صنعاء - اليمن اليوم
دخل الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، مع زعيم التمرد "الحوثي"، "عبدالملك"، قبل أقل من عامين، في حرب ضروس ضد قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية الموالية للشرعية اليمنية، مصحوبة بغطاء جوي لقوات التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية.
وقبل ذلك، أسقط الحوثيون، ضمن عملية الاجتياح الموسع للعاصمة صنعاء، مخرجات الحوار الوطني، التي وقعت عليها جميع الأطياف اليمنية، بما فيها طرفا الإنقلاب، ما مثل أيضًا إلغاءً شاملاً للمبادرة الخليجية، والتي اقترحتها السعودية.
وتلا ذلك حراك دبلوماسي خليجي مكثف في أروقة مجلس الأمن الدولي، تكلل باستخراج قرار أممي يحمل الرقم "2216"، يدين بشكل صريح عملية الانقلاب على السلطة التوافقية في اليمن، ويفرض عقوبات صارمة على قيادات موالية لـ"الحوثي" و"صالح".
ويتبادر سؤال إلى الأذهان عن سر استماتة "صالح" في مواصلة حرب خاسرة أمام قوات الشرعية، التي تحقق يومًا بعد آخر انتصارات متلاحقة، وعلى أكثر من جبهة؟ وما هو سبب إعلان صالح دفن "المرجعيات الثلاث"، وتأكيده أن لا خيار أمامه سوى مواصلة القتال حتى النهاية؟
قد تبدو الإجابة على هذا التساؤل واضحة وفي متناول اليد، لكن يمكن التطرق إلى تفاصل أكثر، لبيان كيف يمكن أن تحقق هذه المرجعيات تغييرًا عميقًا جدًا في ديموغرافية توزيع السلطة والثروة في اليمن، وكذا تأثيرها على حلقة الولاءات القبلية أو المذهبية، بالإضافة إلى تأثيرها بشكل كبير في منظومة الفساد، والدولة العميقة.
ويأتي الترتيب الزمني للمرجعيات الثلاث كالتالي: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، ثم القرار الأممي "2216".
وجاءت المبادرة الخليجية لوضع حد لعملية الصراع في اليمن، بعيد ثورة الشباب الشعبية السلمية، التي اندلعت في 21 فبراير / شباط 2011، وهي عبارة عن خارطة طريق قدمها مجلس التعاون الخليجي، بقيادة المملكة العربية السعودية، إلى طرفين من أطراف الأزمة "المؤتمر" و"المشترك".
ومثّلت المبادرة الخليجية الإزاحة الفعلية للرئيس السابق "صالح" من سدة الحكم، لتنهي بذلك ثلث قرن من حكمه، كما أنها أسست لمفهوم "التوافق السياسي"، بحيث لا يستطيع أي طرف إملاء رغباته على الطرف الآخر، وإنما يعمل الطرفان على الوصول إلى حلول وسطى ترضيهما.
وبمجرد توقيع "صالح" على اتفاقية المبادرة الخليجية، أصبح عبد ربه منصور هادي هو الرئيس الشرعي للبلاد، في انتظار عملية الانتخاب، والتي أيدته بنسبة تاريخية، ستة ملايين ناخب، وتم تشكيل حكومة الوفاق، برئاسة المعارضة، وبدأت التحضيرات لعقد أهم حدث، الحوار الوطني، والذي افتتحت فعالياته صباح 18 مارس / آذار 2013.
وبدأت لحظة الصدام الفعلي بين "صالح" و"المبادرة" منذ محاولة الرئيس الجديد "هادي" إعادة هيكلة الجيش اليمني، والذي كان الجزء الأكبر منه يحمل ولاءًا مطلقًا لـ"صالح". وأصدر "هادي" جملة من القرارات، التي أطاحت بقيادات عسكرية كبيرة موالية لـ"صالح"، طالت جملة من أقاربه، حيث جاء أول قرار، في آذار 2012، قضى بتعيين اللواء سالم علي قطن قائدًا للمنطقة الجنوبية، وقائدا للواء "31 مدرع"، خلفًا لمهدي مقولة، الذي يعتبر من أهم القيادات الموالية لـ"صالح". وتبع ذلك قرار بتعيين العميد الركن عبد الرحمن الحليلي قائدًا للواء "الثالث مدرع حرس"، خلفًا لطارق محمد عبدالله صالح، وتعيين العميد صالح محمد الجعيملاني قائدًا للحرس الخاص، الذي كان يقوده أيضًا طارق محمد عبدالله صالح، ثم تعيين العميد طيار ركن راشد ناصر الجند قائدًا للقوات الجوية، خلفًا لمحمد صالح الأحمر، وتعيين اللواء الركن علي الجائفي قائدًا للمنطقة الشرقية، خلفًا للواء الركن محمد علي محسن.
وفي 21 مايو / أيار من العام نفسه، واصل "هادي" مسلسل الإطاحة بأقرباء "صالح" من المؤسسة العسكرية، حيث أصدر قرارات بتعيين اللواء محمد جميع الخضر وكيلاً لجهاز الأمن القومي لقطاع الشؤون الخارجية، خلفًا لعمار محمد عبدالله صالح، ابن شقيق الرئيس السابق، فضلاً عن تعيين اللواء فضل يحيى بن ناجي القوسي قائدًا لقوات الأمن المركزي، خلفًا لعبد الملك الطيب، والعميد حسين محمد حسين الرضي قائدًا لقوات النجدة، والعميد يحيى علي عبدالله حُميد أركان حرب لقوات النجدة، ثم أتبع ذلك بتعيين علي حسن الأحمدي رئيسًا لجهاز الأمن القومي.
أما آخر الصدمات التي تلقاها "صالح"، فكان قرار إلغاء تشكيلات الحرس الجمهوري، وتشكلات الفرقة الأولى المدرعة، ودمج وحداتهما في القوات البرية وحرس الحدود. وكل تلك القرارات مثلت هدمًا قويًا لنفوذ "صالح" في المؤسسة العسكرية، أو هكذا كان يظن "هادي"، لذلك يعتبر "صالح" المبادرة الخليجية الوثيقة التي تسببت في تقليم أظافره، وجعله مكتفيًا بمملكته، في منطقة السبعين.
ويمثل ما سبق سردًا للأحداث والمتغيرات التي طرأت على المشهد اليمني، بعد توقيع المبادرة الخلجية، أما لماذا يستميت "صالح" في إبطالها، فهو يرجع لكونها المرتكز الفعلي والقانوني لشرعية رئاسة الرئيس عبدربه منصور هادي، كما أنها تمثل، في ذات الوقت، الأرضية الدستورية التوافقية، التي قام على أساسها مؤتمر الحوار الوطني.