واشنطن - اليمن اليوم
تواجه الاقتصاد الأميركي بعض المشاكل، بحسب بعض المحلّلين، فإنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تمضي في طريقها نحو تحقيق ما تستهدفه بشكل رئيسي، من نمو قوي وخفض للبطالة ومشاريع استثمارية كبرى، وكّلها عوامل رئيسية تحرّك عجلة الاقتصاد الأميركي بقوة، خصوصًا مع الدعم المتزايد الذّي تولّيه الإدارة لجهة الصناعات المحلية وحماية الأسواق من المنافسة "غير العادلة"، بحسب ما يراه ترامب، إلّا أنّ القلق الرئيسي لصناع السياسة المالية يبقى محصورًا في مستوى التضخّم، وكان تحريك مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) لسعر الفائدة خلال اجتماعه منتصف الشهر الحالي، إلى أعلى معدّل لها منذ الأزمة المالية عام 2008 أحد أقوى المؤشرات على ثبات حركة الاقتصاد وتقلّص المخاطر التّي يراها مسؤولو السياسة المالية، كما أنّ إعلان رئيسة الفيدرالي جانيت يلين بأنّ الرئيس الأميركي لم يتحّدث معها عن وظيفتها، وأنّها تتوقع أن تستكمل ولايتها كاملة حتى شهر كانون الثاني\يناير 2018، يعد في حد ذاته "مؤشرًا جيدًا ومريحًا" للأوساط الاقتصادية، إذ أنّ الخلافات المعلنة بين الجانبين وتوجهاتهما المتعاكسة كانت أحد أبرز مكامن القلق، إلّا أنّ مراقبة التضخم تبقى أحد أكبر المؤثرات المباشرة على مستقبل وتوجهات الاقتصاد، وهو ما أكّدته يلين دون مواربة في مؤتمرها الصحافي قبل أسبوعين للإعلان عن رفع الفائدة، مصرّحةً بأنّ "مسألة رفع أهداف التضخم ينبغي أن تكون واحدًا من أكبر التحدّيات التّي تواجه صُنّاع السياسة النقدية في أي مكان في العالم".
وينتظر الجميع بيانات التضخم التّي تصدر تباعًا، الأسبوع الحالي، كما يترقّب الخبراء إصدار الرقم النهائي لنفقات الاستهلاك الشخصي للربع الأول من العام، وهو مقياس التضخّم المفضل لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وسيتمّ مراقبته عن كثب نظرًا لأرقام التضخّم الضعيفة الأخيرة من الولايات المتحدة، وقد تزيد، نتيجته المخيبة للآمال، من خشية المشاركين في السوق من إمكانية تباطؤ وتيرة رفع الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، الذّي قام برفع الفائدة مرتين بالفعل خلال اجتماعي آذار\مارس وحزيران\يونيو، حيث كان من المتوقّع بشكل كبير أن يكون هناك مرة ثالثة للرفع، على الأقل، خلال العام الحالي، إلّا أنّه وخلال الساعات الماضية، صرّح عدد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي بتفضيلهم عدم اتخاذ قرار برفع معدل الفائدة، إلّا بتعافي معدّل التضخم.
وأعلن عضو مجلس الاحتياطي تشارلز إيفانز، في تصريح إعلامي، بأنّ دعمه لرفع معدّل الفائدة مرة أخرى خلال العام الحالي ليس "أمرًا مؤكدًا"، موضحًا أنّ دعمه السابق لرفع معدل الفائدة مرتين منذ بداية العام الحالي جاء بدعم الأساسات الاقتصادية الجيدة، معتبرًا أنّها "مؤشرات رائعة"، وفي ظلّ هذه التكهنات والحسابات، تظهر تقارير وبيانات بأنّ منحنى الاقتصاد الأميركي يرتفع بشكل جيد منذ بداية العام، مع توقعات بمزيد من التحسن.
وأصدر معهد كونفرانس بورد المستقل للدراسات الاقتصادية في نيويورك تقريرًا، يوم أمس، أظهر تحسن آفاق الاقتصاد الأميركي خلال شهر أيّار\مايو الماضي، وفقًا لتقديرات المحلّلين الاقتصاديين، بما يعكس انتشار التحسّن في قطاعات الاقتصاد الأميركي، وذكر المعهد أنّ مؤشره الاقتصادي الرئيسي ارتفع خلال الشهر الماضي بنسبة 0.3 في المائة، بعد ارتفاع بنسبة 0.2 في المائة خلال نيسان\أبريل الماضي وفقًا للبيانات المعدلة، وأشار مدير دوائر الأعمال وأبحاث النمو في المعهد أتامان أوزيلدريم، إلى أنّ الاتجاه الصعودي أخيرًا للمؤشر الرئيسي للاقتصاد الأميركي يمكن أن يستمر وربما بوتيرة أعلى قليلاً، حيث يمكن أن يكون معدل نمو الاقتصاد الأميركي في حدود 2 في المائة خلال الفترة المتبقية من العام، مضيفًا لوكالة الأنباء الألمانية بأنّ "التحسّن منتشر بين أغلب المؤشرات الفرعية، باستثناء مؤشر تراخيص البناء الذّي تراجع مجددًا، كما أنّ مؤشر متوسط العمل الأسبوعي في مجال التصنيع لم يظهر أيّ إشارة للتحسّن"، وتعكس الزيادة المستمرة للمؤشر الاقتصادي الرئيسي المساهمات الإيجابية لـ8 مؤشرات فرعية، من بين 10 مؤشرات تشكل المؤشر الرئيسي، حيث كانت مؤشرات تمدّد أسعار الفائدة والطلبيات الجديدة ومتوسّط توقّعات المستهلكين بالنسبة إلى حالة قطاع الأعمال ومؤشر الائتمان الرئيسي ومؤشّر أسعار الأسهم من بين أكبر العوامل المساهمة في تحسّن المؤشر الرئيسي، بحسب "كونفرانس بورد"، كما ذكر تقرير المعهد أنّ مؤشر التزامن الاقتصادي، الذّي يقيس الحالة الراهنة للنشاط الاقتصادي في منطقة محددة، ارتفع بنسبة 0.1 في المائة خلال شهر أيار\مايو الماضي، في أعقاب ارتفاع بنسبة 0.3 في المائة في الشهر السابق، في حين ارتفع "مؤشر التأخر الاقتصادي" الذي يرصد الأوضاع المالية بعد حدوث تحوّلات اقتصادية كبيرة بنسبة 0.1 في المائة خلال الشهر نفسه، بعد ارتفاع بنسبة 0.3 في المائة خلال الشهر السابق.
وأكّد الاحتياطي الفيدرالي يوم أمس، في ختام المرحلة الأولى من اختبارات المقاومة السنوية التّي شملت 34 مصرفًا كبيرًا، أنّ كبرى المصارف الأميركية تحظى برسملة جيدة، وأنّها قادرة على الصمود في وجه أزمة مالية حتّى وإن منيت بخسائر كبيرة، حيث قال حاكم المركزي جيروم باول "حتى في حال حدوث انكماش شديد، ستحتفظ مصارفنا الكبرى برأسمالها"، ويفترض أن تختتم المرحلة الثانية من الاختبارات في 28 حزيران\يونيو، وستكشف إن كانت بعض المصارف ستفشل في الاحتفاظ برأسمالها في حال الأزمة، هذه الاختبارات هي السابعة في إطار تطبيق قانون دود-فرانك، بعد عاصفة 2008 المالية، وهدفها ضمان رسملة كبرى المصارف التّي تواجه مخاطر في حال الأزمة، وقد خضع هذه السنة 34 مصرفًا تتجاوز موجوداتها 50 مليار دولار لسيناريو أزمة خطيرة، مع سيناريو معدل بطالة يصل إلى 10 في المائة بدلًا من 4.3 في المائة حاليا، ومع انخفاض أسعار العقارات التجارية بنسبة 35 في المائة.
يُذكر أنّ أزمة 2008 كانت قد حدثت نتيجة انهيار القطاع العقاري خصوصًا القروض العقارية عالية المخاطر، وفي سيناريو الأزمة الذّي اختاره الاحتياطي الفيدرالي، انخفض المستوى التراكمي للصناديق عالية النوعية من 12.5 في المائة إلى 9.2 في المائة، ليبقى فوق الحد الأدنى المطلوب وهو 4.5 في المائة، وهذا المستوى أعلى ممّا كان عليه قبل أزمة 2008، وأشار باول إلى أنّ مستوى الأموال الصافية للبنوك سيتيح مواصلة الإقراض و"دعم الأسر والشركات في الأوقات العصيبة"، ويعرّض سيناريو الأزمة الخطيرة كبرى البنوك لخسائر كبيرة تقدر بنحو 493 مليار دولار، بينها 383 مليار على القروض وحدها، لكن هذا المستوى أقل ممّا كان عليه في 2016، ونشرت نتائج الاختبارات في حين تخوض إدارة الرئيس دونالد ترمب حملة لتخفيف الضوابط في الصفقات المالية ويمكن أن تشكّل حججًا للمصارف التي تطالب بتليين اللوائح والأنظمة، وأكّد ترمب أنّ المصارف لم يعد بإمكانها الإقراض لأنّها ترزح تحت عبء الكثير من الضوابط والأنظمة، ورفض مسؤولون من البنك المركزي هذه الحجج مؤكّدين أنّ البنوك تواصل الإقراض على نطاق واسع وأن القطاع بخير ويستفيد من النمو الاقتصادي.