نيودلهي ـ اليمن اليوم
يشهد قطاع الاتصالات في الهند ثورة عنيفة، حيث قام أثرى أثرياء الهند موكيش أمباني، بأكبر رهان في العالم، من خلال استثمار قدره 25 مليار دولار، وذلك بتدشينه شبكة اتصالات خاصة بالهواتف الجوالة "ريلاينس جيو" ستتيح للجموع الغفيرة من الهنود الاتصال بالإنترنت عن طريق الهاتف على نطاق غير مسبوق.
وتعد "ريلاينس جيو" جزءًا من مجموعة "ريلاينس إنداستريز"، وتم تدشينها في سبتمبر "أيلول" الماضي، وستكون هذه الشبكة هي الأرخص، حيث تبدأ أسعار الاشتراك بها من 0.76 دولار للغيغابايت. وقد حققت الشركة نموًا بخطى سريعة، حيث تزيد حصتها من قطاع الاتصالات في السوق حاليًا على 10 في المائة بفضل أكثر من 125 مليون مشترك حتى اليوم، ويزداد عدد المشتركين يوميًا عن مشتركي شركات أخرى تعمل منذ فترة طويلة مثل "بهارتي إيرتيل" و"أيديا سيليلر".
وساعد الغزو عن طريق "جيو" موكيش على أن يصبح الشخصية الأكبر نفوذًا لهذا العام، وقال موكيش في بداية العام الحالي إن "البيانات هي النفط الجديد"، ووفق تقرير نُشِر أخيرًا تصدّر أمباني قائمة "فوربس" للشخصيات الأكثر نفوذًا لعام 2017، وتشير مجلة "فوربس" إلى نجاح أمباني بفضل "ريلاينس جيو" موضحة: "أنه قد أوصل خدمة الإنترنت إلى الحشود والطبقات الكادحة في الهند، لقد دخل عمالقة النفط والغاز سوق الاتصالات بقوة من خلال تقديم خدمة إنترنت سريعة على الهاتف الجوال بأسعار زهيدة".
ويلي أمباني على القائمة زيف أفيرام، وآمنون شاشوا، مؤسسا "موبيل آي"، وستيورات باترفيلد، مؤسس "سلاك" الذي يشغل المركز الثالث، في حين يشغل المركز الرابع جون وباتريك كولينسون مؤسسا "سترايب".
وأشار تقرير آخر صادر عن "مؤشر بلومبيرغ للمليارديرات" إلى ازدياد ثروة أمباني بمقدار 6 مليارات دولار خلال العام الماضي فقط، وتزعم الشركة أن حجم استخدام الهاتف الجوال للاتصال بالإنترنت كان يقدر بنحو 0.2 مليار غيغابايت شهريًا قبل ظهور هاتف جيو، لكن بعد إنشاء "جيو" وصل إجمالي حجم استهلاك الجوال للاتصال بالإنترنت إلى 1.2 مليار غيغابايت شهريًا، مليار منها لمشتركي خدمة "جيو".
هاتف "جيو" الجديد
بعد إطلاق حرب التعريفة على شركات الاتصالات المنافسة، تستثمر "ريلاينس جيو" 5 مليارات دولار أخرى في المشروع، وتتخذ المزيد من الخطوات، حيث تستعد لإحداث اضطراب في سوق الهواتف الذكية. وقد أعلن أمباني في 21 يوليو "تموز" أن "ريلاينس جيو" ستقدم هواتف مجانية بتقنية الجيل الرابع لمشتركيها رغم أنه سيتعين على المشترين دفع مقدم "يتم رده بالكامل" قدره 23.32 دولار، وذلك لمرة واحدة، يمكن للمستخدمين الاتصال بإنترنت سريع، والتمتع بالوسائط المتعددة، والتطبيقات التي تتضمن الاتصال الصوتي عبر الإنترنت، وذلك بفضل "جيو فون" مقابل 153 روبية، أي ما يعادل 2.38 دولار شهريًا، على حد قول أمباني.
ويتمتع الهاتف بكثير من الخصائص مثل القدرة على دفع الفواتير، ويمكن توصيله بالتلفزيون باستخدام وصلة، مما يسمح للمستخدمين بمشاهدة المحتوى على التطبيقات، مع العلم أن شركتي "آي جي جيو تي في" و"جيو سينما"، التابعتين لموكيش تقدم المحتوى، ويأمل جيو في جذب 500 مليون مستخدم آخر، ويجمع الهاتف، الذي تم الإعلان عنه أخيرًا "جيو فون"، بين خصائص الهاتف الذكي والهاتف العادي المتواضع، ويستهدف هذا الهاتف المستخدمين في الريف الذين لا يستطيعون شراء هاتف "آيفون" أو غيره من الهواتف، ومن خصائصه أيضًا دعم 20 لغة هندية محلية، ولولا هذا الهاتف لاقتصرت خدمة الجيل الرابع على مستخدمي الهواتف الذكية المعتادة فحسب، وسيتم طرح الهاتف الجديد بشكل تجريبي في 15 أغسطس "آب" الموافق عيد استقلال الهند، كذلك تعتزم "ريلاينس" طرح 5 ملايين هاتف من هواتف "جيو فون" أسبوعيًا.
وتطلق "جيو" على الجهاز الجديد "الهاتف الذكي الحقيقي الهندي"، وكذلك تحدث أمباني عن الفرصة الكبرى التالية أمام "ريلاينس جيو" وهي تقديم خدمات الإنترنت فائق السرعة للخط الثابت، أما العمود الثالث من استراتيجية "جيو" فهو، وفق أمباني، "محطات تلفزيون الكيبل على الهاتف جيو" التي تصل هاتف "جيو" بأي تلفزيون ليس فقط أجهزة التلفزيون الذكية بحيث يمكن لكل مستخدمي هاتف "جيو" الاستمتاع بالمشاهدة على أجهزة التلفزيون الخاصة بهم.
ويعتقد أوداي سودي، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس الأعمال الرقمية في شركة "سوني بيكتشرز نيتوورك" أن "جيو فون" هو ثاني أكبر إنجاز في قطاع الفيديو الذي يوجد على القمة، حيث يقول: " يُعدّ مجال الترفيه حاليًا أكبر مجال استهلاكي على الإنترنت، هاتف "جيو" الجيل الرابع هو أهم حدث في استهلاك المحتوى الذي يتم نقله عبر الإنترنت لا عبر شركات محطات الكيبل المعتادة، أو شركات خدمات الأقمار الصناعية الرقمية، ويشمل المقاطع المصورة".
اقتصادات هواتف "ريلاينس جيو" الجديدة
يوجد في الهند 1.19 مليار مستخدم للهواتف الجوالة، لا يملك 60 في المائة منهم هواتف ذكية، لذا يشترك نحو 850 مليون مستخدم للهواتف الجوالة، أي ثلثي مستخدمي الهواتف الجوالة في الهند، في "ريلاينس جيو"، "حتى مع التفكير بتحفظ من المتوقع أن يشتري ما يتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة من مستخدمي الهواتف الجوالة هاتف "ريلاينس جيو" في غضون ستة أشهر من تاريخ طرحه في الأسواق، وتساعدنا بعض الحسابات الرياضية البسيطة في فهم أن "ريلاينس جيو" سيجمع نحو 4 مليارات دولار، دون دفع ضرائب تتراوح بين 440 و560 مليون دولار حيث يندرج تحت صناعة الحكومة الهندية، والبرامج الرقمية الهندية المعفاة من الضرائب، إلى جانب ذلك، ثلاث سنوات مدة طويلة في مجال صناعة الهواتف الذكية، فخلال تلك الفترة قد ينتهي الحال إلى كسر أو فقدان الكثير من هواتف "جيو"، ومن شأن هذا حرمانهم من استرداد المبلغ المالي الذي دفعوه مقدمًا. وربما بعد مرور هذه المدة يغير الكثير من المستخدمين أجهزتهم، وقد لا يهتم عدد منهم باسترداد ما دفعوه من مال بعد مرور تلك المدة الطويلة، لذلك قد ينجح "ريلاينس جيو" في جمع الملايين ببيع كل تلك الهواتف لمستخدمين دون دفع أي ضرائب للحكومة الهندية".
ومع ذلك هناك بعض المتشككين؛ فقد كتب مصرف "بنك أوف أميركا ميريل لينش" في مذكرة للعملاء بتاريخ 21 يوليو/تموز : "لا نرى أن شبكة "جيو" قادرة على اختراق سوق الطبقة الكادحة بالإعلان عن اشتراك شهري قدره 153 روبية، ومبلغ يدفع مقدمًا قدره 1500 روبية حيث يظل هذا كثير بالنسبة إلى المستهلكين محدودي الدخل"، وتعتمد "ريلاينس" على جذب المزيد من العملاء لشبكتهم، والاستفادة من الاشتراكات الشهرية للمستخدمين، كذلك يتطلعون إلى نشر خدمات البث المباشر التي تم تدشينها أخيرًا، مثل "جيو تي في"، و"جيو سينما"، و"جيو ميوزيك".
وذكر ماهيش أوبال، خبير الاتصالات المقيم في نيودلهي لموقع "كوارتز": "إنه جهاز زهيد الثمن سيغير المشهد تمامًا"، ووفق بعض التقارير، من المتوقع أن تزداد حصة عائدات شركة "جيو" من السوق من 3 في المائة أو 4 في المائة إلى أكثر من 10 في المائة بحلول عام 2018 بفضل هاتف "جيو"، ومن المتوقع كذلك أن يجعل الجمع بين الهاتف المجاني، والحصول على خدمة إنترنت على الهاتف الجوال مقابل اشتراك منخفض إلى جانب الخصائص المتعلقة بالترفيه، "جيو" متفوقة على الشركات المنافسة.
ويقول هيمانت جوشي، خبير التكنولوجيا والوسائط والاتصالات لدى "ديلويت إنديا": "الشركة التي تستطيع إدارة اقتصادات الصوت والبيانات، وتجربة المستهلك في استخدام الهاتف، ستظل دائمًا على القمة"، كذلك أضاف أن بفرض استهداف "جيو" لتحقيق عائدات قدرها 10 مليارات دولار من رأسمال قدره 30 مليار دولار، مع دفع كل مشترك 4 دولارات شهرية، أو ما يقارب 50 دولار سنويًا، سيحتاج الوصول إلى هذا الهدف إلى جذب 200 مليون مستخدم.
الفرق الأكبر بين "جيو"، وشركات الاتصالات الأخرى هي شبكة الألياف الضوئية الخاصة بها، حيث تمتلك الشركة أطول شبكة ألياف ضوئية في البلاد يزيد طولها على 25 مليون كلم من الألياف، وأنفقت "ريلاينس" 22 مليار دولار في إنشاء شبكة الألياف الضوئية تلك، ويقول براديب بايجال، الرئيس السابق لهيئة تنظيم الاتصالات الهندية: "يعد هذا أكبر بمقدار المثلين من استثمارات "إيرتيل" و"أيديا سيليلير"، و"فودافون" مجتمعين في قطاع الجيل الرابع، وينبغي تذكر أن أكثر الاستثمارات الأخرى لم تكتمل حتى هذه اللحظة".
ويوضح بايجال أن "جيو" لديها استراتيجية تتمثل في غزو السوق من خلال تقديم تخفيضات جذابة مما يجعل الجميع يتجه إلى "جيو" من أجل استخدام الإنترنت مقابل مبلغ زهيد، سيمكّنها القيام بذلك من إطلاق قوة شبكة الألياف الضوئية الخاصة بها، التي توفر خدمة إنترنت سريع، مما يزيد قاعدة المشتركين بها، واسترداد استثماراتها.
ضربة للمنافسين
ويمكن أن يسدد هاتف "جيو فون" ضربة قوية للشركات العاملة في مجال الاتصالات التي تواجه بالفعل عاصفة بسبب قيمة الاشتراكات المنخفضة التي تقدمها "جيو". منذ ظهور "ريلاينس جيو"، يغير منافسوها استراتيجيتهم كثيرًا للدفاع عن حصتهم من السوق، تسبب شبكة "جيو" قدرًا كبيرًا من التوتر لتلك الشركات، حتى أنيلز شقيق موكيش، صاحب "ريلاينس كوميونيكيشن" لم ينج من هذا التوتر.
وتضطر المنافسة الشديدة اللاعبين إلى التوحد في كيانات أكبر، ويعد أكبر تغير يلوح في الأفق حاليًا هو دمج "فودافون" مع "أيديا سيليلير" لإنشاء أكبر شركة هواتف جوالة يبلغ عدد مشتركيها 400 مليون مستخدم ستسيطر على نحو 35 في المائة من السوق.
وتأتي شركة "إيرتيل"، التي تحتل الصدارة حاليًا في هذا المجال، في المركز الثاني بـ278 مليون مستخدم، وتبلغ حصتها من السوق 24 في المائة، تليها "جيو" بـ125 مليون مستخدم، و"بي إس إن إل" المملوكة للدولة بـ103 ملايين مستخدم، و"إيرسيل" بـ90 مليون مستخدم، و"ريلاينس كوميونيكيشينز" بـ82 مليون مستخدم، ويقول أحد الخبراء: "ستلجأ بعض الأطراف الفاعلة العاملة في هذا المجال إلى الإندماج".
وتتجه بعض الأطراف العاملة في المجال بدافع الإحباط مما يحدث نحو دفع الحكومة إلى تحديد أسعار ثابتة أساسية للخدمات الصوتية، وخدمة الرسائل القصيرة، وخدمات الإنترنت على الهاتف بحيث يتمكنون من تحقيق أرباح تكفي للاستثمار والمنافسة على أساس جودة الخدمات/ ومما لا شك فيه أن هذا الجهاز الجديد سيجذب الاهتمام الشعبي نظرًا لتأثيره وقدرته على إحداث تحول تام في عالم الاتصالات وصناعة الهواتف الذكية في الهند.