دمشق ـ اليمن اليوم
في مقهى "لامار"، الكائن في حارة "العجيلي"، وسط مدينة الرقة، وقفت الطفلة "طعمة" البالغة من العمر 13 عامًا أمام لجنة تحكيم لأول مرة في حياتها، ألقت أبيات من "الشعر الفراتي" ورقصة فنية من التراث الشعبي، فاللوحة الفنية التي قدمتها الطفلة المتحدرة من مدينة الرقة، وصوتها، لاقا قبول واستحسان أعضاء لجنة التحكيم وصفقوا لها بحرارة.
ونظمت لجنة الثقافة والفن بمجلس الرقة المدني نشاطًا ثقافيًا تحت عنوان "قصيد وسوالف" يومي السبت والأحد الماضيين، الذي يُعد الأول من نوعه بعد تحرير المدينة قبل عام وشهرين، برعاية منظمة "اليونيسيف" التابعة للأمم المتحدة، بالتعاون مع مطرانية السريان الكاثوليك وكنيسة مار آسيا الحكيم بمدينة الحسكة.
وتشارك طعمة مع مجموعة من الأطفال في فرقة "تراث الرقة" للشباب اليافعين، وعن تجربتها الأولى تقول "جاء أعضاء من الفرقة إلى مدرستنا بالرقة للبحث عن خامات جديدة، سمعوا صوتي ثم طلبوا مني الغناء والرقص في هذا النشاط"، وقدمت الفتاة أغاني تراثية ومواويل "رقاوية" وأعجب الجمهور بصوتها وأدائها، بدورها عبرت الفتاة آيات هي الأخرى عن سعادتها قائلة: "أنا سعيدة للغاية لأن الجميع صفق لي،،، شعور لا يُوصف".
وبدوره، قال حسن مصطفى، رئيس لجنة الثقافة والفن بمجلس الرقة المدني، والأخير مجلس محلي يدير شؤون المدينة بالتنسيق مع "قوات سورية الديمقراطية" والتحالف الدولي بقيادة واشنطن، "اليوم الأول من المسابقة خصص للشعر، وشارك فيه 10 متسابقين؛ فاز منهم ثلاثة من الأوائل، أما باليوم الثاني تقدم لمسابقة القصة البدوية والسوالف ثلاثة متسابقين، فازت متسابقة بالمرتبة الأولى"، وتركزت المسابقة حول التراث الشعبي والقصائد والقصص المحكية المستوحاة من التراثي البدوي، حيث تتميز بها مدينة الرقة ومنطقة بادية الشام، وأضاف أن "عناصر (داعش) منعوا الغناء والأدب وكانوا يقولون إنهما من (أهازيج الشيطان)، الأمر الذي أدى إلى تصحر الرقة خلال السنوات الماضية، اليوم تعود مديتنا للحياة ويعود التراث إليها".
وحُرم أبناء الرقة من إقامة الأنشطة الثقافية والفعاليات الأدبية، أثناء سيطرة عناصر تنظيم داعش، التي امتدت بين يناير (كانون الثاني) 2014 وأكتوبر (تشرين الأول) 2017، قبل طردهم على يد "قوات سورية الديمقراطية" بدعم من التحالف الدولي والولايات المتحدة الأميركية أكتوبر من العام الماضي.
ويقول محمد العبد (34 سنة) ممثل كنيسة مار آسيا الحكيم في الرقة، إحدى الجهات الراعية للفعالية، إنهم "اختاروا المكان في حارة العجيلي لأنها حارة الأديب (الرقاوي) عبد السلام العجيلي"، ويضيف أنّ الهدف من النشاط تعريف الشباب بتراث الرقة والأغاني الشعبية والشعر البدوي: "هذه القصص المحكية تناقلها آباؤنا عن أجدادنا، وعلينا الحفاظ على هذه الذاكرة الجمعية".
أما آيات (23 سنة) المتحدرة من مدينة الرقة، فشاركت في الفعالية الثقافية وألقت أبيات شعرية، وعن اللون الذي اختارته تقول: "اخترت (الشعر الفراتي)، الأقرب إلى الشعر النبطي الذي يتميز به أبناء الرقة وبادية الشام، هذا اللون يعكس أصالة أبناء المنطقة وجذورها التاريخية"، وفازت آيات بالمرتبة الأولى بمسابقة الشعر، وكُرمت من قبل لجنة التحكيم، ونقلت أنّ الأديب عبد السلام العجيلي كان ملهمًا لها، وتزيد "إنه قنديل مضيء لكل شاعر وأديب من أبناء الرقة، استلهمت شعري من هذه القامة الثقافية".
ولم تنهِ الحرب الدائرة في سورية منذ سنوات عجاف، حياة سكان مدينة الرقة، حيث يعملون ويكافحون ليعيدوا مدينتهم إلى الحياة، وتعمل فرقة "تراث الرقة" منذ أربعة أشهر على إعادة تأهيل كوادرها، والبحث عن أصوات وخامات شبابية جديدة يعتمد القائمون عليها على جمع وتوثيق التراث الشعبي استنادًا إلى الذاكرة الشعبية، ومعالجة اللحن وضبط قواعده الموسيقية، بحسب عبد الغفور الخلف مسؤول الفرقة التابعة لمجلس الرقة المدني، وتابع "اعتمدت عروضنا الغنائية على رقصات فراتية، بالإضافة إلى معالجة النص واستبدال تعابيره القديمة بما هو رائج أو معاصر".
وتحرص الفرقة على توثيق الزي الشعبي، حيث كان جميع أعضائها المشاركين في الفعالية يلبسون الزي الشعبي، كما تشكل اللوحات الغنائية والرقصات البدوية ومقطوعات تراثية وفلكلورية خاصة بأبناء المنطقة، ويضيف عبد الغفور: "ساحات الرقة أيام داعش خُصصت للإعدام الجماعي وقطع الرؤوس، أما اليوم تعود هذه الساحات لدورتها الطبيعية وتحتضن الأنشطة الثقافية والفعاليات الأدبية".
وشارك أحمد ذو الـ12 عامًا بالغناء، وكان ضابط إيقاع تتناغم راحة يديه مع الألحان الموسيقية والأصوات الغنائية، ويروي كيف نزح إلى مخيم عيسى المجاور رفقة عائلته بعد اندلاع معركة الرقة في شهر يونيو (حزيران) 2017، وشارك في حفلات المخيم ليسمعه أحد أعضاء فرقة "تراث الرقة"، ويطلب منه الانضمام إليهم، وقال: "وافقت بكل سرور، فمنذ صغري وأنا أحب لون الغناء الفراتي (المولية والسويحلي)، الفرقة حققت حلمي لأكمل طريق الفن والموسيقى لأنني متعلق بها كثيرًا".