الثورة الرقمية في عالم الصناعة

يشعر المرء بتحولات كبيرة تجري في عالم الصناعة والعمل، إلى حدّ أن الباحثين والمخترعين الألمان أطلقوا عليها تعبير "الثورة الصناعية الرابعة"، وتبنّت الحكومة الألمانية هذا التعبير، وتعمل مراكز بحوث في التقنية العالية على تحقيق دمج الإنتاج الصناعي بتقنيات وسائل الاتصالات والمعلوماتيات الرقمية لتصنيع أنظمة ذكية متشابكة، إضافة إلى تأمين عمليات إنتاج ذاتية من الألف إلى الياء، وإلى جانب عالم الأعمال، يتمثل الهدف أيضًا بشمول الثورة الرقمية مجالات الحياة الإنسانية المختلفة.

وأمام هذا التطور التكنولوجي الذي لا يمكن معرفة الحدود الواعدة التي سيصل إليها مستقبلًا، كلّفت وزارة التربية والبحوث الألمانية "بي ام بي اف" معهد بحوث الرأي "إمند" إجراء استطلاع بشأن مدى تأثير الثورة الرقمية على تفكير الناس وعملهم، خصوصًا أن المرء "يقف حاليًا أمام مرحلة تغيير كبيرة"، على حد قول وزيرة التربية والبحوث يوهانا فانكا.

 ورأى 75 في المائة من المستَطلعين في ألمانيا، أن "عالم العمل سيتغير في شكل ملموس من الآن وحتى عام 2030". كما أظهر الاستطلاع أن الألمان "ينظرون بمشاعر مختلطة إلى مستقبل الأعمال "، ولم يستبعد 58 في المائة من المستطلَعين، أن "تؤدي التغييرات المنتظرة إلى شطب فرص عمل كثيرة موجودة حاليًا". فيما اعتبر 84 في المائة منهم، أن الرقمنة ستزيد الفروق في أجور العاملين".

 وفي الوقت ذاته يعتقد 73 في المائة أن التقنية العالية "ستساعد الناس في المستقبل على المشاركة في شكل أفضل في عالم الأعمال الجديد الذي سينشأ مع بعض الاستثناءات".

ووجد كل تسعة من عشرة مستطَلعين أن "التعلم المستمر على مدى الحياة سيحتل أهمية كبيرة في حياتهم، ولا يمكن التخلي عنه لتأكيد نجاحهم الوظيفي"، وأفاد الاستطلاع أيضًا، بأن "مكان العمل في المستقبل سيكون متنقلًا ولن يبقى في مكان معين كما هو حاليًا في معظم مجالات العمل".

 وتوقع 58 في المائة أن "القسم الأكبر من العاملين في ألمانيا سيكون قادرًا على تأمين الأعمال من مكان سكنه، أو من أي مكان آخر عام 2030"، وقال 80 في المائة منهم إنهم قادرون على تصور أن "قسمًا كبيرًا من الأعمال الروتينية لن  يقوم بها الانسان بعد ذلك، وإنما الآلات والبرامج المتخصصة التي تسمى حاليًا "روبوت"، أما في ما يخص تأثير الرقمنة على واقع التوفيق بين العائلة والوظيفة فجاءت الأجوبة مناصفة تقريبًا، إذ توقع 52 في المائة حصول تأثيرات إيجابية، فيما استبعد 41 في المائة منهم ذلك.

وسألنا رئيس معهد البحوث الاقتصادية في برلين "دي إي في" الخبير مارسيل فراتشر، عن مدى تأثير الأتمتة والروبوتات المختلفة على المهن وسوق العمل في المستقبل، فأكد أن للثورة الرقمية "وجهيْن، واحد مفرح وآخر مقلق للعاملين وللهيئات المسؤولة"، واعتبر أن الثورة الرقمية "ستعمّق التمايز الاجتماعي في المجتمعات، خصوصًا أن التحولات التكنولوجية ستقلص فرص العمل وتلغي مهنًا كثيرة قائمة".

وعن الحل الممكن اعتماده للتخفيف من التأثيرات السلبية للرقمية، أعلن أن "المطلوب من الدولة التدخل منذ الآن لتكييف سوق العمل مع التطورات التكنولوجية الجديدة"، وشدد على أهمية عصرنة التعليم المدرسي والمهني والجامعي للتماشي مع متطلبات المستقبل، ولفت "إلى أن العصر الرقمي لا يزال في خطواته الأولى".

وعلّقت فانكا على التحدي المستقبلي للدولة والمجتمع، لافتة إلى أن "المرء يلاحظ يوميًا كيف تُغيّر الرقمنة عالم العمل والحياة اليومية الخاصة"، وأوضحت أن "مؤشر المستقبل يُظهر أن  للمواطنين حسًّا جيدًا بهذه التغييرات الحاصلة، لكنهم يسألون عما سيجلب التحول الرقمي لهم شخصيًا ولتطور مهنتهم". وشددت على أن ألمانيا "تؤمن أفضل الشروط للاستفادة من الإمكانات الرقمية وأيضًا من التحول المنتظر".

وأكدت الوزيرة أن حكومتها "تهدف قريبًا إلى فتح حوار ونقاش مع المواطنات والمواطنين بشأن الفرصة التي تقدمها الرقمنة، لكن أيضًا حول محاذيرها"، وقالت: "لهذه الأسباب تسعى وزارتها إلى جعل مستقبل الأعمال موضوعًا من محاور البحث" التي سيتطرق لها مؤتمر "عام البحوث 2018" لمناقشة هذه الأمور "في حوار مفتوح مع المواطنين".