صنعاء - اليمن اليوم
تحلق طائرة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث صوب روسيا، إذ يبدأ المبعوث من هناك جولة مكوكية لإنعاش الملف السياسي لحل الأزمة اليمنية، وينتظر أن يلتقي غريفيث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونائبه سيرغي فيرشينين، في زيارة تستغرق يوما واحدا؛ وقال مسؤول في الأمم المتحدة، "إن زيارة روسيا مهمة، فهي شريك هام وعضو دائم بمجلس الأمن".
ويتجه المبعوث الأممي فور ما ينتهي من زيارته إلى روسيا، إلى إكمال جولته المكوكية صوب الإمارات، وسلطنة عمان، ولم يعلن المبعوث أو مكتبه بعد، ما إذا كان سيزور صنعاء، للقاء مسؤولين حوثيين، بيد أن مراقبين يرون زيارته لسلطنة عمان مؤشرا للقاء بعض الموظفين الحوثيين هناك مثل الناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام.
وكان المبعوث اجتمع الأسبوع الماضي مع الحكومة اليمنية بعد "سحابة عتب" إزاء أدائه الذي وصفه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالتجاوزات.
وقال مصدر يمني حكومي "إن الحكومة اليمنية قدمت رؤيتها من أجل تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق "الحديدة" وهو أحد مخرجات مشاورات السويد اليمنية التي عقدت نهاية العام الماضي.
وتتعلق الرؤية التي أكدتها الحكومة بالجانب المتعلق بإعادة الانتشار، من أجل "تجاوز الخلافات"، وقال المصدر "إن الحكومة ناقشت ذلك مع الأمم المتحدة في اللقاء الذي جمع بين نائب الرئيس اليمني الفريق علي محسن الأحمر بالمبعوث الأممي في الرياض يوم 26 من يونيو (حزيران) 2019".
وتضمنت الرؤية التي تقدمت بها الحكومة اليمنية خروج ميليشيا الحوثي من الموانئ ومن مدينة الحديدة وفق زمن محدد يتم الاتفاق عليه، على أن يتم تسليم الأمن للقوات الأمنية وخفر السواحل الموجودة في كشوفات العام 2014 بموجب القانون اليمني، والتعامل وفق آلية معينة في حال انتهاء المدة وعدم التنفيذ.
وشددت الشرعية على "وضع إطار زمني لخروج الميليشيا من موانئ الحديدة وإزالة المظاهر العسكرية في وقت زمني محدد، والتعامل وفق آلية معينة بعد انتهاء المدة المقررة، وليس مثل ما حدث في السابق".
وأكد وكيل محافظة الحديدة وليد القديمي أن الاجتماع الذي عقد بين نائب الرئيس اليمني وغريفيث ناقش "العودة إلى اتفاقية السويد التي حدث التفاف عليها".
وبين أن خروقات وقف إطلاق النار لم تتوقف منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ حيث بلغت أكثر من 6500 خرق حتى الآن في غياب تام لفريق الأمم المتحدة لرصدها ومراقبتها، مطالبًا بضرورة أخذ هذا الأمر من قبل الأمم المتحدة بجدية.
وجددت الحكومة اليمنية تشبثها بتصحيح المسار الذي تقوده الأمم المتحدة في محافظة الحديدة لتنفيذ اتفاق السويد، وفق جوهر الاتفاق وروحه، باعتبار ذلك هو الشرط الأساسي للعودة للتعامل مع المبعوث الدولي مارتن غريفيث، وفق التطمينات التي حصلت عليها أخيرًا من الأمين العام للأمم المتحدة.
جاء ذلك في وقت أكد فيه سياسيون يمنيون لـ"الشرق الأوسط" أن مهمة غريفيث التي قرر استئنافها بجولة مكوكية في عدة عواصم محفوفة بخطر الفشل، بسبب التعقيدات التي تحيط بها، ولجهة عدم جدية الحوثيين في تنفيذ اتفاق استوكهولم.
وفي هذا السياق، ذكرت المصادر الرسمية اليمنية أن نائب وزارة الخارجية السفير محمد الحضرمي، التقى في الرياض أمس، القائم بأعمال السفير البريطاني فيونا والكر، لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات والجهود المبذولة لإحلال السلام.
وفي حين ثمن السفير الحضرمي دعم المملكة المتحدة للحكومة الشرعية ولجهود السلام في اليمن، أكد دعم القيادة السياسية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحرص الحكومة على إنجاح جهود السلام المبنية على المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن الدولي، لا سيما القرار 2216، وبما يؤدي إلى سلام حقيقي مستدام يُنهي الانقلاب ويعيد الدولة اليمنية.
وذكرت وكالة "سبأ" أن الحضرمي أكد أهمية تفعيل دور لجنة تنسيق إعادة الانتشار؛ بما في ذلك آلية الرقابة الثلاثية، وعلى ضرورة الانسحاب الحقيقي والكامل من مدينة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى.
وأشار إلى أن الحكومة سوف تعاود الانخراط بإيجابية مع جهود المبعوث الأممي من أجل إعادة مسار عملية السلام إلى الطريق الصحيحة، وفقًا للمرجعيات الثلاث وإلى جوهر وروح اتفاق السويد.
وجدد الحضرمي رفض مسرحية الانسحاب الحوثي أحادي الجانب، وقال إن عودة الحكومة للتعاطي مع المبعوث الأممي "لا تعني قبول ما قام به الحوثيون من مسرحية ما سمي الانسحاب أحادي الجانب، بل إن توجه الحكومة سيتركز على إعادة مسار عملية السلام وتصحيحه وفقًا لما تم التوافق عليه".
وأوضح الحضرمي أنه من المهم أن يتم الالتزام بولاية الأمم المتحدة فيما يتصل بتنفيذ اتفاق الحديدة، لافتًا إلى أن ولاية لجنة تنسيق إعادة الانتشار وبعثة الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاق الحديدة لا تشمل أن تقوم الأمم المتحدة بإعادة التفاوض على اتفاق استوكهولم، بل تنطوي على تنفيذ ما تم التوافق عليه؛ وهو انسحاب الحوثيين من مدينة وموانئ الحديدة.
وأكد نائب وزير الخارجية اليمني أهمية استيعاب حقيقة أن عدم كشف وفضح عرقلة الحوثيين للاتفاق خلال عملية الوساطة الأممية لا تساعد المبعوث الأممي، بل تصعب من مهامه.
ونسبت المصادر الحكومية إلى القائم بأعمال السفير البريطاني أنها من جانبها "جددت دعم بلادها للشرعية ولجهود المبعوث الأممي، مؤكدة حرص المملكة المتحدة على تحقيق السلام العادل والمستدام في اليمن وفقًا للمرجعيات الثلاث".
وفي حين يحوم كثير من الشكوك حول إمكانية نجاح غريفيث في إقناع الحوثيين بتنفيذ اتفاق السويد، استنتج الكاتب اليمني وضاح الجليل في حديثه لـ"الشرق الأوسط"، أن توجه غريفيث إلى روسيا هذه المرة "يوحي بمزيد من التعقيدات في الأزمة اليمنية، وإدخال تفاصيل جديدة من العبث والتلاعب؛ خصوصًا بعد الاهتمام الروسي باليمن، وخصوصًا بالجنوب".
وربط الجليل بين زيارة غريفيث إلى موسكو وتصريحات سابقة للسفير الروسي فلاديمير ديدوشكين أشار فيها إلى أهمية جنوب اليمن وأهمية تمثيله كما يجب في تسوية سلمية محتملة، إضافة إلى إعلان السفير نية بلاده إعادة افتتاح قنصليتها في عدن.
وفي السياق ذاته، يعتقد المستشار الإعلامي بالسفارة اليمنية في القاهرة بليغ المخلافي في حديثه مع "الشرق الأوسط"، أن غريفيث يحاول من خلال جولته المكوكية التي يقوم بها واللقاءات الأخيرة في الرياض، إنقاذ مهمته التي باتت مهددة بالفشل، خصوصًا بعد التلويحات الحكومية الأخيرة بعدم التعامل معه وكذلك التلميحات بدراسة الانسحاب الحكومي من اتفاق استوكهولم.
وأشار المخلافي إلى وجود "استياء حكومي كبير من تصرفات غريفيث خلال الفترة الماضية، بسبب ما تم في الحديدة، من محاولة الالتفاف على اتفاق السويد"، وقال، "إن التصرف الأممي بذلك الشكل يعود حسب اعتقاده "إلى الضغوط الموجودة على الأمم المتحدة، خصوصًا الواردة في اجتماع الرباعية الذي عقد في لندن".
وأضاف، "كانت هناك رسائل واضحة من قبل التحالف الداعم للشرعية للمجتمع الدولي والأمم المتحدة بأن التحالف والحكومة لن يصبرا إلى الأبد، وبالتالي كانت هناك مهلة حددت في منتصف شهر مايو /أيار الماضي، لتنفيذ "استوكهولم" وإلا ستقوم الحكومة بالانسحاب من الاتفاق وهذا - بحسب المخلافي - ما دفع غريفيث إلى شرعنة الانسحاب أحادي الجانب من قبل الميليشيات".
ويرى المستشار الإعلامي اليمني أن غريفيث أمام كل الضغوط ربما كان في اعتقاده أن الانسحاب الحوثي بتلك الطريقة هو المتاح فقط للقيام به، ومن جهة أخرى - وفق المخلافي - فإن مباركة المبعوث الأممي للانسحاب الحوثي تعني اعترافًا مبطنًا مفاده أنه وكبير المراقبين الدوليين الجنرال مايكل لوليسغارد "لم يعودا قادرين على إلزام الميليشيات الحوثية بتنفيذ اتفاقات استوكهولم".
واعتبر المخلافي أن ما جاء خلال لقاء نائب وزير الخارجية محمد الحضرمي أمس، مع القائم بأعمال السفارة البريطانية في اليمن، يحمل رسائل واضحة بأن الحكومة ستنخرط بجدية بناء على توجيهات الرئيس هادي في مسألة السلام والتعامل مع المبعوث الأممي، شريطة أن يصحح الاختلالات السابقة.
ومن وجهة نظر المخلافي، فإن "مارتن غريفيث في مأزق كبير ويدرك تمامًا أن الميليشيات لن تقوم بتنفيذ اتفاق استوكهولم، وإذا لم يحدث ذلك فإن مهمته ووظيفته ستكون على المحك وستنتهي كما انتهت مهمة المبعوث السابق إسماعيل ولد الشيخ".
ويرى أنه "المطلوب من المجتمع الدولي أن يكون جادًا وأكثر صرامة تجاه تنفيذ (استوكهولم)، وإلا فإن قصة النجاح التي يعتقد المجتمع الدولي والأمم المتحدة أنه تم تحقيقها ستنتهي ونعود إلى مربع الصفر، خصوصًا مع الفشل الأممي في تحقيق أي نجاح في الملف اليمني أو كل ملفات المنطقة، في وقت اعتبر فيه أن اتفاق استوكهولم بالنسبة لهم بادرة لتحقيق قصة نجاح".
ويعتقد المخلافي بوجوب تحرك المجتمع الدولي بقوة لإلزام الميليشيات الحوثية بالسلام وإنهاء الانقلاب، خصوصًا مع المواقف الدولية الحاصلة والتصعيد الإيراني، ويرى أنه في الإمكان الضغط الغربي على إيران التي تحاول التمسك بالورقة اليمنية لتخفيف الضغوط عنها، ويتابع: "حدوث أي تقدم في حل الملفات العالقة بين إيران والغرب قد يدفع طهران إلى تخليها عن الحوثيين".
ويعتقد الكاتب والناشط اليمني همدان العليي أنه لن يتحقق أي شيء من جهود المبعوث الأممي غريفيث، ويقول، "نعرف أن الحوثيين لن يسلموا السلاح، الجماعة فقط تستفيد من فترات الحوارات والمشاورات واللقاءات لتعزيز وجودها، حيث أصبحت الحوارات أداة حوثية لقهر اليمنيين"، وأضاف، "تقبل الحكومة الجلوس على طاولة واحدة مع الميليشيات لتطبيق اتفاق السويد بحثًا عن السلام، في الوقت الذي تتفرغ فيه الجماعة من أجل زراعة الألغام وتجنيد الأطفال وقمع اليمنيين، وبالتالي ينظر اليمنيون بيأس ورفض لهذه المشاورات".
واستدل العليي على عدم خروج المساعي الأممية بأي نتيجة بعقيدة الحوثيين نفسها، فهم على حد قوله "مستمرون في مشروعهم، ويعتقدون أن لديهم حقًا إلهيًا لحكم اليمن والمنطقة برمتها".
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
مارتن غريفيث يتعهّد أمام الشرعية اليمنية بتصحيح مسار اتفاق السويد
عودة العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي مرهونة بتنفيذ اتفاقات