عدن _ عبد الغني يحيى
تُشير التطورات الميدانية الأخيرة والتحركات الموازية لها، من قبل قيادة الشرعية في اليمن، إلى ما يرجح أنها مساعٍ لتنفيذ خطط عسكرية لقوات الجيش اليمني المدعوم من التحالف، لجهة حسم المعارك على الأرض وشلّ قدرات ميليشيا جماعة "الحوثيين" الانقلابية في جبهات صعدة والحديدة وتعز والبيضاء.
اليومان الأخيران شهدا تصعيداً ميدانياً لافتاً وتحركات لقيادة الشرعية على وقع فتح جبهة ثانية باتجاه محافظة البيضاء (وسط اليمن) من الجهة الشمالية، انطلاقاً من منطقة قانية في مديرية الجوبة لتشكيل كماشة ضد الانقلابيين بالتوازي مع التقدم العسكري المستمر من الناحية الشرقية المحاذية لشبوة.
ويمثِّل أحدث تصعيد في محافظة صعدة، من خلال إطلاق عملية جديدة في مديرية الظاهر لأول مرة غرب المحافظة، حيث تبعد مرمى حجر عن المعقل الأول لزعيم ميليشيا التمرد الحوثي في منطقة مرّان المجاورة.
تتجاور هذه الجبهة الجديدة مع الجبهة الأخرى في الشمال الغربي لصعدة في مديرية رازح حيث تتقدم القوات عبر جبال الازهور نحو مركز المديرية، ويرجح أن تلتقي مع الجبهة الغربية الجديدة بعد السيطرة على مناطق مديرية شدا ومواقع الميليشيا في مديرية حيدان، وتحرير مناطق الحصامة والملاحيظ (مركز مديرية الظاهر.
وفي إزاء هذه العمليات التي يقودها الجيش اليمني في صعدة تحت اسم "قطع رأس الأفعى" بدأت التحركات في جبهتي كتاف وعلب، في الشمال، والشمال الشرقي من صعدة، تأخذ منحى تصاعدياً لكسر دفاعات الميليشيا، واستعادة معقل الجماعة الرئيسي، في هذه المحافظة التي يعني تحريرها ضرب الجماعة الانقلابية في مقتل وشل معنويات أتباعها في مختلف الجبهات.
ويرجح مراقبون عسكريون تحدثوا مع "الشرق الأوسط" أن خطة الشرعية والتحالف تشمل استعادة بقية مناطق محافظة تعز، عبر التقدم من جبهة القبيطة شمال لحج، لاستعادة الراهدة، والزحف نحو منطقة الحوبان شرق تعز حيث المقر الأساس لقوات الميليشيات الذي ستقود السيطرة عليه إلى تهاوي عناصرها واستعادة تعز كلية، وقطع طرق الإمداد القادمة إليها من جهة إب شمالاً.
وتدور عمليات الجيش اليمني في هذه الجبهة، حالياً في محيط الراهدة التي تشكل أيضاً قاعدة مهمة للانقلابيين لإمداد عناصرهم في الريف الجنوبي لتعز، وفي مناطق الحجرية ومديرية الصلو.
إلى ذلك، كشفت مصادر قريبة من حزب "المؤتمر الشعبي" أن قوات ضخمة يقودها نجل شقيق الرئيس الراحل، طارق صالح تحركت إلى جبهة الساحل الغربي ووصلت إلى مديرية المخا في سياق عملية واسعة لاستكمال الزحف نحو مدينة الحديدة ومينائها، انطلاقاً من المواقع التي ترابط فيها القوات الحكومية حاليا في مديريتي حيس والخوخة وأطراف مديرية الجراحي.
ويرجح المراقبون أن التصعيد الحوثي الأخير، بإطلاق الصواريخ على المدن السعودية، واستهداف ناقلة النفط، لن يمر دون عقاب، من قبل الشرعية اليمنية والتحالف العربي، وأن التوقعات المحتملة تشير إلى بدء عمل عسكري وشيك في جبهة الساحل الغربي.
وفي شأن الجبهة التي أطلقتها قوات الجيش من مأرب باتجاه البيضاء، أفادت المصادر الرسمية اليمنية بأنها حققت أمس تقدماً ميدانياً بعد معارك ضارية مع عناصر الميليشيا وقصف مدفعي متبادل، وضربات جوية لطيران التحالف لإسناد الجيش اليمني، وتدمير تحصينات جماعة التمرد.
وتعني السيطرة على البيضاء، فتح الباب على مصراعيه، لتوغل القوات الحكومية باتجاه ذمار، والضالع وصنعاء وإب، ووضع قدم باتجاه صنعاء من الجهة الجنوبية. كما يعني الضغط على الميليشيات وتبديد تركيزها واستنزاف قدرتها في أكثر من جبهة.
ودفعت الميليشيات الحوثية القيادي في حزب "المؤتمر" والزعيم القبلي الذي يعمل معها وزيراً للتعليم العالي في حكومتها الانقلابية، غير المعترف بها، حسين حازب، ليوجه مناشدة، يخوف فيها قبائل مراد في مأرب، التي ينتمي إليها لعدم السماح بفتح جبهة قانية باتجاه البيضاء، لجهة أن ذلك سيدخل مناطقهم في أتون الصراع، وسيؤدي إلى تدميرها.
وقابل الناشطون اليمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي دعوة حازب بالسخرية، واعتبروها محاولة مفضوحة ويائسة من قبله لإنقاذ الميليشيا التي يعمل معها من مصيرها المحتوم، في البيضاء، وليس حبّاً منه لقبيلة مراد.
وأفاد موقع الجيش سبتمبر نت" أمس، بأن التقدم لقوات الجيش "يأتي في إطار الاستعدادات لتحرير البيضاء من سيطرة ميليشيا الحوثي الانقلابية"، وقال إن القوات "تخوض معارك عنيفة ضد الميليشيا في منطقة قانية بالتزامن، مع غارات جوية استهدفت مواقع وآليات للميليشيا الحوثية في مناطق مسعودة، والعُر، ومحجان، وحوران، وقانية".
ومع هذا التصعيد للشرعية اليمنية، استدعى أمس رئيس مجلس انقلاب الجماعة الحوثية صالح الصماد، وزير دفاع الميلشيات للاجتماع معه في صنعاء، وقالت مصادر الجماعة إن الاجتماع خُصِّص لمناقشة التصعيد وكيفية مواجهته.
وفي السياق نفسه، أفادت مصادر محلية يمنية بأن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي استنفر أتباعه، وعدداً من قادة ميليشياته للدفاع عن مسقط رأسه في منطقة مران، بعد التقدم الأخير لقوات الشرعية نحو الملاحيظ" في مديرية الظاهر وسيطرتها على معسكر الكمب غرب مركز المديرية.
كما ذكرت المصادر الرسمية للجيش اليمني أن قواته قصفت لأول مرة بالمدفعية من مناطق تمركزها الجديد مواقع الميلشيات في مران، في ظل سعي حثيث للسيطرة على جميع الجبال المطلة على الملاحيظ قبل التقدم نحو مران وبقية مناطق مديرية حيدان.
وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر ورئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، كثفوا اتصالاتهم في اليومين الأخيرين مع قيادات الجيش والقائم بأعمال وزير الدفاع محمد المقدشي.
وذكرت وكالة "سبأ" أن هادي اطلع في اتصاله مع المقدشي "على الانتصارات التي حققها الجيش في جبهة البيضاء في منطقه قانية وتقدمه باتجاه مديرية السوادية، وعلى الانتصارات في جبهات محور صعدة في مديرية الملاحيظ وجبهات البقع والخضراء وعلى التقدم العسكري للجيش الوطني في الساحل الغربي باتجاه الحديدة".
وأفادت الوكالة بأن هادي "أكد على ضرورة مواصلة الانتصارات وتنفيذ الخطط العسكرية المرسومة بدقة حتى تحرير جميع مناطق اليمن من سيطرة ميليشيا الحوثي الانقلابية"، التي قال إنها "تسعى لتنفيذ أجندة خارجية للإضرار بأمن واستقرار المنطقة والعودة بالوطن نحو عهد الإمامة".
وأفاد المركز الإعلامي للقوات المسلحة اليمنية بأن "قوات الجيش بمديرية كتاف، شمال شرقي صعدة، أطلقت عملية عسكرية واسعة، تمكنت خلالها من تحرير سلسلة جبال (الوسواس الأصغر) و(الوسواس الأكبر) التي يبلغ امتدادها نحو 5 كلم".
وذكر أن "القوات مسنودة بالتحالف العربي، شنَّت هجوماً واسعاً على مواقع الميليشيا الانقلابية شمالي كتاف، باتجاه وادي الفرع، وتمكَّنَت من تحرير جبل برج السديس وجبال السبعة والثمانية وصولاً إلى تحرير تباب القناصين ومنطقة الصوح، كما تمكنت من تحرير سلسلة جبال طور الهشيم المطلة على وادي الفرع".
وأفاد المركز بأن القوات "عثرت على مخزن أسلحة يتضمن صواريخ موجهة وأخرى مضادة للدروع، إضافة إلى كميات كبيرة من الألغام والعبوات المختلفة، وأجهزة اتصالات، في حين أسفرت المعارك عن خسائر بشرية ومادّية كبيرة في صفوف الميليشيات، إذ إن عشرات الجثث الحوثية متناثرة في الجبال".
وفي سياق متصل، فشلت الميليشيات أمس في إطلاق صاروخ باليستي باتجاه مأرب، من منطقة في همدان شمال غربي صنعاء، وقال شهود محللين إن الصاروخ سقط في مزرعة في مديرية أرحب المجاورة، شمال صنعاء، كما أعلن الجيش اليمني أنه حرَّر سلسلة جبلية استراتيجية في جبهة نهم شمال شرقي العاصمة بإسناد جوي من مقاتلات التحالف.
وقال الناطق الرسمي للمنطقة العسكرية السابعة العقيد عبد الله ناجي الشندقي إن "القوات حررت سلسلة جبال العقد وجبال السعلي بعد معارك ضارية مع ميليشيا الحوثي الانقلابية أسفرت عن مقتل 23 وإصابة عشرات المتمردين بجروح".