واشنطن ـ يوسف مكي
يُسلّط الصحافي نزار مانيك، مراسل وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في أديس أبابا، الذي يغطي أخبار إثيوبيا والقرن الأفريقي، الضوء على استثمار الصين المليارات في أفريقيا ومشروعها الجديد في جيبوتي كأكبر منطقة للتجارة الحرة في القارة، وذلك بفضل موقعها الاستراتيجي، والديون الكبيرة التي تدينها لبكين.
بدأ مانيك مقاله قائلا: "في رحلة عبر إثيوبيا غير الساحلية إلى ولاية جيبوتي الصغيرة المطلة على البحر الأحمر، داخل قطار السكك الحديدية لمدة 10 ساعات، يختلط مزيج
من اللغات الإقليمية والأجنبية، وللوهلة الأولى، لا يوجد شيء صيني واضح في خط سكة حديد أديس أبابا - جيبوتي، لكن بعد ذلك يمكنك رؤية سائق القطار الصيني وعدد قليل من الركاب الصينيين.. ففي الواقع، كما يقول إلياس موسى دواله، وزير المال في جيبوتي إن السكك الحديدية لن توجد في شكلها الحالي دون ضخ هائل للقروض الصينية، وفي الواقع، يعتمد معظم اقتصاد جيبوتي على الائتمان والاستمثارات الصينية".
وأوضح: "ربما لم يبدِ الصينيون نفس القدر من الاهتمام إذا لم يكن لموقع جيبوتي الجغرافي والاستراتيجي أهمية، فنحو ثلث جميع سفن الشحن في العالم تمر عبر هذه الأرض القاحلة على الحافة الشمالية الشرقية لأفريقيا في طريقها من وإلى قناة السويس، البحر الأحمر والمحيط الهندي".
وأضاف: "يمثل الوجود الصيني هنا جزءا من مبادرة "الحزام والطريق" العالمية، وهي مزيج من الاستراتيجية الاقتصادية والسياسة الخارجية لبكين الذي يغذيه سيل من الأموال الصينية ويهدف إلى إعادة توازن التحالفات العالمية. وكما هو الحال مع العشرات من المحطات الأخرى على طول طريق الحرير الجديد، فإن الاستثمارات الصينية في جيبوتي تزيد المخاوف في القوى العالمية من باريس إلى واشنطن".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جينج شوانغ في مؤتمر صحافي: "التعاون بين الصين وأفريقيا يحقق نتائج مثمرة في جميع أنحاء أفريقيا، مما يحقق فوائد ملموسة لكل جانب من جوانب حياة السكان المحليين"، وفي النهاية، سوف يربط سكة الحديد مجموعة من مشاريع البنية التحتية الكبرى في جيبوتي والتي يكون للصينيين دور كبير فيها، من خلال الشركات المملوكة للدولة مثل ميناء دوراليه متعدد الأغراض، ومحطة دواليه للحاويات، ومشروع جيبوتي الدولي للمناطق الصناعية، وهو مركز صناعي مترامي الأطراف.
وتريد شركة China Merchants Port Holdings Co الصينية، وهي شركة مملوكة للدولة، تحويل جيبوتي إلى منطقة التجارة الحرة عبر خليج شنجن من هونغ كونغ.
وتستطيع جيبوتي، التي بلغ إجمالي ناتجها المحلي 1.85 مليار دولار في عام 2017، استخدام هذه المساعدة فوفقا لبرنامج الغذاء العالمي، يعيش 79 في المائة من الجيبوتيين في فقر و42 في المائة في فقر مدقع حيث يبلغ عدد سكان البلاد نحو مليون شخص وتمثل الثروة الحيوانية مصدر الرزق الرئيسي لثلث السكان، لكن البلد الذي تضم موارده الطبيعية الضئيلة الملح والجبس، يتعين عليه استيراد 90 في المائة من الغذاء الذي يحتاجه.
وبفضل الاستثمارات الصينينة تشهد جيبوتي تقدما من نوع ما، وفي عهد الرئيس إسماعيل عمر جيله، فإن الدولة ذات الحزب الواحد تعمل جزئيا على ما بدأ كبرنامج لتطوير البنية التحتية بقيمة 12.4 مليارات دولار، ويتم تمويل معظمها من خلال قروض من بنك التصدير والاستيراد الصيني.
لقد اتخذت الصين حصصا كبيرة في بعض هذه المشاريع على سبيل المثال المناطق الصناعية الدولية المترامية الأطراف وعشرة في المائة من منطقة التجارة الحرة هذه مملوكة لسلطة ميناء داليان، الصين؛ و30 في المائة من التجار الصينيين، يملكون نحو خمس ميناء داليان؛ والباقي شركة Great Horn Investment Holding، وهي شركة تابعة بالكامل لهيئة موانئ جيبوتي والمناطق الحرة.
وتملك شركة China Merchants الصينية 23.5% من شركة جيبوتية قابضة تمتلك بدورها محطة الحاويات دوراليه، وميناء جيبوتي الجاف، وميناء دوراليه متعدد الأغراض. هذا الأخير كان يعمل منذ العام الماضي، حيث بني بتكلفة 580 مليون دولار في شكل قروض من بنك EximBank الصيني، ومع ارتفاع ديون جيبوتي استطاعت الصين السيطرة أكثر، وفي تقرير صدر عام 2017، قال صندوق النقد الدولي إن الدين العام لجيبوتي كان النصيب الأكبر منه للصين حيث ارتفع من 50 في المائة إلى 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مدار العامين السابقين وفي ديسمبر، انتقد صندوق النقد الدولي الحكومة لسقوطها الأعمق في الديون.
وقال صندوق النقد الدولي إن "استراتيجية سلطات جيبوتي للاستثمار في البنية التحتية لتطوير الاقتصاد ووضع البلاد كمركز لوجيستي وتجاري يوفر فرصا كبيرة للنمو الاقتصادي والتنمية"، ومع ذلك، أدى تمويل هذه الاستراتيجية من خلال تراكم الديون إلى ضائقة مالية كبيرة، الأمر الذي يشكل مخاطر كبيرة ومن المتوقع أن تصل نسبة الدين العام والمضمون إلى نحو 104 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في نهاية عام 2018.
الحكومة هنا تأخذ وجهة نظر مختلفة. يقول إلياس موسى دواله إن صندوق النقد الدولي يجب أن لا يدرج ديون الشركات الحكومية الجيبوتية في تقييمه لأن هذه الشركات "تبالغ في الأداء أو لديها القدرة على الأداء الزائد".
الصين بالكاد هي الدولة الوحيدة التي لها وجود عسكري في جيبوتي، ويقع مقر قيادة الولايات المتحدة في أفريقيا في معسكر ليمونير، وهو مرفق استكشافي بحري يمثل القاعدة الأميركية الدائمة الوحيدة في أفريقيا. اليابانيون والإيطاليون والإسبان موجودون هنا أيضا. السعوديون يخططون لقاعدة، كما كان لفرنسا وجود منذ عام 1894 على الأقل، وعندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مارس/ آذار جيبوتي، أبرز نية فرنسا لنشر نفوذها في شرق أفريقيا وما وراءها، كما انتقد جيبوتي بسبب اعتمادها المفرط على الهبات الصينية. وقال: "ما يمكن أن يبدو جيدا على المدى القصير، قد ينتهي به الأمر في كثير من الأحيان إلى أن يصبح سيئا على المدى المتوسط إلى المدى الطويل."
وقال جون بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في خطاب ألقاه في واشنطن في كانون الأول/ ديسمبر: "تستخدم الصين الرشاوى، والاتفاقيات غير الشفافة، والاستخدام الاستراتيجي للديون لإبقاء الدول في أفريقيا أسيرة لرغبات ومطالب بكين. ورفض جينج، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، مثل هذا الحديث باعتباره "اتهامات لا أساس لها مليئة بعقلية الحرب الباردة".
وحذر بولتون من العواقب إذا، كما أشيع، سيطر التجار الصينيون على محطة حاويات دوراله من خلال مبادلة الديون مقابل الأسهم. وقال "إذا حدث هذا، فإن ميزان القوى في القرن الأفريقي - الشرايين الرئيسية المنفصلة للتجارة البحرية بين أوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا - سوف يتحول لصالح الصين".
قد يهمك ايضا ..
ترامب يكشف أن الاتفاق مع بكين قاب قوسين أو أدنى
السلطات المكسيكية تعتقل 500 مهاجر غير شرعي معظمهم من أميركا الوسطى