تعز- أيمن العطاس
باتت مدينة تعز اليمنية مسرحا للعمليات المتطرفة التي ينفذها تنظيما "القاعدة" و"داعش" في مشاهد إجرامية متنوعة، بين العمليات الانتحارية، والاغتيالات، والاختطاف، من جهة، وتفجير المعالم التاريخية والأضرحة، والتكفير وتقييد الحريات، من جهة أخرى، تحت ذرائع دينية، لا تمت للدين الإسلامي بصلة، أمام جمهور من الشباب يمثل جزءا كبيرا من غالبية سكان المدينة، مما جعله فريسة سهلة الاستقطاب من قبل هذه الجماعات.
توسع التطرف
ومنحت المواجهات المسلحة خلال الحرب اليمنية التي دخلت عامها الثالث، فرصة للجماعات المتطرفة للتحرك في تعز داخل المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المقاومة المحسوبة على حزب الإصلاح "الإخوان" تحت ذريعة مواجهة ميليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، إلا أن هذه الجماعات سرعان ما استغلت الصراع القائم بين بعض فصائل المقاومة الشعبية في تعز، وتمكنوا خلال عامين من السيطرة على على عدد من الأحياء والمناطق الرئيسية، في قلب المدينة من بينها "الجمهوري، والمجلية، والجحملية العليا، والكوثر، وسوق الصميل، وحوض الأشراف، وجولة الأخوة".
وفي 30 نوفمبر 2015، أصدر تنظيم القاعدة، تسجيلا مرئيا، يكشف جانبا من معاركه مع الحوثيين، على أطراف منطقة الجحملية، أحد أقدم الأحياء في مدينة تعز، بينما أكد القيادي في التنظيم خالد باطرفي، في تسجيل مرئي صادر له في يونيو 2015، خوض تنظيم القاعدة مواجهات مسلحة مع الحوثيين، في أكثر من 11 جبهة في أنحاء اليمن، من بينها تعز، وفي ديسمبر من نفس العام، عاود التنظيم، نشر تسجيلا مصورا لمعارك خاضها في جبهات مختلفة مع الحوثيين في تعز.
إماراتان للقاعدة وأخرى لداعش
ويسطير تنظيم القاعدة على معظم المناطق والأحياء الرئيسية، في تعز الخاضعة لسيطرة الجماعات المتطرفة، بينما ظلت بعض الشوارع، في سوق الصميل و الكوثر، من نصيب تنظيم "داعش".
ويؤكد سكان محليون أن تنظيم القاعدة قسّم المناطق الواقعة تحت سيطرته في تعز إلى إمارتين، إحداهما يتخذ أميرها "أبوعبدالرحمن الشهري" -سعودي الجنسية- من الجمهوري مقرا له، والأخرى في حوض الأشراف وأميرها "أبوهمام الصنعاني".
مصادر محلية فإن الشهري يتخذ من المستشفى الجمهوري الذي أغلق في ديسمبر 2015 بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، مقرا لقيادة الإماراة.
وأوضحت المصادر أن شخصا يدعى "أبوعمر"، يتولى مهمة قاضي محكمة في إمارة القاعدة التي يقودها الشهري، مشيرا إلى أنه استدعى في 11 مارس الماضي، الصحافي جميل الصامت، إلى محكمة "أنصار الشريعة" التابعة للقاعدة، بتهمة مناهضته للتنظيم.
في حين حولت الإمارة الأخرى للقاعدة التي يقودها أبوهمام الصنعاني، الذي تربطه علاقة وفاق مع تنظيم "داعش"، أقسام الشرطة بالأحياء الخاضعة لسيطرتهم، إلى سجون للمعتقلين المناهضين للتنظيم، واتخذوا مدرسة الشعب في حوض الأشراف، مقرا رئيسية محكمة أنصار الشريعة، ويتولى "حارث العزي" مهمة رئاستها.
إعدام وجلد
وكشف السكان، عن تنفيذ محكمة أنصار الشريعة التابعة للقاعدة، التي يترأسها أبوهمام، لعدد من عمليات الإعدام والجلد لأشخاص مجهولين، دون معرفة الأسباب.
وتحدث السكان عن سماعهم بشكل متكرر صراخ أشخاص يتعرضون للتعذيب، وأصوات رصاص.
تدمير معالم تاريخية
في أغسطس 2015 قام تنظيم القاعدة تفجير مقام نبي الله شعيب في منطقة جبل صبر، جنوبي تعز، وتفجير مقام الولي عبدالله الطفيل في نفس الشهر، في منطقة ثعبات شرقي المدينة، كما تم تحطيم ضريح الشيخ مدافع الخولاني نهاية نوفمبر 2015، في منطقة صينة غربي المدينة.
وقام تنظيم داعش بتفجير وسرقة ونهب قبة القطب العلامة عبدالهادي السودي نهاية شهر يوليو 2016 في المدينة القديمة بتعز، والتي تعد واحدة من أكبر القباب الأثرية في اليمن، ويعود عمرها لنحو 500 عام، وذلك بعدما قامت بنبش القبر وسرقة بعض محتوياته قبل فترة من تفجيره.
استقطاب الشباب
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن تنظيم القاعدة قام بتوزيع منشورات على المواطنين في شوارع المدينة تحرم الالتحاق بالجيش اليمني وتحذر الملتحقين به، وهذا الرأي كان يتبناه القيادي بحزب الإصلاح الإخواني عبدالله أحمد علي، حين أطلق فتوى "بحرمة التجنيد وحرمة القبول بالدستور وبمخرجات الحوار الوطني من منبر "جامع النور" في تعز، الذي يرتاده الكثير من أعضاء "القاعدة" و"داعش".
وتقوم هذه التنظيمات بالوقت الحالي باستقطاب العديد من الشباب إلى صفوفها، كما أفاد بذلك الشاب اليمني "عمر الشرعبي" في حديثه لصحيفة "العربي الجديد"، والذي أكد أن تنظيم "داعش" بدأ باستقطاب العديد من الشباب، لا سيما الجامعيين وتجنيدهم للالتحاق بصفوفه، على غرار ما حدث مع طالب جامعي يدعى "أيمن م.م"، والذي قاتل في صفوف المقاومة الشعبية ضد الحوثيين ثم تعرف في الجبهات على مقاتلين من تيارات مختلفة، من بينهم تنظيم داعش، وتم استقطابه واستدراجه للالتحاق بالمعسكرات التدريبية لداعش في محافظة شبوة عن طريق مجموعات متخصصة باستقطاب الشباب وتجنيدهم.
واستغلت هذه الجماعات غياب الدولة ومؤسساتها، وفق الشرعبي، الذي أكد قيامها بتقديم عروض بالمال وآخرى عبر الفتاوى الدينية والمحاضرات والفيديوهات والأناشيد الخاصة.
ويروي زملاء أيمن، وهو طالب في كلية الهندسة في جامعة تعز، أنه كان يتحدث لهم في قاعة الدراسة عن "الجهاد في سبيل الله" وضرورة نصر دولة "الخلافة الإسلامية"، لكنهم كانوا يتعاملون مع حديثه من باب الهزل، وفق تعبيرهم.
وعندما بدأت اختبارات النصف الأول للعام الجامعي الحالي، فوجئ زملاء أيمن بغيابه عن الامتحانات، وبعد التواصل مع والده اتضح أنه أصبح عنصرا في تنظيم "داعش" في محافظة شبوة هو ومجموعة من أصدقائه، وفق نفس المتحدثين.
ما يؤكده أحد أقاربه في حديثه لإحدى الصحف، بقوله "إنه قبل مغادرة أيمن لمدينة تعز قبل أشهر، زار والدته و"طلب منها أن تبيعه لله ولم تعلم أنه قد التحق بتنظيم الدولة".
ويضيف المتحدث أنه "بعد ذلك غادر تعز نحو محافظة شبوة برفقة صديقه، "محمد .ع.ا.س"، وهذا الأخير يعمل والده في جهاز الاستخبارات في الدولة منذ أعوام، لكن نجله محمد يصفه بالطاغوت الذي يجب قتله"، على حد وصفه.
أن "عبدالله، الشقيق الأكبر لمحمد، كان قد سبقه إلى صفوف تنظيم القاعدة في محافظة شبوة منذ ثلاثة أعوام، قبل أن ينتقل إلى صفوف الدولة الإسلامية العام الماضي"، حسب المصدر الذي أكد أن "أكثر من 11 شابا من نفس القرية الواقعة جنوبي تعز، انخرطوا خلال فترة الحرب في صفوف تنظيم داعش، ليس أكرم ومحمد آخرهم"، وفق تعبيره.
مظاهر متطرفة
حالات الاستقطاب في صفوف الشباب في تعز، انتشرت بالتزامن مع بعض المظاهر التي انتشرت في المدينة، من بينها، الثياب الخاصة بعناصر تنظيمي القاعدة وداعش، المشابه للزي الأفغاني الذي كان يميز "طالبان".
ويؤكد عدد من الخياطين في تعز الطلب المتزايد على تفصيل هذه الأزياء في المناطق الخاضعة لسيطرة القاعدة وداعش، على الرغم من بيعه بأسعار كبيرة مقارنة بتكلفته، وأشاروا إلى أن الطلب مرتفع بمقاسات للكبار والصغار على حد سواء بقياسات مختلفة للكبار والصغار على حد سواء.
كما أن أفراد التنظيم يرغمون أصحاب المحلات التجارية على تغطية وجوه الدمى البلاستيكية التي تستخدم لعرض الملابس النسوية.
خطأ فادح
ويرى الناشط السياسي عبدالستار الشميري، أن سبب انتشار التنظيمات المتطرفة في تعز، يعود للخطأ الفادح الذي ارتكبته القيادة السياسية في حكومة، التي تكفلت بشؤون المقاومة منذ بداية تأسيسها، موضحا أنه "تم قبول عناصر متشددة ثم جماعات متطرفة بوساطة قيادات إصلاحية إخوانية، تحت ذريعة الغاية تبرر الوسيلة، وحرصاً على إقصاء اللون الذي لا ينتمي للتيار الديني عن الوجود والحضور في صفوف المقاومة بشكل كبير".
من جهة أخرى يلفت الشميري إلى أن الانقلاب الذي قام به الحوثيون، اتسم بلون مذهبي متطرف، ولد تطرفا مشابها وأعطى حججا للبعض، مفادها أن التطرف لا يهزمه غير التطرف.
ويرى مراقبون أن غياب الأجهزة الأمنية عن ممارسة مهامها، وكذلك تدهور الوضع الاقتصادي، جعل الشباب في تعز صيد سهل لتنظيمي القاعدة وداعش، اللذين استخدما وسيلة، المال، في الدنيا والوعد بالجنة في الآخرة، كطريقة مناسبة لاستقطاب أعداد متزايدة من الشباب.
ويفيد مصدر أمني بأن قيادة إدارة أمن محافظة تعز قدمت خطة لقيادة "التحالف العربي" في محافظة عدن، تضمنت أن يتولى "التحالف" بقيادة السعودية، تدريب كتيبة مكونة من 400 عنصر من أبناء محافظة تعز، يتم اختيارهم وفقا لمواصفات خاصة، على أن تتولى هذه الكتيبة مكافحة التطرف والجماعات المتطرفة في تعز، إلا أن قيادة "التحالف" رفضت ذلك وردّت بأن الأمن الداخلي شأن ليس ضمن خطط تدخلها في المعركة العسكرية باليمن، وفق قول المصدر.