لندن - كاتيا حداد
أكد المحامي الذي تولى العديد من القضايا المتعلقة بالحرب العالمية الثانية، ريموند داوود، أن النازيين استولوا على الكثير من لوحات الفن اليهودي، مشيرًا إلى أن ذلك "يحدث في أيام مشمسة حيث تغرد الطيور ويصطف اليهود دون رشاشات أو عنف"، واستخدم النازيون هذه السجلات بما يملكه اليهود لنهب ممتلكاتهم بما في ذلك نحو 650 ألف تحفة فنية
وشملت أعمال السرقة صورة من أعمال فان جوخ للدكتور "جاشيه" والفلكي فيرمير وبورتريه ذهبي لغوستاف كيلمت، وكذلك لوحة باسم "الراعية تجلب الغنم" لامرأة من الفلاحين مع قطيع من الغنم والتي توجد حاليا في متحف فريد جونز للفن في جامعة أوكلاهوما، ورسم اللوحة كاميل بيسارو عام 1886 ووصلت إلى متحف أوكلاهوما عام 2000 كهدية بقيمة 50 مليون دولار، وفي عام 2008 عرضت اللوحة للبيع في المزاد بقيمة 1.5 مليون دولار، ووصفتها إحدى المجلات المدرسة بكونها لوحة تسرق الأنفاس من بين المجموعة.
وسرق النازيون هذه اللوحة من عائلة ثرية باريسية، حيث أمضت الوريثة الوحيدة للعائلة وهي من الناجين من الهولوكوست حياتها تبحث عن لوحة "الراعية تجلب الغنم" وحاليا نجحت الوريثة في استعادتها، ويقول رونالد لودر قائد مهمة استعادة اللوحة المسروقة والرئيس التنفيذي لشركة لستي لودر لمستحضرات التجميل " لا تزال هناك أعمال فنية تقيّم بالكثير من مليارات الدولارات"، وعلى الرغم من الجهود الضخمة في أوروبا والولايات المتحدة منذ عام 1945 لاستعادة الأصول المنهوبة يقول المدافعون أن هناك نحو 100 ألف من الأعمال الفنية تظل مفقودة، وتناضل العديد من المتاحف للاحتفاظ بهم من أصحابهم الشرعيين، واتهم المدافعون بعض من أكبر متاحف العالم مثل متحف الفن الحديث في مدينة نيويورك ومتحف تيسين-برونيميسا في مدريد بمماطلة العائلات وتعليق اللوحات مصدر الشكوك بهدوء في المتاحف في الجامعات الأميركية.
وأفاد المحامي داوود أن بعض المؤسسات تستخدم تقنيات قانونية لمنع المطالبة باستعادة اللوحات مثل "السقوط بالتقادم"، اضافة إلى أن سرقة الفن النازي تختلف وفقا للدولة وعادة ما يمر نحو 3 أو 4 سنوات حتى يكتشفها شخص ما، ما يعني أن المحاكم ربما ترفض مطالب اليهود بدعوى التأخر لمدة 70 عاما، ويضيف داوود " التاريخ يُدفن لأن المحاكم تغلق أبوابها، هذا هو إنكار الهولوكوست".
وانتمت لوحة الراعية قبل الحرب العالمية الثانية إلى تيوفيل بدر الذي شارك في تأسيس متجر غاليري لافاييت، وذهبت اللوحة فيما بعد إلى ابنه بدر وتدعى ليون وزوجها راؤول ماير عام 1940، وفي هذا الوقت تقريبا وقعت باريس في أيدي النازيين، وخبأت عائلة مايرز اللوحة وبقية المجموعة الفنية في قبو في بنك جنوب فرنسا، إلا أن النازيين وصلوا إلى القبو بعد نحو عام واستولوا على المجموعة والتي ضمت على الأقل لوحتين لرينوار وديرين، وتمت إعادتها إلى باريس في مستودع للمنهوبات الثقافية في مبنى بالقرب من متحف اللوفر يدعى Jeu de Paume، ووصف العلماء هذا المكان الذي كان يوما ما ملعب تنس مغلق لنابليون بونابرت الثالث بأنه معسكر اعتقال لأكثر من 22 ألف قطعة فنية مسروقة.
وولدت ليون ماير في أواخر عام 1939 مع اندلاع الحرب ويقال أن والدتها كانت خياطة باريسية ووالدها غير معروف، وكان عمرها بضع سنوات عندما قُتلت عائلتها في أوشفيتز، ويقول محاميها بيير كريك أنه من المحتمل أن شخص ما خبأها ليحميها من القتل وانتهى بها المطاف في دار أيتام بالقرب من باريس، وتبنى الثريان راؤول وماير الفتاة عام 1946 وحاولوا استعادة كل قطعهم الفنية المسروقة، وبدأت عائلة مايرز عام 1952 في ملاحقة لوحة الراعية التي كانت في سويسرا، ورفعوا دعوى قضائية ضد مالكها إلا أن المحكمة حكمت ضدهم لأنهم لم يستطيعوا إثبات أن مالكها كان يعلم أن اللوحة مسروقة عندما حصل عليها، وعرض التاجر الذي عرف بالتعامل مع القطع المسروقة على العائلة أن يبيع لهم اللوحة لكنهم رفضوا أن يشتروا شيء هو ملكهم بالفعل، وتوفي الوالدان اللذان تبنا ليون في السبعينات وأصبت هي وريثتهم الوحيدة، وشعرت ليون في عمر الثلاثينات أن استعادة اللوة واجب لكل من عائلته القتيلة وعائلتها بالتبني، ولكن لم يكن لديها أي فكرة عن مكان تواجد لوحة الراعية، حيث عبرت اللوحة المحيط الأطلسي بعد قرار المحكمة السويسرية واتخذت طريقها في معرض في مدينة نيويورك، وفي عام 1957 اشترت اللوحة السيدة الثرية كلارا فيتزنوفر من أوكلاهوما وكان والدها وزوجها من رجال النفط في أوكلاهوما، ووجهت ثورتها لجمع الآثاث الإنجليزي والخزف الصيني واللوحات، وكان لديها أيضا شغف للفن الانطباعي حسبما أفاد نجلها ماكس فيتزنوفر صاحب أحد المسارح ، وأفاد ماكس أنه نشأ محاطًا باللوحات الفنية التي تملكها والدته، مضيفا " كان والدي دائما يقول: ماذا ستفعل في الوقت الذي يلي الحرب؟ لا يمكنك أن تأكلهم".
وأشار ماكس إلى أن لوحة الراعية كانت من لوحات والدته المفضلة وكانت تبقيها في غرفة المعيشة بجانبها لوحة لفان جوخ، وبعد وفاة والدته عام 2000 فكرت العائلة في التبرع باللوحات الفنية لجامعة أوكلاهوما حيث يشغل هو رئيس منصب مجلس الحكام وتحمل مدرسة الفنون الجميلة نفس اسم العائلة، وفي غضون شهرين شاهد أكثر من 33 ألف شخصا 33 مجموعة فنية، وزاد عدد زوار المتحف بمعدل ثمانية أضعاف، وبنى متحف الجامعة لاحقا جناح جديد وتم تثبيت اللوحات في 4 غرف على غرار منزل فيتزنوفر، وفي عام 2009 اكتشفت الأمينة المشاركة في متحف انديانابوليس للفنون أن سلسلة احتجاز لوحة الراعية مشكوك فيها، وعلم مشروع رد فن الهولوكوست بهذه النتائج ونشر مشاركة عن الموضوع في بلوق عبر الانترنت، وشاهد نجل ماير المشاركة في مارس/ أذار 2012، وبعدها بنحو ثمانية شهور توالت ماير مع رئيس الجامعة ديفيد بورين وطلبت منه إعادة اللوحة، وكان رده أن مؤسسة أوكلاهوما تملك اللوحة وليست الجامعة، لكنها رفعت دعوى قضائية عندما وجدت إجابته غير مفيدة.
ورفعت الدعوى القضائية باسم بورين ومؤسسة ومجلس حكام أوكلاهوما كمتهمين، واستأجرت أوكلاهوما المحامي تديوس ستابر الذي كان يدافع عن متحف مدرير الذي لا يريد تسليم لوحة أخرى لبيسارو إلى عائلة يهودية، وفي مايو/ أيار 2014أقنع ستابر القاضي برفض دعوى ماير على أساس الولاية القضائية مصرا على أنه كان يجب عليها أن تقدم شكواها في أوكلاهوما وليس نيويورك، وهي الحجة القانونية التي كرهها المدافعون عن الفن، وطعنت مايرو استغرق الأمر عام أخر لإعادة القضية في أوكلاهوما، وبحلول ذلك الوقت كانت القضية أصبحت بماثابة كابو للعلاقات العامة للمؤسسة، وذكر ممثل ولاية أوكلاهوما بول ويسلهوفت " لا أفهم حقا لماذا لا تتخلى مؤسسة أوكلاهوما طوعا عن اللوحة الأمر محرج بشكل فظيع"، وتم تقديم التماسات ضد الجامعة تحمل مئات التوقيعات، واستأجرت المجموعات المدافعة طائرة للتحليق فوق السماء قبل مباراة في أوكلاهوما، وعرضت الطائرة بانر كتب عليه " ديفيد بورين يجب عليك رد الفن المسروق"،
وفي مايو/ أيار 2015 أصدر مجلس التشريع في أوكلاهوما قرار يطالب الجامعة بحل هذه الفوضى سريعا، وعندما بدأت دعوى ماير في أوكلاهوما دعا ستابر إلى رفضها على أساس التقادم إلا أن رونالد لودر كتب إلى بورين لبحث الأمر، وأضاف لودر: "في البداية لم يرغبوا في التخلي عن اللوحة لعائلة ماير، وعندما بدأنا كان الأمر سلبي للغاية وعندما تحدثنا فعل بالضبط الشئ الصحيح"، وكان هناك وسيط للمتابعة مع الكونغرس العالمي اليهودي وتفاوش لودر على التسوية وأعلنت الأطراف موافقتها في فبراير/ شباط، وتعد ماير التي أدارت لافيات غاليري واجرت العديد من الأعمال الإنسانية كطبيبة متقاعدة حاليا، وتكمل عامها 77 في نوفمبر/ تشرين الثاني، ولا تزال تعيش حاليا في باريس، وبعد طول انتظار تحصل ماير على لوحة الراعية، ويقول محاميها كريك إن اللوحة ستعود إلى فرنسا قبل نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني وتذهب للعرض لمد 5 سنوات في مؤسسة من اختيار ماير، ثم تدور كل 3 سنوات بين مؤسسة فرنسية ومتحف فريد جونز، وتذهب سندات الملكية إلى ماير وستهديها في النهاية إلى مؤسسة فرنسية سواء خلال حياتها أو في وصيتها، ووفقا لبيان من المحامي أفاد بورين أنه راض بهذه النتيجة، مضيفًا :كنت أتمنى لو فعلنا ذلك في شهر بدلا من ذلك الوقت المستغرق"،وربما يكون هناك عقبات أقل لضحايا الهولوكوست عند استعادة القطع الفنية الخاصة بهم، حيث قدم أعضاء الكونغرس الأميركي في أبريل/ نيسان مشروع قانون يهدف إلى القضاء على الحواجز القانونية التي تستخدمها المتاحف للتمسك بالقطع الفنية، ويعتبرا لقانون حاليا قيد النظر ويطلق عليه المحامي داوود "تشريع مزلزل للأرض".
وربما تكون نهاية القصة غير سعيدة بالنسبة للسيد ويسلهوفت من جامعة أوكلاهوما، ويعتقد ويسلهوفت وأخرون أن بعض القطع في مجموعة فيتزنوفر تضم بعض القطع المسروقة من اليهود، وأشارت دعوى ماير إلى أن لوحة رينوار بيعت بواسطة أحد الهواة الفارين من ألمانيا النازية، وهناك عمل فني بواسطة ماري كاسات يفتقر إلى معلومات ملكية كافية من 1939 حتى 1957، وهناك عمل لمونيه يفتقر إلى معلومات الملكية قبل عام 1957، وزُعم أن هناك 3 أعمال فنية أخرى ترتبط بمعرض لقتحمو النازيون أو التجار الذي يعرفون الجامعين النازيين، وهناك على الأقل 7 لوحات إضافية ليس لديهم معلومات عن مصدرهم منذ فترة الخمسينات إلى الستينات، وأوضح مدير المتحف مارك وايت عن طريقة البريد الإلكتروني أنهم يحرزون تقدما لسد ثغرات تاريخ الملكية مشيرا " مثل هذا البحث عملية شاملة مرهقة"، وحتى يتم حجز رحلة لوحة الراعية تظل اللوحة على جدران متحف أوكلاهوما، وتعد غرفة العرض في المتحف موقع شائع لعروض الزواج وفقا لبورين الذين يعرف اثنين ممن أجابوا بنعم على عروض الزواج.