طرابلس - فاطمة السعداوي
أكدت مصادر أمنية وعسكرية، رغم استئناف حركة الملاحة في مطار معيتيقة الدولي، الوحيد الذي ما زال يعمل في العاصمة الليبية طرابلس ويربطها العالم الخارجي، في المقابل أن التحركات العسكرية للميليشيات المسلحة في المدينة، توحي بأنها قد تكون مقبلة على جولة جديدة من المعارك العنيفة فيما بينها على غرار ما حدث الأسبوع الماضي.
وقال مصدر أمني مطلع في طرابلس: «إلى الآن لم يتم إبرام اتفاق يحل الأزمة التي تسببت في الاشتباكات الأخيرة»، مشيرًا إلى أن ميليشيات كتيبة 33 مشاة المعروفة باسم البقرة نسبة إلى اللقب المعروف به قائدها بشير خلف الله، «ما زالت تحتشد في عدة مناطق بالمدينة».
وأعلنت قوة الردع الخاصة الموالية لحكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فائز السراج، التي كانت الطرف الآخر في المواجهات الأخيرة، أن حركة الطيران عادت إلى مطار معيتيقة والوضع الأمني في المطار ومحيطه ممتاز، وفيما بدا أنه بمثابة محاولة طمأنة السكان المحليين الذين سمعوا دوى انفجارات مساء السبت، زعمت القوة في بيان لها أن «ما سُمع من أصوات هو تجريب سلاح ثقيل لدقائق جهة البحر».
وقرر السراج المدعوم من بعثة الأمم المتحدة حل ميليشيات «البقرة»، لكنها إلى الآن لم تلتزم بالقرار، كما لم تعلن أي جهة رسمية أنها شرعت في تنفيذ قرار السراج الذي ينص أيضًا على تسليم أسلحة هذه الميليشيات إلى قوات حكومية نظامية.
وأعيد فتح المطار الدولي الوحيد الصالح للعمل في طرابلس بعد تعليق الرحلات لمدة خمسة أيام وتحويلها إلى مدينة مصراتة الواقعة على بعد 200 كيلومتر شرق العاصمة، غداة اشتباكات وقعت في محيط المنشأة وأسفرت عن تضرر طائرات كانت على المدرج. وبدا أن مطار معيتيقة، الواقع إلى الشرق مباشرة من وسط طرابلس، يعمل كالمعتاد، إذ شغل الركاب صالات السفر والوصول بالمطار، وقال مسؤول في المطار، طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية: «جرى استئناف كل الرحلات المحلية والدولية، ولم ترد تقارير عن أي مشاكل فنية، وصار الأمن تحت السيطرة».
وقتل 20 شخصًا على الأقل وأصيب 60 آخرون، في قتال ضار بين قوة الردع الخاصة، المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، وميليشيات البقرة المتمركزة في حي تاجوراء بالمدينة، وأخلي مطار معيتيقة، الذي كان قاعدة عسكرية الإثنين الماضي، بعدما هاجمه مسلحون في محاولة لتحرير سجناء تابعين لمجموعتهم محتجزين في المنشأة، كما جرى تعليق الرحلات لإجلاء أو إعادة المهاجرين الأجانب إلى أوطانهم من طرابلس، وهي رحلات تدير غالبيتها وكالات تابعة للأمم المتحدة، بسبب إغلاق مطار معيتيقة.
وسارعت شركات الطيران الليبية الأربع التي تشغل رحلات من مطار معيتيقة لإصلاح أو استبدال الطائرات التي تضررت بطلقات نارية أو قصف المدفعية لدى وقوفها في أماكن الانتظار بالمطار أثناء القتال، وتحول معيتيقة لمطار مدني منذ تعرض المطار الدولي الرئيسي في العاصمة لأضرار جسيمة نتيجة القتال بين الفصائل المسلحة المتخاصمة منتصف عام 2014.
إلى ذلك، انتقد المهدي البرغثي وزير الدفاع المقال من عمله في حكومة السراج، قرار الأخير بمنعه من ممارسة عمله الرسمي، وقال في تصريحات له، الأحد، إن القوات المتهمة بارتكاب الهجوم الذي تعرضت له قوات الجيش الوطني في قاعدة براك الشاطئ الجوية، وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات، كانت تابعة لحكومة السراج. واعتبر أن قرار السراج كان ظلمًا في حقه، مشيرًا إلى أن لجنة التحقيق الحكومية لم تعلن إلى الآن نتائجها.
في المقابل، عقد المجلس الرئاسي لحكومة السراج اجتماعًا بمقره في طرابلس، قال مكتبه إنه يأتي «لاستكمال التشاور حول التعديل الوزاري وتوسعة الحكومة ونتائج المشاورات مع الأطراف السياسية المختلفة بشأن هذا التعديل"، لافتًا إلى أنه تم تناول عدد من الملفات التي تتعلق بالوضع الأمني بصفة عامة، وما تم اتخاذه من إجراءات لتأمين العاصمة والوضع الاقتصادي والخدمي، وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
وذكرت وكالة الأنباء الليبية الموالية للسلطات في شرق البلاد، إن غسان سلامة، رئيس بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، الذي اجتمع مع عضوين مقاطعين لاجتماعات المجلس الرئاسي لحكومة السراج، هما علي القطراني وفتحي المجبري، تلقى ملاحظاتهما عن سير العملية السياسية، وما وصفاه بعمل المجلس الرئاسي غير الدستوري بشكله الحالي، وأضافت أن الجانبين «اتفقا على أن الوضع الحالي للمجلس الرئاسي غير قابل للاستمرار، وقد يعرض البلاد المزيد من مخاطر الانقسام السياسي وعدم الاستقرار، موضحة أنه «تم الاتفاق أيضًا على الدفع باتجاه تحقيق الانتخابات باعتبارها الطريق نحو إعادة الاستقرار وإنهاء الانقسام في البلاد، بالإضافة إلى إحداث التغييرات الضرورية في حكومة السراج».
على صعيد آخر، استمر الجدل حول اعتزام إيطاليا تعزيز تواجدها العسكري الحالي بمدينة مصراتة الليبية، حيث نفى العميد محمد الغصري الناطق باسم وزارة الدفاع في حكومة السراج تواجد أعداد كبيرة من القوات الإيطالية في المدينة، واعتبر في تصريحات تلفزيونية لقناة محلية، أن المساعدات الإيطالية المقدمة إلى ليبيا تتضمن تقديم الدعم لقوات خفر السواحل وصيانة القطع البحرية بالتنسيق مع حكومة السراج، مشيدًا بدور إيطاليا خلال العمليات التي شنتها قوات تابعة للسراج في إطار عملية البنيان المرصوص» للحرب ضد تنظيم داعش في مدينة سرت، وقال إن المستشفى العسكري الإيطالي في مصراتة قدم العلاج لنحو 12 ألف مقاتل من هذه القوات حتى الآن.
من جانبه، أعلن وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو، عقب اجتماعه مع نظيره الجزائري عبدالقادر مساهل قبل انطلاق أعمال الدورة الـ14 لوزراء خارجية مجموعة «حوار 5+5» التي عقدت الأحد، في الجزائر العاصمة، تحت شعار «المتوسط الغربي»، «أننا نتقاسم مع الجزائر أنه من الضروري تحقيق الاستقرار في ليبيا بشكل عاجل، كما نتقاسم أيضًا مبدأ أن مصير ليبيا يجب أن يكون بين أيدي الليبيين أنفسهم». وقالت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إن ألفانو جدد دعمه لرئيس البعثة الأممية إلى ليبيا غسان سلامة.