باريس - اليمن اليوم
استمرّت موجة الاحتجاجات في فرنسا وبخاصة في عاصمتها باريس، رغم تراجع الحكومة عن رفع أسعار الوقود، وفي هذا السياق أطلقت الشرطة الفرنسية الغاز المسيل للدموع واعتقلت المئات في باريس السبت، بينما أغلقت أبرز معالم العاصمة مع خروج تظاهرات جديدة نظمتها حركة "السترات الصفراء" ضد الرئيس إيمانويل ماكرون، وذلك وسط هتافات تطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالتنحي عن الحكم في تصعيد جديد لحركة السترات الصفراء وذلك بالقرب من الشانزليزيه التي شهدت السبت الماضي أسوأ أعمال شغب في باريس منذ عقود.
وقال سائق شاحنة عرف عن نفسه باسم داني إنه يخطط كغيره للسير باتجاه القصر الرئاسي للتعبير عن غضبه حيال ماكرون المتهم بمحاباة الأغنياء، وأضاف السائق البالغ من العمر 30 عاما الذي قدم إلى باريس من ميناء كيان في نورماندي "أنا هنا من أجل ابني. لا يمكنني تركه يعيش في بلد حيث يستغل الفقراء".
وبيّن أحد المتحدثين باسم الحركة كريستوف شالينسون أنّ رئيس الوزراء "استمع إلينا ووعد برفع مطالبنا إلى رئيس الجمهورية. الآن نحن ننتظر ماكرون"، وعبر عن أمله في أن يتحدث الرئيس "إلى الشعب الفرنسي كأب، بحب واحترام، وأن يتّخذ قرارات قويّة".
وأعلن فيليب رئيس الوزراء أنه تم نشر نحو 89 ألف عنصر شرطة في أنحاء البلاد بينهم 8000 في باريس حيث تم نشر عشرات العربات المدرعة لأول مرة منذ عقود، وكشف رئيس الوزراء أنه تم اعتقال 481 شخصا في باريس في وقت نفذت الشرطة عمليات تفتيش استهدفت من يصلون إلى محطات القطارات وفي المواقع التي تركزت فيها الاحتجاجات على غرار الشانزليزيه ونصب الباستيل، وبين المعتقلين عشرات تم توقيفهم بعدما عثرت السلطات بحوزتهم على أقنعة ومطارق ومقاليع وحجارة يمكن استخدامها لمهاجمة الشرطة، وكإجراء احترازي تم إغلاق متاجر ومتاحف وبرج إيفل إلى جانب العديد من محطات القطارات ومعظم المناطق الواقعة وسط المدينة بينما ألغيت مباريات كرة قدم وحفلات موسيقية.
والتقى الجمعة فيليب وفدا من مجموعة وصفت نفسها بـ"المعتدلة" ضمن حركة "السترات الصفراء" والتي حثت الناس على عدم الانضمام إلى التظاهرات، وفي هذا السياق قال وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير إن "الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت ولادة وحش خرج عن السيطرة"، متعهدا أن السلطات الفرنسية "لن تتهاون" مع الأشخاص الذين يحاولون التسبب بمزيد من الفوضى.
واستخدمت الشرطة القنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيل للدموع ضد عناصر "السترات"، وهو ما تسبب بوقوع حالات إغماء في صفوفهم، وفي المقابل قذف المحتجون أفراد الشرطة بحجارة الأرصفة، وفي مؤشر إلى العنف الوشيك تسلم بينوا بوتيري، وهو نائب في البرلمان عن حزب ماكرون، رصاصة بالبريد الجمعة أرفقت برسالة كتب عليها "في المرة المقبلة، ستكون بين عينيك".
وذكرت وسائل إعلام أن أكثر من 30 ألف عنصر من حركة "السترات الصفراء" شاركوا في الاحتجاجات الفرنسية السبت، وشوهوا قوس النصر برسم غرافيتي يستهدف الرئيس إيمانويل ماكرون، ورصدت الحكومات الأجنبية الأوضاع عن كثب في إحدى مدن العالم الأكثر رواجا في أوساط السياح، وأصدرت السفارة الأميركية تحذيرا لمواطنيها في باريس داعية إياهم إلى "تفادي الظهور وتجنب التجمعات"، بينما حضت الحكومات البلجيكية والبرتغالية والتشيكية مواطنيها الذين ينوون التوجه إلى باريس على تأجيل سفرهم.
يذكر أنه بدأ الحراك في 17 تشرين الثاني/نوفمبر بإغلاق الشوارع للاحتجاج على ارتفاع أسعار الوقود قبل أن يتفاقم ليتحول إلى حراك واسع ضد سياسات ماكرون، وخرجت تظاهرات منسقة نظمتها حركة "السترات الصفراء" في أنحاء البلاد السبت بما في ذلك في عدة طرقات سريعة حيث تسببت بتعطيل حركة السير.
ورضخ ماكرون هذا الأسبوع لبعض مطالب المحتجين عبر إجراءات لمساعدة الفقراء والطبقة المتوسطة التي تعاني من صعوبات معيشية تضمنت إلغاء الزيادة التي كانت مرتقبة في الضرائب على الوقود والحفاظ على أسعار الكهرباء والغاز في 2019، لكن ناشطي "السترات الصفراء" الذين ارتفع منسوب التشدد في أوساط بعضهم، يطالبون بمزيد من الإجراءات، واتسع الحراك فخرجت تظاهرات في عشرات المدارس للاعتراض على إصلاحات تتعلق بدخول الجامعات، بينما دعا مزارعون إلى تظاهرات الأسبوع المقبل، وفي مسعى للاستفادة من التحرك دعت نقابة "سي جي تي" إلى إضرابات في صفوف عمال السكك الحديد والمترو الجمعة المقبل للمطالبة بزيادة فورية للرواتب والمعاشات التقاعدية، ويعارض المحتجون سياسات ماكرون الذي أدلى بسلسلة من التصريحات اعتبرت مجحفة بحق العمال العاديين، وهو ما دفع الكثيرين إلى أن يطلقوا عليه لقب "رئيس الأغنياء".
وتعهد الرئيس بمواصلة مسعاه لإحداث تغييرات عميقة في الاقتصاد الفرنسي وعدم الانصياع إلى التظاهرات الشعبية الواسعة التي أذعن لها رؤساء سابقون، لكن التراجع عن زيادة ضرائب الوقود التي يفترض أن تمضي بفرنسا في مسار التحول إلى اقتصاد صديق للبيئة، يعد هزيمة أساسية بالنسبة إلى الرئيس الوسطي، وهذه أكبر أزمة تواجه الرئيس الفرنسي منذ انتخابه قبل 18 شهرا، إذ يتعرض للضغوط بينما تحاول إدارته استعادة زمام المبادرة بعد ثلاثة أسابيع من الاضطرابات الأسوأ في فرنسا منذ الثورة الطلابية عام 1968.
وأعلن نائب وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز، أن نحو 31 ألف شخص شاركوا السبت، في تظاهرات حركة "السترات الصفراء" في أنحاء فرنسا، مشيرا إلى اعتقال نحو 700 منهم، وأفاد مصدر أمني بإصابة 10 متظاهرين من السترات الصفراء، بعد اشتباك مع الشرطة الفرنسية، السبت، كما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على متظاهري "السترات الصفراء" قرب القصر الرئاسي، وانتشرت مدرعات قرب "قوس النصر" لمواجهة تظاهرات.
ووقعت صدامات السبت قرب جادة الشانزليزيه وسط باريس بين قوات مكافحة الشغب الفرنسية ومحتجين من حركة "السترات الصفراء" الذين خرجوا في تظاهرات جديدة ضد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، واعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن مظاهرات "السترات الصفراء" كشفت فشل أوروبا في امتحان الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات"، وقال في كلمة خلال مراسم افتتاح عدد من المشاريع، في حي "أوسكودار"، السبت: إننا "نتابع بقلق ما تشهده شوارع أوروبا"، وسأل أردوغان: "هل تشاهدون ما يحدث في أوروبا؟"، وأوضح "هؤلاء هم الذين التزموا الصمت حيال ما تعرضنا له في محاولة 15 تموز الانقلابية".
وأردف: "ترون الآن وضع من التزموا الصمت حيال الذين حاولوا تلطيخ شوارعنا بالدم و إحراقها بالنار. شوارع العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها باريس ملتهبة"، وقال : "انظروا ماذا تفعل شرطة هؤلاء الذين كانوا يهزأون بشرطتنا ويتهمونها بالقمع.. شرطتنا عادلة".
وأعرب أردوغان عن معارضته "مشاهد الفوضى التي تسبب بها متظاهرون في شوارع أوروبا والقوة المفرطة تجاههم على حد سواء"، ولفت إلى أن "الذين أثاروا معاداة اللاجئين والإسلام من أجل الشعبوية السياسية، وقعوا في الحفرة التي حفروها".
وختم الرئيس التركي قائلا: "جدران الأمن والرفاهية التي تغنّوا بها بدأت تتزعزع على يد مواطنيهم بالذات، وليس من قبل اللاجئين والمسلمين".