السلع المستهدفة بالرسوم الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين

بينما تجري مباحثات منخفضة المستوى بين أكبر اقتصادين في العالم من أجل حلحلة الأزمة العالقة بينهما، التي أسفرت عن جولات متتالية من الرسوم التجارية، تبادلت واشنطن وبكين فَرْض رسوم جمركية على رزمة كبرى من المنتجات، بدءاً بالدراجات النارية هارلي ديفيدسون وويسكي البوربون الأميركي، وصولاً إلى قطع غيار وآلات صينية.

واعتباراً من أمس (الخميس)، فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة على سلع صينية إضافية بقيمة 16 مليار دولار، ليتجاوز بذلك عددها ألف سلعة، تمثل نحو 50 مليار دولار من التجارة سنوياً.

وردَّت الصين بفرض رسوم مماثلة على مئات السلع الأميركية، ليرتفع إجمالي قيمة السلع المتبادلة والمستهدفة بالرسوم من الطرفين إلى 100 مليار دولار، أي سُبع التجارة الأميركية - الصينية الإجمالية السنوية.

ويعتقد الاقتصاديون أن فرض رسوم على واردات بمائة مليار دولار يقلص التجارة العالمية نحو 0.5 في المائة. ويقدر الخبراء أن للرسوم تأثيراً مباشراً على نمو الاقتصاد الصيني في 2018 بما بين 0.1 و0.3 نقطة مئوية، وأن لها تأثيراً بنسبة أقل على الولايات المتحدة، لكن التأثير سيكون أكبر العام المقبل، فضلاً عن الإضرار بدول أخرى وشركات ترتبط بسلسلة التوريدات العالمية للصين.

وضعفت الأسواق العالمية في ظل احتدام النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، الذي قد يكبح النمو الاقتصادي.

وقالت وكالة «موديز» للتصنيفات الائتمانية: «من المتوقع لهذه الإجراءات مجتمعة أن تحذف ما يصل إلى ما بين 0.3 إلى 0.5 نقطة مئوية من نمو الناتج الإجمالي الحقيقي للصين في 2019...
 وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن القيود التجارية ستمحو نحو ربع نقطة مئوية من نمو الناتج الإجمالي الحقيقي ليصبح 2.3 في المائة في 2019».

وتقول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن تدابيرها المتشددة تستهدف الضغط على بكين لتغيير سياساتها التي تسمح بسرقة تكنولوجيا أميركية، وتُضِرّ بالمنتجين الأميركيين.

وتستهدف الرسوم سلعاً صينية، على غرار قطع تدخل في تصنيع طائرات وأقراص صلبة للكومبيوتر، تقول واشنطن إنها استفادت من ممارسات تجارية غير عادلة. واتهمت الصين من جانبها الولايات المتحدة ببدء «أكبر حرب تجارية في التاريخ الاقتصادي».

- السلع الأكثر تضرراً
ومن بين السلع الأكثر تضرراً بالرسوم أجهزة الكومبيوتر والإلكترونيات والآليات، وتشمل 1.1 مليار دولار من وحدات معالجة البيانات إحدى مكونات الكومبيوتر، وسلعا بالقيمة نفسها من الآلات الكهربائية.

وثاني أكبر الضحايا هي سلع بقيمة 700 مليون دولار من الدوائر الكهربائية المتكاملة، و500 مليون دولار من الخلايا الشمسية، و400 مليون دولار من أقراص وشرائح الذاكرة للكومبيوتر.

وعلى لائحة أهداف الحرب الأميركية ماكينات حلب الأبقار، ومسجلات بيانات الطيران وأنابيب الأشعة السينية، والجرافات والمصابيح القوسية، إضافة إلى الدراجات النارية.

وفيما تبلغ قيمة أكبر خمس سلع صينية مستهدفة 9 مليارات دولار، هناك عشرات السلع التي لم يتم تصديرها، أو جرى ذلك بكميات قليلة جداً، في السنتين الماضيتين.

ومن السلع التي تطالها الرسوم لكن من غير المرجح أن تؤثر عليها فعلياً، الطائرات والمروحيات وأنابيب المايكروويف وقطع مفاعلات نووية ومناظير التلسكوب والقاطرات والإطارات المجددة.

ومن المفارقة أن السلع التي استهدفتها الولايات المتحدة تدخل في معظمها في صناعة منتجات أخرى، وتصنعها في الصين شركات متعددة الجنسيات، وتستوردها شركات مقرها الولايات المتحدة، فيما تتجنب التدابير شركات صينية، بحسب محللين.

وقال معهد بيترسون للاقتصاد الدولي إن نصف الرسوم الأميركية المفروضة على الصين تقريباً حتى الآن تستهدف سلعاً تدخل في صناعة منتجات أخرى ومعدات رئيسية ضرورية للصناعة الأميركية.

وردت الصين حتى الآن بالمثل، ففرضت رسوماً على منتجات زراعية أميركية وسيارات في يوليو (تموز) الماضي، ورسوماً جديدة، أمس (الخميس)، على أكثر من 300 من السلع الأميركية.

والإجراءات الصينية الأخيرة تستهدف 333 من السلع الأميركية المستوردة من السيارات الكهربائية الهجينة والسيارات الرباعية الدفع والفحم وشاحنات نقل مواد البناء والإسفلت وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي والدراجات النارية وسواها.

وسيكون على هارلي - ديفيدسون رفع السعر الصيني لدراجتها النارية الشهيرة بـ20 في المائة على الأقل، بحسب مسؤول في أحد المتاجر في بكين. ويضاف ذلك إلى لحم البقر الأميركي ولحم الخنزير وعدة أصناف من الأسماك وعشرات الفاكهة والمكسرات التي فُرِضت عليها رسوم في يوليو.

والأكثر إيلاماً هي على الأرجح الرسوم على فول الصويا الأميركي الذي يمثل شريحة كبيرة من صادرات المزارعين الأميركيين، إذ بلغت تلك الصادرات إلى الصين العام الماضي 14 مليار دولار.

والسلع الجديدة الخاضعة للرسوم البالغة قيمتها 50 مليار دولار، هي جولة أولى فقط. فمكتب الممثل التجاري الأميركي ينظر في فرض 25 في المائة من الرسوم على سلع إضافية بقيمة 200 مليار دولار.

وفيما تعهدت الصين مزيداً من الرد، هدد ترمب باستهداف جميع السلع التي تستوردها الولايات المتحدة من العملاق الآسيوي، البالغة قيمتها 500 مليار دولار.

- المحادثات مستمرة
ويتزامن هذا التصعيد الجديد مع اليوم الثاني من محادثات تجري في واشنطن بين مفاوضين صينيين وأميركيين، سعياً لوضع حد للحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأوليين في العالم.

والتقى نائب وزير التجارة الصيني وانغ شوين ونائب وزير المالية الصيني لياو مين الأربعاء في واشنطن مساعد وزير الخزانة الأميركي المكلف الشؤون الدولية ديفيد مالباس ومساعدين لممثل التجارة.

وإن كان الصينيون أبدوا تفاؤلاً قبل اللقاء، فإن الرئيس الأميركي كان أكثر حذراً إذ أكد أنه «لا يتوقع الكثير» من المحادثات. وهي أول محادثات ثنائية تجري على مستوى أدنى من «المستوى الوزاري» منذ يونيو (حزيران) الماضي، حين توجه وزير التجارة الأميركي ويلبور روس إلى بكين من غير أن ينجح في خفض التوتر.

وفي مطلع يوليو، فرضت واشنطن رسوماً جمركية على منتجات صينية بقيمة 34 مليار دولار منها الألواح الشمسية والفولاذ والألمنيوم، ردت عليها الصين بفرض رسوم جمركية على منتجات أميركية بقيمة مساوية وفي طليعتها لحوم الخنزير والصويا.

- انقسام أميركي
ومسؤولو إدارة ترمب منقسمون بشأن مدى الضغط على بكين، لكن يبدو أن البيت الأبيض يعتقد أنه يربح الحرب التجارية في الوقت الذي يتباطأ فيه اقتصاد الصين وتنخفض أسواق الأسهم

وقال وزير التجارة الأميركي ويلبور روس على تلفزيون «سي إن بي سي» مساء الأربعاء: «لن يستسلموا بسهولة. من الطبيعي أن يردوا بعض الشيء». وأضاف: «لكن في نهاية المطاف، لدينا ذخيرة أكثر بكثير مما لديهم. يعرفون هذا؛ لدينا اقتصاد أقوى بكثير مما لديهم»، مضيفاً أنه لن يكون بمقدور الصين أن تواصل الرد بالوتيرة ذاتها كالولايات المتحدة.

وهدد ترمب باستهداف مجمل البضائع التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين، البالغ مجموع قيمتها 500 مليار دولار. والواقع أن استراتيجية «العين بالعين» تبقى محدودة من جانب الصين، إذ إن البضائع التي تستوردها من الولايات المتحدة أقل بأربع مرات من تلك التي تصدرها إليها.

وفيما تدرس واشنطن فرض سلسلة جديدة من الرسوم الجمركية على 200 مليار دولار من الواردات الصينية في سبتمبر (أيلول) المقبل، أعلنت بكين أنها في هذه الحالة لن تستهدف برسوم جمركية سوى نحو 60 مليار دولار من البضائع الأميركية. لكن بإمكان النظام الشيوعي في المقابل تشديد الضغوط التنظيمية والضريبية على الشركات الأميركية العاملة في الصين، وفي طليعتها «بوينغ» و«آبل» ومجموعات لصنع السيارات.

وتسجل الولايات المتحدة عجزاً تجارياً سنوياً بقيمة 335 مليار دولار تجاه الصين. وبما أن ميزان الخدمات فائض لصالح واشنطن، فإن ميزان السلع والبضائع وحدها أكبر حجما إذ يبلغ 375 مليار دولار بحسب أرقام أميركية.

- بكين تشكو لمنظمة التجارة
وفي هذه الأثناء، تقوم واشنطن قبل موجة الرسوم الجمركية المحتملة المرتقبة في سبتمبر، باستطلاع الشركات الأميركية التي لها فروع إنتاج في الصين والتي تبدي مخاوف من تراجع مبيعاتها.

غير أن ويلبور روس يؤكد أن الصين أساءت تقدير «الحس الوطني لدى الأميركيين» بمن فيهم أولئك الذين طالهم رد بكين.

ورغم ردها الفوري على الرسوم الأميركية، قالت وزارة الخارجية الصينية أمس إن بكين تأمل في التوصل إلى نتيجة جيدة في المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة، وإنها تتطلع إلى أن تتمكن الولايات المتحدة من مقابلة الصين في منتصف الطريق.

وبالتزامن، أعلنت وزارة التجارة الصينية أنها ستتقدم بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد التعريفات الجمركية الأميركية الجديدة، وذلك ضمن ما يسمى بتحقيقات المادة «301».

وقال المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية قاو فنغ في تصريح أمس (الخميس): «إنه من خلال التقدم بالشكوى ضمن آلية تسوية النزاعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية، فإن الصين تعمل على حماية آليات التجارة الحرة والمتعددة إلى جانب الحقوق والمصالح المشروعة».

وأضاف قاو أن «الفرض المتعمد للتعريفات اليوم (أمس) يوضح انتهاك الولايات المتحدة الأميركية لقواعد وقوانين منظمة التجارة العالمية»، مؤكدا معارضة بلاده بشدة فرض تلك التعريفات ما يوجب عليها بالضرورة ولمرة أخرى اتخاذ تدابير مضادة.