القوات الشرعية في اليمن

ربطت مصادر سياسية يمنية ظهور صراعات جانبية، بلغت في بعض الأحيان حدّ المواجهة بالسلاح، بين أطراف محسوبة على المعسكر المساند للشرعية اليمنية والمنخرط في محاربة المتمرّدين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، باستشعار بعض الأطراف للتقّدم الكبير المسجّل في جهود التحرير ومسارعتها، من ثم، لتأمين “حصّة” في يمن ما بعد الانقلاب.

ولم تستثن المصادر تصنيف ما يجري من مواجهات بين الحين والآخر داخل معسكر الشرعية كانفلاتات “أمنية طبيعية في أوضاع مثل التي يمرّ بها اليمن وتضرّر سلطة الدولة وتراجع هيبتها”، إلاّ أنها حرصت على التنبيه إلى وقوف جهات سياسية، في مقدّمتها جماعة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب الإصلاح، وراء جزء من الصراعات التي يمكن أن تتصاعد كلّما تقدّمت الحرب ضدّ ميليشيات الحوثي وصالح، محذّرة من “أنّ مثل تلك الصراعات تشوّش على جهود التحرير وتهدر الجهود الكبيرة للتحالف العربي الذي بذل الكثير نصرة للشرعية”.

وسقط الإثنين قتيل و7 جرحى في اشتباكات مسلحة بين فصيلين يتبعان المقاومة الموالية للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في محافظة تعز الواقعة على بعد 275 كلم جنوب العاصمة صنعاء، وكانت تعز من المحافظات المهمّة التي تشبّث بها المتمرّدون لموقعها الاستراتيجي المشرف على مضيق باب المندب ذي الأهمية القصوى في حركة الملاحة الدولية وفي نقل كميات ضخمة من نفط الخليج باتجاه الأسواق العالمية.

وبذلت جهود كبيرة لتحرير أجزاء مهمّة من تعز. وعزا متابعون للشأن اليمني الوقت الطويل نسبيا الذي استغرقته تلك الجهود إلى قوّة جماعة الإخوان في تلك المحافظة، وتراخيها في أحيان كثيرة في المشاركة في تلك الجهود جنبا إلى جنب قوى أخرى تناصبها العداء، وقال مصدر في المقاومة الشعبية، الإثنين، إن اشتباكات اندلعت بين فصيل يقوده القائد الميداني الشاب غزوان المخلافي وفصيل آخر يقوده أحد السلفيين يدعى أبو العباس في سوق “ديلوكس” الشعبي وسط مدينة تعز، أسفرت عن مقتل مدني وجرح 6 آخرين فضلا عن جرح أحد مسلحي أبي العباس.

وأثارت الاشتباكات التي استخدمت فيها أسلحة متوسطة حالة من الهلع بين السكان وتسببت في شلل تام في الحركة بالشارع، وشرح ذات المصدر أن “الاشتباكات جاءت على خلفية اندلاع خلاف سابق بين الفصيلين على جباية الضرائب من السوق الشعبي”، مشيرا إلى أن الاشتباكات أدت إلى تدخل قيادة المحور العسكري في المحافظة من أجل إنهاء النزاع. وسبق لأبي العباس أن كان طرفا في مواجهات اندلعت قبل أسابيع ضدّ فصيل مقرب من حزب الإصلاح الإخواني.

ويخشى إخوان اليمن من خسارة مواقع نفوذهم في العديد من المحافظات المحررة وعلى رأسها تعز حيث يتمتع السلفيون بنفوذ متنام، ويصف محللون سياسيون ما يجري في محافظة تعز بأنه نتاج سيناريو معد سلفا يقف خلفه فريق بات يدرك أن تحرير المحافظة أمر له استحقاقات إقليمية وأن هذه الاستحقاقات ربما تقلص من نفوذ ذلك الفريق وسطوته لذلك يسعى لخلط الأوراق، وسبق للرئيس هادي أن أصدر قرارا بإقالة القيادي الإصلاحي عبدالله أبوالغيث من منصبه الذي عين فيه محافظا لمحافظة الحديدة وتعيين القيادي المنشق في حزب المؤتمر الشعبي العام الحسن طاهر خلفا له، وقد جاءت هذه الخطوة بالتزامن مع عملية “الرمح الذهبي” التي تستهدف تحرير الساحل الغربي لليمن وصولا إلى ميناء الحديدة ثاني أكبر الموانئ اليمنية.

ويرى متابعون للشأن اليمني أنّ حزب الإصلاح يرتكب نفس الخطأ الذي سبقه إليه الحوثيون من خلال سعيه للاستحواذ والسيطرة على المحافظات المحررة وإزاحة التيارات الأخرى المدنية في جبهة الشرعية مثل الناصريين والاشتراكيين الذين أصدروا في وقت سابق بيانا مشتركا تحدث عن حالة التهميش الممنهجة والتفرد بالقرار، والتي قالوا إن استمرار هذه الممارسات سيؤدي إلى “فقدان الدولة وتمدد القوى المتخلفة وسيطرة الفوضى وقوى الحرب على حساب القوى السياسية والمدنية”، ولا تقتصر الصراعات على محافظة تعز بل يشمل بعضها مدينة عدن التي تتخذ عاصمة مؤقتة في ظلّ وقوع صنعاء العاصمة الأصلية للبلاد تحت سيطرة المتمرّدين.

وتندلع من حين إلى آخر مواجهات على خلفية محاولة بعض الجهات السيطرة على مرافق حيوية بالمدينة على غرار المطار الذي شهد منذ يومين اشتباكا محدودا بين مسلّحين موالين لقيادييْن بالقوات التابعة للشرعية، وتهوّن جهات يمنية من تأثير تلك الصراعات على جهود استعادة المناطق اليمنية من أيدي المترّدين في ظلّ إصرار بلدان التحالف العربي على الوصول بتلك الجهود إلى غايتها النهائية، ولا تزال القوات الموالية للشرعية اليمنية تحقّق بدعم من التحالف المزيد من المكاسب على الأرض. وتمكّنت، الإثنين، من السيطرة على موقعين جبليين بمحافظة تعز.

وذكر المركز الإعلامي لقيادة محور تعز العسكري، في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، أن قوات الجيش والمقاومة سيطرت على تلتي الخضر والخزان في منطقة الأحكوم الواقعة في الجهة الجنوبية من المحافظة الأكثر سكانا في اليمن، موضحًا أن “عملية السيطرة جاءت بعد هجوم شنته قوات الجيش والمقاومة على مواقع الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح"، وتمثّل جهود تحرير مناطق تعز جزءا من عملية أشمل تهدف إلى استعادة كامل الشريط الساحلي الغربي في اليمن، الأمر الذي يتوقّع أن يؤدّي إلى خنق التمرّد ومحاصرته في مناطق داخلية وعزله عن منافذ تزوّده بالسلاح الإيراني المهرّب عبر البحر.