مشاورات السلام اليمنية في الكويت

أعلن المبعوث الأممي ، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في الأيام الأولى من مشاورات السلام اليمنية في الكويت، والتي انطلقت قبل عام ، وكانت أبرز محطة سياسية خلال الحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من عامين ، عن عدم وجود عودة إلا بالسلام ، لكن بعد تعثرها تحولت إلى شاهد على تعقيدات الأزمة اليمنية، وعلى فشل الحوارات التي ترعاها الأمم المتحدة، بالوصول إلى حلول.

وتظهر التطورات العسكرية المتواصلة في اليمن والجمود السياسي، أن مشاورات الكويت، كانت محطة لا تعوّض من حيث الظروف والعوامل التي توافرت لنجاحها، لكنها احترقت جميعها على طاولة التفاوض ، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم يتواصل فشل الجهود الدولية بإعادة الطرفين إلى طاولة مشاورات جديدة على الرغم من دخول الحرب عامها الثالث.

بدأت فعاليات المشاورات حسب موعدها المحدد في 18 إبريل/نيسان 2016 ، لكن تأخر وصول وفد الانقلابيين أجّل انطلاق جلساتها الفعلية إلى الـ21 من الشهر نفسه ، ووفقًا لتقديرات قيادات سياسية يمنية في ذلك الحين، فضلًا عن التصريحات الصادرة عن الرعاة الدوليين ومسؤولين خليجيين ، فإن الاعتقاد الغالب الذي كان سائدًا لدى مختلف الأوساط السياسية، تمثل في أن مشاورات الكويت، ستنجح في الأحوال كافة ، بإعادة اليمن إلى المسار السياسي، بغض النظر عن نسبة النجاح.

 ويعود الاعتقاد الذي رفع من سقف الآمال اليمنية بمشاورات الكويت، قبل عام، إلى جملة عوامل، أبرزها أن المفاوضات انعقدت في دولة خليجية عضو في التحالف العربي، الذي ينفذ عمليات عسكرية ضد الانقلابيين.

كما جاءت بعد اختراق نادر، تحقق العام الماضي وتمثل في التفاهمات السعودية المباشرة مع جماعة أنصار الله "الحوثيين" ، والتي بدأت مطلع مارس/آذار2016، ونتج عنها إبرام هدنة حدودية وعمليات تبادل بالأسرى، وزيارات أكثر من مرة لقيادات حوثية إلى منطقة ظهران الجنوب في السعودية.

وعلى صعيد المشاورات، فقد كانت الجولة الأولى من نوعها، والتي يتم الاتفاق على هدنة تسبق انطلاقها، وهي هدنة "العاشر من إبريل" ، والتي شكلت يومها أطول هدنة على الرغم من الخروق ، والتي سبق انطلاقها تشكيل "لجنة التنسيق والتهدئة" المؤلفة من ممثلين عن الطرفين ومشرفين أمميين، لتشرف على تثبيت وقف إطلاق النار.

وشارك الطرفان في مشاورات الكويت بوفدين كلًا منهما من 14 عضوًا ، وترأس وفد الحكومة وزير الخارجية عبدالملك المخلافي، فيما ترأس وفد الانقلابيين محمد عبدالسلام "عن الحوثيين" ، وعارف الزوكا :عن حزب المؤتمر الذي يترأسه علي عبدالله صالح".

ووضع المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، خمسة محاور أو مواضيع على طاولة مشاورات الكويت قبل انطلاقها، وتتمثل ببحث إجراءات أمنية مؤقتة لا سيما على المستوى المحلي، وعمليات الانسحاب وتسليم الأسلحة الثقيلة، واستعادة مؤسسات الدولة، واستئناف الحوار السياسي، وتشكيل لجنة لمتابعة قضايا الإفراج عن المعتقلين.

لكن مع انطلاق المفاوضات، بدأت الخلافات تتمحور حول الأجندة واعتراض وفد الانقلابيين على بعض المحاور، لتكون الخطوة الأولى تقسيم المشاركين إلى ثلاث لجان، سياسية، وأمنية، ولجنة مختصة بملف المعتقلين والأسرى‪.

وفي الفترة الممتدة بين 21 أبريل/نيسان وحتى الـ30 من يونيو/حزيران، كان المتحاورون يقفون وجهًا إلى وجه مع تعقيدات الأزمة اليمنية وفي مقدمتها ملف الحرب الأكبر في تاريخ البلاد والاختلافات السياسية، بما جعل المفاوضات تبدو كما لو أنها في حلقة مفرغة ، وضع يومها كل طرف رؤيته السياسية والأمنية للحل، مع الاختلاف حول تراتبية المواضيع المطروحة.

وطرح الجانب الحكومي البدء في تنفيذ الإجراءات الأمنية والعسكرية المطلوبة من الانقلابيين، وفي مقدمتها الانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة الثقيلة، ومن ثم الانتقال إلى الجانب السياسي الذي يتضمن تشكيل حكومة توافقية ويرتبط بمدى الالتزام والتنفيذ للشق الأمني ، فيما طرح وفد الحوثيين وصالح، رؤيتهم بأن يتم الاتفاق على الجانب السياسي بتشكيل سلطة توافقية انتقالية، تتولى هي الإشراف على الجانب الأمني الخاص بالانسحاب وتسليم الأسلحة والترتيبات الأمنية‪.

ووصلت المشاورات ، خلال فترة الانعقاد ، أكثر من مرة إلى طريق مسدود ، وقد كان المفاوضون يعودون إلى طاولة التفاوض بعد وساطات من أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ومجموعة السفراء الـ18 المشرفة على التسوية في البلاد ، وتطلّب الأمر في إحدى المرات تدخلًا من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي توسط لإعادة الوفد الحكومي بعد تعليق مشاركته لخمسة أيام ، في 22 مايو/أيار‪.

واختتمت الجولة الأولى من مشاورات الكويت ، في الـ30 من يونيو/حزيران ، بمنح المشاركين إجازة لمدة أسبوعين، كشف المبعوث الأممي عن الرؤية الأممية المقترحة، والتي تمثل توفيقًا بين وجهتي نظر المشاركين عن الطرفين، وقد حاولت بعض الشيء حل عقدة التراتبية لتبجعلها متزامنة ومتسلسلة.

وتضمنت الرؤية في الشق السياسي، تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها مختلف الأطراف بما يتطلب من تنازلات من الحكومة الشرعية، وشقًا أمنيًا يتعلق بانسحاب الحوثيين وحلفائهم من صنعاء ومدن أخرى، بصورة متزامنة ومتسلسلة ، وواجهت الخطة الأممية رفضًا حكوميًا صارمًا ، رفض معه وفد الشرعية العودة إلى المفاوضات، قبل سحب الجانب الأممي لمقترحه‪.

ومع بدء الجولة الثانية من مشاورات الكويت، في الـ16 من يوليو/تموز ، كانت المؤشرات تظهر بوضوح أن رحلة المشاورات في الكويت تقترب من إعلان الفشل، وتبحث عن صيغة دبلوماسية لإخراج فشلها ، وحضر الوفد الحكومي بعد التزام المبعوث الدولي بإسقاط الرؤية التي أعلنها في نهاية الجولة السابقة في 30 يونيو/حزيران.
 
ومع الجولة الأخيرة، كانت النقاشات تتمحور في الجانب الأمني فقط ، مما جعل الانقلابيين هم من يرفض المقترح، قبل أن يتم اختتام أطول رحلة مشاورات يمنية خلال الحرب، في السابع من أغسطس/آب 2016، من دون الوصول إلى اتفاق ، فقد كان انتهاء المشاورات بداية لعودة التصعيد العسكري من جديد، والذي يستمر حتى الوقت الجاري.