عدن ـ عبدالغني يحيى
الحديث عن مديريات وادي بيحان، غربي محافظة شبوة الجنوبية حديث مليء بالأسى والحزن، لأن في دواخله معاناة وقصصاً إنسانية وحصاراً خانقاً انتفت معه الإنسانية، بسبب سيطرة مليشيات الحوثي والمخلوع عليها وللعام الثاني، وما زال جرح المعاناة ينزف.لا ينسى أبناء بيحان 27 من مارس/آذار 2015م، حيث سقطت مدينة العليا، عاصمة مديرية بيحان في قبضة الانقلابيين، لما تمثله المديرية من أهمية استراتيجية وعسكرية، كونها إحدى البوابات الحدودية بين شمال اليمن وجنوبه، إذ ينساب وادي بيحان من سلسلة جبال محافظة البيضاء، إضافة إلى البوابة الشمالية لمأرب مروراً بحريب القريبة من بيحان، ومنذ ذاك التاريخ تعرضت بيحان وأخواتها لحرب ضروس من كافة الجوانب، وكأنها تدفع ضريبة وقوعها كمنطقة حدودية رفضت الانصياع لأوامر سيد الكهف، لمواقف أبنائها النضالية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، فمورس عليها قبضة حديدية وحصار خانق، ما أدى الى تردٍ في الخدمات الأساسية وشبه انهيار للوضع الصحي وبسببه انتشرت كثير من الأمراض والأوبئة منها حمى الضنك التي فتكت بالمئات وقبضت على أرواح كثيرين من الأبرياء.
تحرير بيحان من رجس المليشيات أولوية
يقول محافظ شبوة أحمد حامد لملس، إن "تحرير بيحان من رجس المليشيات الانقلابية أولوية مهمة في أجندة سلطة المحافظة، فهي جزء مهم وحيوي والمحافظة تسعى جاهدة وبكل ما لديها من قدرات وإمكانيات متاحة من أجل التسريع بتحقيق الانتصار الكبير على هذه المليشيات وطردها من كامل أراضي بيحان ليعود هذا الجزء الغالي إلى حضن شبوة"، منوهاً بأن تحرير بيحان هو هم عام لكل أبناء شبوة الذين قدموا ولا زالوا يقدمون كل غالي ونفيس من أجل تحقيق حلم تحريرها من براثن القوى الظلامية، مستدركاً بالقول إن "قيادة المحافظة ستتدارس مع القيادات الرسمية والشعبية المختصة في مديرية بيحان جملة الخطوات واﻹجراءات التي يجب اتخاذها لتفعيل عمل ونشاط المقاومة الشعبية بكافة أشكالها ضد المليشيات الانقلابية في المديرية".
وعبّر المحافظ لملس لـ "الاتحاد" عن أسفه وأسف قيادة المحافظة بسبب المعاناة القاسية التي تواجه أبناء بيحان، جرى الحصار الجائر على المناطق التي تسيطر عليها المليشيات والمناطق الأخرى التي تتعرض للقصف بالمدفعية والهاون والكاتيوشا من قبل الانقلابيين، مشدداً على ضرورة تعزيز الدور اﻹعلامي الذي من شأنه كشف وفضح تلك اﻷعمال المنافية للإنسانية والممارسات التعسفية التي تمارسها مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية بحق أبناء بيحان وانتهاكها لحقوقهم اﻹنسانية، وكذا إبراز الدور الشعبي المقاوم لهذه المليشيات وتفعيل الدور التعبوي بين أوساط المواطنين لحثهم على القيام بدورهم ومسئولياتهم الوطنية في مقاومة المليشيات الانقلابية على أكمل وجه.
من جهته، قال علي الحجري الحارثي، مدير عام مديرية عسيلان: إن أبناء بيحان كافة سيظلون - كما هو معهود منهم - أوفياء للقيادة الشرعية للبلاد وللثوابت الوطنية في كافة المراحل، ونوه الحجري بحجم الأضرار الكبيرة التي تعرضت لها المديرية جراء الحرب التي قامت بها المليشيات وتسببت في تدمير البنية والمشروعات الأساسية الخدمية، وبالأخص في مجال الصحة والكهرباء والمياه.
وعاني سكان مديريات بيحان الثلاث «العليا، وعسيلان، وعين» من ظروف مأساوية نتيجة الحرب، وهي مديريات يقطنها قرابة 120 ألف نسمة، وانعكست أضرار الحرب على شتى مناحي الحياة في ظل غياب وتهميش الجانب الإعلامي ونقل الصورة الحقيقية عن معاناة المواطنين، فقد تضرر الجانب التعليمي وأغلقت العديد من المدارس وشردت آلاف الأسر إلى مناطق مختلفة.
استغاثة عاجلة لإنقاذ بيحان
يسلط د. محمد ناصر المطهري، عميد كلية النفط، الضوء على معاناة بيحان، باعتباره أحد أبنائها، ويؤكد أن السكان يعانون انعدام ونقص الخدمات الصحية وانتشار الأمراض وحدوث وفيات لعدم توفر الإسعافات الأولية أو نقل الحالات المرضية الحرجة إلى مراكز خارج المديرية في ظل عدم توفر الأدوية نتيجة الحصار الخانق على المديرية. وعن الحصار الذي تفرضه قوات الانقلابيين يوضح د. المطهري: من أهم أنواع الحصار إغلاق كل الطرق التي تربط بيحان وباقي المحافظات فلم يبقى أمام أبناء بيحان إلا طريق "الرملة الصحراوي"، لتوفير احتياجات سكان المدينة الذين يعيشون منذ عام ونصف على واقع دموي وحصار قاسي من مليشيات الاحتلال الحوثي والمخلوع، علماً أن السفر عبر الرمال فيه مشقة كبيرة على الإنسان والمركبة معاً وكثيراً ما تغوص السيارات في الرمال المتحركة، ولفت المطهري إلى الجهود الفردية التي أدت لفتح طريق واحد يربط المديرية بعتق لساعات محدودة لمدة ثلاث أيام بالأسبوع يتم من خلالها توفير احتياجات السكان من مواد غذائية ضرورية وبعض الأدوية والكماليات، والتي أصبحت شحيحة وشهدت زيادة كبيرة في الأسعار لم يتحملها المواطن البسيط.
ودعا د. محمد المطهري إلى رفع الحظر السياسي والحقوقي والإعلامي عن مديريات بيحان، مشيراً إلى أن استمرار تجاهل وتهميش صوت بيحان وشبوة عامة عبر الإعلام والمنظمات الإنسانية الدولية والتجاهل المتعمد يفقد مصداقية المنظومة الدولية والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان، ويظهر عجزها التامّ في توفير المساعدات الإنسانية والإغاثية وحماية المدنيين من الانتهاكات التي تطالهم بشكل شبه يومي.
وطالب المطهري عبر "الاتحاد" المنظمات والهيئات الإنسانية الدولية والمحلية بالتدخل الفوري لحماية المدنيين، وخاصة الأطفال والنساء والتوجه الفوري لفك الحصار وتقديم الدعم العاجل والفوري والمساعدات الغذائية والطبية والإغاثية ومخيمات الإيواء، داعياً السلطة المحلية بالمحافظة بالاضطلاع بدورها في تحمل مسؤوليتها ومهامها تجاه بيحان، وحث المكونات السياسية والشعبية ومنظمات المجتمع المدني في محافظة شبوة تسيير قوافل المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية والإغاثية للمناطق المحاصرة والمتضررة في بيحان.
في مديرية عسيلان أنموذج، يوجد لمئات من الأسر النازحة والمتضررة بسبب الحرب، بالإضافة لعشرات الأسر المستضيفة لنازحين من أقاربهم مما يزيد من معاناة تلك الأسر بحكم وضعها الاقتصادي المتردي أصلاً، وهناك موجات نزوح جماعي لسكان القرى الواقعة تحت خط النار وضمن خطوط التماس وتدمير وتشريد
معاناة مديريات بيحان لم تقف عند ذلك الحد فقد برزت حمى الضنك بشكل كبير، وحصدت أكثر من عشرين ضحية، ومئات المصابين في مستشفى يفتقد لكثير من الأجهزة، وثالثة الأثافي ما أعلن عنه مؤخراً عن ظهور أكثر من خمسين حالة مصابة بالمرض الفتاك السرطان، جراء المياه الملوثة ومخلفات الحروب، والشركات النفطية. يذكر أن مديرية بيحان تبعد عن عاصمة محافظة شبوة "عتق" - مركز المحافظة - بنحو 210 كيلو مترات.
المستشفى مهدد بالتوقف
مستشفى الدفيعة بيحان مهدد بالتوقف عن العمل، بعد توقف صرف مخصصه من مادة الديزل، لوجود مديونية للمتعهد بتوفير المحروقات والذي هدد بتوقف الصرف ما لم تصرف عهدته المالية المتأخرة، وهو شيء ينذر بكارثة في حال توقف المشفى عن تقديم خدماته المتواضعة في ظل عودة انتشار مرض حمى الضنك والملاريا.
في تصريح لمصدر طبي في مكتب الصحة والسكان بمديريات بيحان أوضح أن الوضع الصحي في المديريات ينبئ بخطورة بعد عودة انتشار وباء حمى الضنك، و ظهور أكثر من 15 حالة ملاريا، وحالات كثيرة مصابة بالسرطان، وتخوف من انتشار الكوليرا، ولفت إلى نقص حاد في الأدوية بشكل كامل، ونقص في الموازنة التشغيلية، ونقص في الكادر التخصصي وأهمها الولادة والعظام والانف والأذن والحنجرة والمسالك البولية، ونقص في مادة الأكسجين. يذكر أن هناك موجات النزوح البشري الكبيرة من دول القرن الأفريقي إلى المحافظة وبشكل يومي ومرورهم بمعظم مدنها وقراها ومكوث البعض منهم في بيحان هي المسبب في الإصابة بالعدوى للعديد من الأمراض الوبائية الخطيرة والمثبتة مخبرياً التي انتشرت في الآونة الأخيرة وبشكل غير مسبوق كحمى الضنك، الملاريا والكوليرا الفتاكة في زمن الحرب العبثية التي شنها الانقلابيون على الوطن اليمني برمته.