البنك المركزي اليمني

يعتمد تحالف الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح، كثيرًا على "الاقتصاد الخفي" لدعم جهوده الحربية، وفقًا للتقرير النهائي لفريق الخبراء "التابع للأمم المتحدة"، المعني بتنفيذ تدابير الجزاءات والحظر في اليمن، عملًا بالقرارين 2140 لعام 2014 و2216 لعام 2015.

وكشف التقرير، الذي اطّلعت عليه "الحياة"، أن الحوثيين والعناصر المنتسبين إليهم "استفادوا من النزاع في تطوير طائفة واسعة من مصادر الإيرادات، أبرزها فرض "ضريبة تجارية" بنسبة 20 في المائة على مبيعات المؤسسات التجارية ورواتب الخدمة المدنية، وهذا يشمل تجارة القات التي تمثّل 10 في المائة من الناتج المحلي الوطني، ما يعني أن أي تحرّك للقات هو فعليًا تحويل نقدي"، يُضاف إلى ذلك "التعريفات الجمركية من المهرّبين والمتربّحين في السوق السوداء، وتحويل ضرائب السلطة المحلية إلى سلطة مركزية تابعة للحوثيين".

وأكد الفريق الدولي، أن الحوثيين "يفرضون ضرائب قيمتها أربعة ريالات على كل ليتر من المنتجات النفطية، ما يدرّ مبلغًا مقداره 59.3 بليون ريال "237 مليون دولار" سنويًا، ويستغلّون تكنولوجيا الهواتف الخليوية لجمع الأموال باستخدام رسائل نصّية قصيرة كل أسبوعين لالتماس الأموال".

وتضمّنت مصادر الإيرادات أيضًا، "التمويل المقدّم من البنك المركزي لتسديد رواتب القوات المسلّحة وأجهزة الأمن المنحازة للحوثيين، إذ توجد نسبة مئوية من الرواتب والأموال الموجّهة لضمان الاحتفاظ بالوحدات التي لم تعد تعمل، تُحوّل إلى أفراد معيّنين من قادة الحوثيين، والتمويل المقدّم من البنك المركزي للدعم الإداري للقوات المسلّحة وأجهزة الأمن المنحازة للحوثيين، فهذا التمويل لا يزال مستندًا إلى الموازنة الوطنية لعام 2014".

وجاء في التقرير، "ظلت وزارة الدفاع في صنعاء تتلقّى من البنك المركزي اعتمادات الموازنة التي تمت الموافقة عليها للعام المالي 2014، نظرًا إلى عدم الموافقة على الموازنة منذ ذلك الحين، وفُكّكت وحدات بسبب النزاع، لكن قادتها الموالين للحوثيين واصلوا تلقّي الأموال من أجل الوقود والمواد الغذائية للقوات".

وأبرز التقرير ،"ظهور شبكة جديدة ومختلفة من الوكلاء والمنتسبين حول الحوثيين، فمنذ أوائل عام 2012 ظهر أفراد جدد، بينما تفكّكت شراكات قديمة"، ولخّص الشراكة المالية للحوثيين وصالح عمومًا، بـ "إعطاء قوات الحوثيين سيطرة كاملة على شمال اليمن باستثناء العاصمة، وهذا يشمل على سبيل المثال لا الحصر، السيطرة على الأراضي والمحاصيل والضرائب المحلية، وإعادة توزيع الوقود، والمعونة الإنسانية والضرائب، واستعادت قوات صالح السيطرة على مالية الدولة، ولو كان ذلك تحت ستار راية الحوثيين، وأعادت فتح قنوات السوق السوداء للاتجار بالمواد المخدّرة والأسلحة والأشخاص".

وأفاد التقرير، بأن "النزاع المستمر أتاح فرصًا لقوات الحوثيين وصالح وتنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب و"تنظيم الدولة الإسلامية" "داعش"، لاستكشاف مصادر دخل جديدة لدعم جهود الحرب ولتأمين التحالفات القبلية، وهذا يشمل الوصول إلى مالية الدولة وإمدادات النفط والوقود ونظم توزيعها، وفرض الضرائب غير القانونية"، ولفت إلى أن "أصحاب أعمال بارزين فرّوا من البلد، ما أتاح الفرصة للحوثيين للسيطرة على الأصول المالية لبعض المشاريع الخاصة المهمّة".

وأوضح التقرير، أن الحالة المالية العامة "مزرية وهي تؤثّر في أي تدابير مالية مباشرة للتصدّي للأزمة الإنسانية المتفاقمة"، مؤكدًا أن البنك المركزي "لا يمكنه ضخّ كتلة نقدية في الاقتصاد، لأن الأموال النقدية الموجودة في حوزة الأفراد زادت ثمانية أضعاف، إذ كانت قيمتها 103 ملايين دولار عام 2014، ووصلت إلى 884 مليونًا في كانون الثاني/ يناير - حزيران /يونيو 2016، ما أدّى إلى استنفاد الكتلة النقدية تمامًا في النظام المصرفي".

وبيَّن التقرير، أن احتياطات البنك المركزي "وصلت إلى الصفر بحلول 31 كانون الأوّل /ديسمبر 2016 قبل انخفاضها من 4.05 بليون دولار في كانون الأوّل 2014 إلى 1.56 بليون دولار في كانون الأوّل 2015، ثم إلى 700 مليون دولار في أيلول/سبتمبر 2016"، معلنًا أن "البنك المركزي يحتاج إلى 372 مليون دولار سنويًا فقط لخدمة الديون الخارجية الإجمالية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والمصارف الإقليمية".

وتوصّلت تحقيقات الفريق الدولي في الشبكات المالية المكوّنة من أفراد محدّدين، إلى أن "خالد علي عبدالله صالح يضطلع بدور مهم في إدارة الأصول المالية بالنيابة عن شخصين مدرجين في القائمة هما صالح ونجله أحمد، إذ تبيّن للفريق إجراء تحويلات مشبوهة لمبالغ مالية ضخمة في 2014-2016 ، ضالعة فيها ست شركات وخمسة مصارف في خمسة بلدان، وهي تحويلات تندرج حتمًا خارج الممارسات العادية لإدارة الأموال التي يقوم بها الأشخاص الذين يمتلكون ثروات طائلة".

وظهر للفريق أيضًا، أن "خالد علي عبدالله صالح استخدم شركة تدعى "ريدان للاستثمار" وحسابات لتبييض 83953782 دولارًا في فترة ثلاثة أسابيع من كانون الأوّل 2014"، ولم يغفل الإشارة إلى "النشاطات المالية المتعلّقة بالاتجار في الأسلحة في السوق السوداء الإقليمية التي يضّطلع بها تاجر السلاح الشهير فارس محمد منّاع، لا سيما أنه عيّن وزيرًا للدولة في حكومة 28 تشرين الثاني/نوفمبر الجديدة، ومقّرها صنعاء، وتربطه علاقات معروفة بكل من صالح والحوثيين".

ولفت التقرير، إلى أن "منّاع يسافر بحرية بجواز سفر ديبلوماسي يمني، بما في ذلك داخل منطقة شنغن"، مشيرًا إلى أن تلك الحالة "ليست سوى أحد الأمثلة على استفادة رجال الأعمال الانتهازيين والكيانات الإجرامية من النزاع، باستخدام الامتيازات والحصانات الحكومية، وأن من مصلحتهم الثابتة استخدام نفوذهم لتقويض أي آفاق للتسوية السلمية".