تواصل الاحتجاجات في باريس

لم تؤدِ قرارات الحكومة الفرنسية بتجميد الزيادة المقرّرة على ضريبة الوقود، ورفع الحدّ الأدنى للأجور، بتهدئة متظاهرين واصلوا احتجاجات عنيفة، مُعبّرةً عن رفضها لـ"فتات" تُقدّمها لهم السلطات. وبحسب مراقبون، فإنّ رضوخ الحكومة لحركة "السترات الصفر" شكّل ضربة موجعة للرئيس إيمانويل ماكرون، بعد 18 شهراً على توليه الحكم.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته "إيفوب-فيدوسيال" ونشرت نتائجه مجلة "باري ماتش" وإذاعة "سود راديو"، أنّ نسبة الرضا عن أداء ماكرون تراجعت إلى 23%، فيما سجّل رئيس الوزراء إدوار فيليب 26%.

وهزّت باريس صدامات عنيفة وشغب وعنف وتخريب السبت الماضي، في اضطرابات اعتُبرت الأسوأ منذ العام 1968، حيث أدت الصدامات إلى إصابة المئات واعتقال أعداد مماثلة.

وبدأت حركة "السترات الصفر" تحرّكها في 17 تشرين الثاني "نوفمبر" الماضي، احتجاجاً على ارتفاع كلفة المعيشة نتيجة الضرائب التي فرضتها الحكومة على الوقود، حيث تحوّلت الاحتجاجات إلى انتفاضة ضد ماكرون الذي يتهمه كثيرون بتطبيق سياسات ممالئة للأثرياء، مطالبين باستقالته.

وقال فيليب: "يجب أنّ تكون أصماً وأعمى لئلا ترى ولا تسمع هذا الغضب، الفرنسيون الذي ارتدوا السترات الصفر يُحبّون بلدهم، ويرغبون في ضرائب منخفضة ويريدون أن يكون راتبهم كافياً، وهذا ما نرغبه كذلك، إذا لم أتمكّن من شرحه، وإذا لم تتمكّن الغالبية الحاكمة من إقناع الفرنسيين، فإنّ شيئاً يجب أنّ يتغيّر، لا ضرائب تستحق أن تعرّض وحدة الأمّة لخطر".

وبيّن أنّ الحكومة جمدّت زيادة الضريبة على الوقود لستة أشهر، مُشيراً إلى أنّ تطبيقها كان مقرراً في كانون الثاني "يناير" المقبل.

ودعا فيليب، إلى استغلال هذه الفترة لمناقشة إجراءات أخرى لمساعدة الطبقة العاملة الفقيرة التي تعتمد على السيارات للذهاب إلى العمل والمتاجر. وأوضح، أنّ أسعار الكهرباء والغاز التي تنظمها الحكومة، ستُجمد خلال فصل الشتاء، مُعلناً زيادة الحدّ الأدنى للأجور بنسبة 3 في المئة بدءاً من يناير.

وتابع فيليب: "لو كان هناك أمر تعلّمناه من الأحداث الأخيرة، فهو أنّ الفرنسيين لا يريدون زيادة في الضرائب أو ضرائب جديدة، وإذا تراجع تحصيل الضرائب، سيتراجع الإنفاق لأننا لا نريد أنّ نورث ديوننا لأحفادنا، وهذه الديون ثقيلة، علماً أنّ الحكومة أقرّت حزمة مساعدات للأسر الأكثر فقراً، قيمتها 500 مليون يورو".

 

وأكد على ضرورة انتهاء كافة مظاهر العنف، مضيفاً "إذا حدث يوم آخر من الاحتجاجات السبت، يجب نيل إذن وأنّ يتم في هدوء، لأنّ وزير الداخلية سيستخدم كل الوسائل لضمان احترام النظام".

إلى ذلك، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر قوله: إنّ "تدابير الحكومة ستكبّد الدولة مليونَي يورو، بالتزامن مع وجود ترقباً لموقف السترات الصفر".

وقال ناطق باسم الحركة: إنّها "خطوة أولى، لكّن الفرنسيين لا يريدون فتاتاً، بل الرغيف كاملاً"، موضحاً أنّ الحركة تريد إلغاء الضرائب. وكتبت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، على "تويتر" أنّ المحتجين يريدون إلغاء زيادة الضريبة على الوقود، لا تجميدها.

وقارنت وسائل إعلام رسمية روسية احتجاجات فرنسا بـ "ثورات ملوّنة" شهدتها جمهوريات الاتحاد السوفياتي، وتحدثت عن تورط الولايات المتحدة لـ"إضعاف ماكرون" تمهيداً لاستقالته، بعد دعوته إلى تأسيس جيش أوروبي ودافع عن الاتفاق النووي الإيراني.

وأرغمت احتجاجات ضد رؤساء فرنسيين سابقين على التراجع عن مواقفهم، وهذا ما تعهد ماكرون الامتناع عن فعله، في محاولته لـ"تغيير" الاقتصاد والدولة الفرنسيين.

يُذكر أنّ التظاهرات تتواصل، بعد انضمام سائقي سيارات إسعاف وطلاب إلى الاحتجاجات، حيث أحرق متظاهرون مباني، وخاضوا صدامات عنيفة مع الشرطة، كما أُضرمت النار في جزء من مدرسة ثانوية قرب تولوز جنوب غرب  فرنسا