باريس - اليمن اليوم
تقدم الملتقيات السنوية للتصوير الفوتوغرافي في مدينة آرل، جنوب فرنسا، التي تحتفل هذا العام بالدورة 48، مجموعة من المعارض المدهشة التي ترفع الصورة إلى مقام اللوحة الفنية، إلى جانب قيمتها التاريخية والتوثيقية والاجتماعية. وفي عصرنا الذي تدور فيه الصور بسرعة الضوء، حين يحمل الجميع، حتى الأطفال، كاميراتهم في هواتفهم، يتساءل المرء: هل ما زال هناك مكان للدهشة؟ في آرل، المدينة الوادعة التي يتخذ منها عدد من الفنانين والمثقفين مقرًا لهم، تتأكد من إيجابية الجواب. فملتقياتها السنوية للتصوير الفوتوغرافي هي الموعد الذي يجمع مشاهير المصورين وهواة التصوير وعشاقه في العالم. وتكتشف أنّ العالم يتحرك، وأنّ هذا المهرجان يقدّم لك خفاياه السابقة واللاحقة على طبق من ورق صقيل، ملون أو بالأسود والأبيض.
ومن المعارض الكثيرة لدورة هذا العام، يلفت النظر معرض لصور تعود لأوائل القرن الماضي، التقطها مصور مجهول، تحولت بسبب غرابتها إلى بطاقات بريدية. وتأتي هذه البطاقات من مجموعة كلود ريبويو، وهو موسيقي وباحث فرنسي وجامع للآلات الموسيقية ذات الطابع الشعبي، ولدفاتر الألحان القديمة وصور العروض الشعبية والأقنعة وعرائس المسرح. والصور المختارة تأتي تحت عنوان "كل المقامات محفوظة"، وهي لقطات لأقزام وعمالقة وهراقل. ومن المعروف أنّ الاختلافات بين البشر كانت دائماً مصدراً للدهشة، وكان يجري استعراض أصحاب القامات غير العادية في المهرجانات الشعبية وحلبات السيرك. وهناك في الصور رجال بالغو الطول، وآخرون لا يزيد طولهم على أشبار.
ونقرأ في تقديم المعرض أنّ مجتمعات القرون الماضية كانت تنظر للأقزام كجنس على حدة، يراوح بين البشر وبين الكائن الصالح للمداعبة والفرجة. لذلك وجدوا مكانهم في السينما والاستعراضات الفكاهية. ويقول صاحب المجموعة، إن العمالقة والأقزام كانوا يعرضون في التجمعات القروية في أميركا وكأنهم ظواهر غير مألوفة، مثلما كانوا يعرضون السود والصينيين من المهاجرين الأوائل. وقد مرّ وقت طويل حتى اعترف لهم الآخرون بإنسانيتهم وتفهموا حالاتهم وتوقفوا عن السخرية منهم.
ولاحق المصور المجهول أولئك الرجال والنساء من أصحاب المواصفات "الشاذة"، والتقط لهم صوراً يظهرون فيها سعداء، يرتدون ملابس الحفلات ويبتسمون للكاميرا. لقد فهموا أنّ رزقهم يعتمد على مواهبهم في إخفاء أحزانهم وتسلية الغير وإسعاد الأطفال.