برلين ـ جورج كرم
استأنفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس السبت، محادثات صعبة لتشكيل ائتلاف حكومي وتفادي دخول أزمة سياسية في أكبر اقتصاد أوروبي. وفازت الزعيمة المخضرمة التي تحكم منذ عام 2005 في انتخابات 24 سبتمبر /أيلول دون حصول تكتلها المحافظ على غالبية واضحة، تحديداً بسبب تقدم الحزب اليميني المتشدد "البديل لألمانيا"، وبات عليها الآن إقامة تحالف غير متوقع مع "الحزب الديمقراطي الحر" الليبرالي و"حزب الخضر" اليساري. لكن خلافات هذه الأحزاب السياسية العميقة، خصوصاً فيما يتعلق بالهجرة والبيئة تعرقل المفاوضات الماراثونية المستمرة منذ شهر، ما أدّى إلى بلوغ الموعد النهائي الخميس دون التوصل إلى اتفاق. وأعلنت الأطراف المختلفة تمديد المحادثات حتى مساء اليوم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وإذا لم تتوصل الأحزاب الممثلة للاتجاهات الرئيسية في الطيف السياسي إلى اتفاق، ستبقى الحكومة في متاهة فعلية، فيما ستظل ميركل عبارة عن مستشارة تصريف أعمال. وفي حال فشلت محاولات تشكيل حكومة، فيرجح أن تجري ألمانيا انتخابات مبكرة، وهو ما سيعرض ميركل إلى مزيد من الانتقادات حتى في صفوف حلفائها، لأن ذلك قد يعزز موقع حزب "البديل لألمانيا" المناهض للهجرة والإسلام.
وقال ألكسندر دوبرندت من "الاتحاد المسيحي الاجتماعي"، وهو حزب بافاري متحالف مع ميركل: "هناك رغبة في ضمان نجاح هذه المهمة السياسية، ولكن النجاح لا يمكن أن يكون بأي ثمن". من جانبه، أكد زعيم "الحزب الديمقراطي الحر" كريستيان ليندر: "سينتهي الأمر الأحد. علينا التوصل إلى قرار في عطلة نهاية الأسبوع الحالية". بدورها، أشارت صحيفة "سوديتش تسايتونغ" إلى أن ميركل، التي لم يعد يُنظر إليها على أنها غير قابلة للهزيمة، "تواجه حالياً أصعب مهمة خلال قيادتها حتى الآن".
وقال خبير الشؤون السياسية ألبريخت فون لوكيم لمحطة "إن تي في" الإخبارية، إن "الخاسر (حتى الآن) هو أنجيلا ميركل"، لأنها بدلاً من النضال من أجل مبادئ معينة، "حاربت استراتيجياً من أجل الاحتفاظ بالسلطة". وبعد ساعات من انتهاء اجتماع استمر 15 ساعة نحو الساعة الرابعة صباحاً، الجمعة، قالت ميركل التي عايشت عدداً لا يحصى من اجتماعات الاتحاد الأوروبي التي امتدت إلى ساعات متأخرة من الليل، إن "مهمة تشكيل حكومة لألمانيا أمر غاية في الأهمية ويستحق العناء".
من جهته، قال زعيم "الاتحاد المسيحي الاجتماعي" هورست سيهوفر: "لدينا هدف الانتهاء بحلول الأحد (اليوم)، لأن للشعب الألماني الحق في معرفة" إن كان سيتم تشكيل حكومة جديدة أم لا. وتخيّم مسألة الهجرة الشائكة على الواقع السياسي الذي تعيشه ألمانيا، وهي قضية حساسة للغاية منذ فتحت ميركل الحدود عام 2015 أمام أكثر من مليون طالب لجوء. وفيما يدعو "الاتحاد المسيحي الاجتماعي" إلى تحديد عدد الوافدين مستقبلاً بـ200 ألف كل عام، يصر حزب الخضر على ضرورة السماح لمزيد من اللاجئين بإحضار عائلاتهم.
ولا تزال هناك كذلك خلافات عدة بشأن السياسة المتعلقة بالمناخ، حيث يطالب الخضر بالتخلص التدريجي من الفحم الملوث والسيارات التي تعمل بمحرك الإحراق، فيما يصر المحافظون والحزب الديمقراطي الحر على ضرورة حماية الصناعات والوظائف. ويعقد "الخضر" مؤتمراً لحزبهم بعد نحو أسبوع، حيث سيقرر الأعضاء إما الموافقة على التنازلات التي حصل عليها قادة الحزب من الأحزاب الأخرى أو رفضها، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وجدد زعيم الحزب الاشتراكي - الديمقراطي (يسار وسط) مارتن شولتز، الذي سبق وتحالف مع ميركل قبل أن ينضم للمعارضة بعد الخسارة التي مني بها في الانتخابات، انتقاده المفاوضات الحالية. واتّهم الأحزاب الأربعة بالبحث عن "أقل قاسم مشترك" في جو يسوده "الحد الأقصى من عدم الثقة المتبادلة" بقيادة ميركل، التي وصفها بـ"بطلة العالم في الضبابية". ورأى شولتز أن تحالفاً سيئاً بين الأحزاب الأربعة، سيقلّص دور ألمانيا في الاتحاد الأوروبي ويسهم في إصابة "أوروبا بالشلل".
من ناحيتها، كتبت صحيفة "فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ" أنه رغم العراقيل "ليس بإمكان ميركل أن تفشل، لأن الحزب الاشتراكي الديمقراطي (...) لن ينقذها مجدداً". وأوضحت أن الأحزاب الأصغر "تتحارب على حساب المستشارة، التي لن تحصل بالضرورة على الإشادة في حال نجحت المحادثات، ولكنها بكل تأكيد ستواجه الملامة في حال فشلت المحاولة". وسيشكل إجراء انتخابات جديدة ضغطاً على جميع الأحزاب، وفقاً للصحيفة، ولكن تحديداً على المستشارة، "لأن نجم ميركل سيخبو بشكل أسرع وربما سيختفي تماماً".