث قلق واشنطن المتجدد ينبع جزئيا من المخاوف بشأن التوسع في النفوذ الروسي، قال روس جونسون، مشيرا إلى أن الكونغرس الآن يطالب وزارة الدفاع بتوفير تقييم للتعاون الأمني بين كل دولة من دول غرب البلقان والاتحاد الروسي.
وأوضحت روسيا أنها تعتبر التوسع الجديد لحلف الناتو في غرب البلقان غير مقبول، كما أن موسكو متورطة في محاولة انقلاب غريبة في الجبل الأسود في عام 2016 قبل انضمام هذا البلد لحلف شمال الأطلسي، وتحاول روسيا تأسيس نفسها في المنطقة، سواء مع الحكومة أو قطاع الأعمال، بحيث عندما تدخل هذه الدول الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف، سيحملون النفوذ الروسي معهم.
وتشبه هذه الاستراتيجية ما تقوم به الصين وروسيا مع اليونان وقبرص، التي تعتبر على نطاق واسع أماكن يمكن فيها غسل الأموال الروسية باليورو.
ويشير السيد بيلت بشكل خاص إلى الاستثمار الروسي في البنية التحتية الصربية الرئيسية، مثل الطاقة، وعلى الرغم من أن الاستثمارات الروسية تتضاءل مقارنة ببلدان الاتحاد الأوروبي، لدى صربيا صلة طبيعية بإخوانها الأرثوذكس الروس وتتذكر الدعم الروسي خلال حرب كوسوفو.
ويقول آخرون إنه يجب على بروكسل أن تضع مزيدا من الثقل وراء كل من الجزرة والعصي بتقديم حوافز حقيقية للإصلاح المؤسسي والانضمام للاتحاد، وعقوبات حقيقية إن لم تكن كذلك، وكان مسؤول أميركي كبير سابق قد وصف المنطقة بأنها ساحة معركة جديدة للحرب الباردة، وقال إن بروكسل كانت أكثر صرامة من الطرق التي تحاول بها إبقاء الناس على المسار الصحيح للسلوك، في حين أن المال ليس متصلا كما ينبغي أن يكون لأهداف الإصلاح.
وقال المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه للحفاظ على النفوذ في المنطقة، إن الدول قامت بالإصلاح فقط عندما عملت بروكسل وواشنطن معا على دفع القادة بقوة لكسر العادات القديمة للفساد، والقبض على الدولة، والقضاء المسيس، وشركات القذائف الروسية التي تحاول أن تأخذ على البنية التحتية الأساسية ووسائل الإعلام، ولكن أوروبا ليست متحمسة لاستيراد المزيد من المشاكل.
وقال نوربرت روتغن، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني "الحجة هي أنه فقط من خلال الاستيلاء على دول البلقان، نؤكد على تعزيز الاستقرار، ولكن لكن هل هذا صحيح؟ وأضاف "إذا أدخلنا الدول الهشة إلى الاتحاد الأوروبي، فنحن نستورد الهشاشة، إذا كنا نتنازل عن الشروط، فإننا ندع الدول الهشة مفتوحة للتأثيرات الأجنبية، لذا يتعين علينا أن نكون صارمين في متطلبات الدخول".