نيودلهي ـ اليمن اليوم
تعدّ اليوغا جزءًا من ثقافة وروح الهند لأكثر من 5 آلاف عام، لكن أصبح الاهتمام بتأثير اليوغا على التناغم بين الذهن والجسم، وتغذية الروح، ظاهرة عالمية. ومع اعتراف الأمم المتحدة باليوغا بوصفها تراثا ثقافيا غير ملموس في الهند، يزداد اهتمام المسافرين بزيارة مهد هذه الرياضة الروحية. وكذلك ازداد عدد الأماكن التي يمكن قضاء عطلات اليوغا بها في جميع أنحاء البلاد.
ولحسن حظ الراغبين في هذا الأمر، هناك كثير من مدارس اليوغا، التي يديرها معلمون كبار لا يزالون يدرسون تعاليم اليوغا التي أثبتت نجاحها، والمتهمة بالتقاليد والفلسفة القديمة. اليوغا بالنسبة إلى هؤلاء المعلمين ليست مستحدثة، بل هي ثمار سنوات من الممارسة المكثفة. نشر معلمون أسطوريون مثل الراحل كيه باتابهي، وبي كيه إس إينغار، اليوغا على مستوى العالم. في حين أسس جويس معهد أبحاث أشتانغا يوغا في ميسورو ونشر هذا الشكل من اليوغا، تعلم إينغار اليوغا في ميسورو، ومارسها ودرسها في بونه. قدم هؤلاء الأساتذة العمالقة الدافع والحافز لعدد من الطلبة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا لتعلم اليوغا.
وصنفت إحدى الصحف، أفضل أماكن لقضاء عطلات اليوغا الخالصة من بين العروض المتاحة. ولمحبي هذه الرياضة، وإليكم بعض الخيارات التي يمكنكم الاختيار من بينها.
- غوا
باتت هذه الولاية الهندية، التي تعد الصغرى بين الولايات الأخرى، من أهم مقاصد اليوغا في البلاد. تقدم شواطئُ رملية، وساحل مذهل، وأمواج حالمة، خلفيةً رائعة لممارسة تمرينات اليوغا وحركاتها. ونرشح لكم مدرسة "بيربل فالي"، التي تعد من أبرز مراكز الـ"أشتانغا يوغا" في آسيا. يقدم هذا المكان الفرصة للعزلة وممارسة اليوغا في جنة محاطة بجوز الهند بوادي أساغوا الهادئ في شمال ولاية غوا.
ونوع اليوغا الذي تتم ممارسته هنا الـ"أشتانغا". إذا كان عالم اليوغا جديدا بالنسبة إليك، فالـ"أشتانغا يوغا" شكل تقليدي من أشكال اليوغا، التي تعد وسيلة للرقي الروحاني، ولا يتم القيام بالحركات فقط من أجل تحقيق الفائدة المادية. إنها تعد الخطوة الأولى باتجاه التحقق الروحاني الأسمى. ويعد هذا الشكل من اليوغا هو الأكثر شيوعاً في العالم، حيث يمارس جميع المشاهير تقريباً الـ"أشتانغا"، مثل مادونا، وستينغ، والممثلة الأميركية غوينيث بالترو.
وتكون تمشية الصباح إلى هذا المركز بين حدائق النباتات الاستوائية، بينما تشرق الشمس على أشجار النخيل، وتغرد الطيور، وتسمع صوت حشرة السيكادا أو الزيز. ويعد المركز نفسه مكاناً مذهلاً تشع منه طاقة السلام مما يجعله بيئة مثالية لممارسة اليوغا، واستكشافها بعمق. ويقدم "بيربل فالي" دورات تتراوح مدتها بين أسبوع وأسبوعين، وتتكون جميعها من 6 صفوف صباحية، و4 صفوف مسائية أسبوعياً، ويختلف محتواها باختلاف المعلمين.
ويشتهر المركز بوجود معلمي يوغا بارزين ماهرين، منهم داني برادايس، أستاذ النجوم مثل ستينغ ومادونا.
- بيهار
قام المعلم سوامي ساتياناندا ساراسواتي، الحكيم الشهير صاحب الرؤية العصرية لليوغا، بتأسيس "مونغر غانغا دارشان" عام 1964. تم تطوير طرق اليوغا في هذا المكان بحيث تجمع بين كثير من الطرق وتنمية الذات. يقوم مركز "بيهار يوغا بهارتي" اليوم بتعليم هذه الطرق من خلال برامج مختلفة، وهو مفتوح للأجانب. لا تزال الشعلة الأبدية، التي أوقدها سواميجي قبل 53 عاماً، تنير المكان. لا تقتصر اليوغا في هذا المركز على الممارسة، بل تعد نمط حياة يقدم تجربة لتحقيق التكامل بين الأجزاء المكونة لشخصية الإنسان وطبيعته.
لا ينصح الزوار غير المنتظمين المهتمين بالسياحة فحسب، وليس لديهم أي اهتمامات روحانية، بالذهاب إلى هذا المركز، حيث يجب على الزوار أن يظلوا في المركز طوال فترة الزيارة ولا يتم السماح لهم بالحصول على أي خدمات من الخارج بما في ذلك البريد الإلكتروني، أو الخدمات المصرفية، أو التسوق.
- مومباي
تقع مدينة مومباي، العاصمة التجارية للهند، في ولاية مهاراشترا الغربية، وهي مدينة أخرى تشتهر بمدارس ومراكز اليوغا، ومن بينها معهد اليوغا الذي يتميز بأنه واحد من أقدم المراكز المنظمة لتعليم اليوغا على مستوى العالم. ويقدم المعهد دورات تدريبية متعددة في اليوغا، وكذلك يوفر دورات تدريبية مخصصة لتدريب المعلمين تتراوح مدتها بين شهر و7 أشهر، وأكثرها معترف بها من جانب اتحاد اليوغا على مستوى العالم. ويمتد هذا المركز الذي يعد من أقدم مراكز اليوغا في العالم على مساحة 180 فدانا، ويحتوي على حدائق غنّاء، وألواح شمسية، ومحركات تعمل بطاقة الرياح، وتتم زراعة الغذاء هنا، ويمكن للمرء السير في هذه الجنة وكأنها بلا نهاية. ويقع المعهد بالقرب من المطار، وقد أسسه يوغندرا عام 1918 ويقدم صفوفا في اليوغا، والعلاج بالطرق الطبيعية، وطب الآيورفيدا. كذلك هناك بعض البرنامج التي يتم وضعها خصيصاً للزوار من المرضى بعد استشارة أطباء الآيورفيدا.
ذهبت ريجوتا غاوتام، وهي خبّازة تبلغ من العمر 29 عاماً من دلهي، إلى المركز للعلاج من الملاريا؛ وظلت هناك لمدة أسبوع وعادت وهي تشعر بأن صحتها أفضل مما كانت عليه طوال أشهر من العلاج. كانت ريجوتا تستيقظ في السادسة صباحاً استعداداً ليوم مليء بأنشطة اليوغا، والعلاج بالطرق الطبيعية، مع قضاء بعض أوقات الفراغ. تقول: "من المخيف أن تفكر في أن هذا الشكل من الحياة سهل، ومع ذلك تظلم جسدك وتسيء إليه بهذه الطريقة". توفر الإقامة في المكان فرصة للاستمتاع بأجواء هادئة تبعث على الاسترخاء، ويتم تقديم أطعمة نباتية للنزلاء.
- بونه
بونه مدينة كبرى أخرى في ولاية مهاراشترا الغربية التي يوجد بها مركزان من أشهر مراكز اليوغا الشهيرة في العالم، وهما "أوشو ميديتيشن ريتريت" للتأمل، ومعهد "رماماني إينغار ميموريال" لليوغا. تمت إقامة الأول على يد المعلم الروحاني الشهير أوشو، وكثيراً ما يجذب هذا المنتجع الآلاف من السياح الأجانب والسكان المحليين المهتمين باليوغا. ويقدم هذا المركز عدداً من الدورات التدريبية، والبرامج، والجلسات المخصصة لأفراد، وصفوفا دراسية عن جوانب كثيرة تتعلق بالصحة، وأشكالا متنوعة من التأمل تناسب كل فرد، ويشمل ذلك طرقا سلبية وإيجابية وتقليدية وثورية؛ أبرزها ممارسات تأمل أوشو النشطة.
مع ذلك تضم المدينة أيضاً معهد "رماماني إينغار ميموريال" لليوغا، الذي أنشأه إينغار، معلم اليوغا الذي يحظى بشهرة عالمية. ويتم تدريس تعاليم مدرسة إينغار في اليوغا، والتي تركز على الجمع بين الجسم وحركاته، وبين استخدام الأدوات، من أجل القيام بالحركات بشكل مثالي. ويقدم المعهد دورات تدريبية قصيرة تمتد لأسبوع، وطويلة تمتد لفترة أطول من ذلك. وللتصميم الفريد لمبنى المعهد مغزى، فالطوابق الثلاثة التي يتكون منها تمثل الجسد والعقل والروح. ويبلغ ارتفاع المبنى 71 قدما، وبه 8 أعمدة تمثل الأعمدة الثمانية للـ"أشتانغا يوغا".
- ميسورو
يجذب معهد "باتابهي جويس" في ميسورو، مدينة القصور والنافورات بالقرب من مدينة التكنولوجيا بنغالورو، كثيرا من الأجانب المهتمين حقاً باليوغا. وقد قام بتأسيس هذا المعهد المعلم باتابهي جويس، الذي كان معاصرا لإينغار. ونشر جويس الـ"أشتانغا فينياسا يوغا"، وهي تتسم بإيقاع سريع يتم تنظيمه مع التنفس والحركة طوال مدة ممارسة الحركات. وتتراوح مدة الدورات التدريبية بين شهر و6 أشهر. رحل جويس عن عالمنا، لكن تتولى ابنته ساراسواتي وحفيده شاراثا، مهندس الإلكترونيات، إدارة المعهد. وكانت مادونا، نجمة البوب الشهيرة، وستينغ، مغني الروك الأسطوري، والممثلة الأميركية غوينيث بالترو، من بين تلاميذ جويس.
لشارميلا، حفيدة جويس، إسهامات واضحة في مجال تعليم اليوغا، وتقوم على تجربتها المباشرة التي تتمحور حول مساعدة النساء الحوامل في ممارسة الـ"أشتانغا يوغا" لدعمهن على أفضل نحو ممكن طوال مراحل الحمل. وقد صرحت لمراسلة صحيفة "الشرق الأوسط" وكاتبة هذه السطور بأنها كانت تمارس الـ"أشتانغا يوغا" بتوجيهات من جدها، وتمكنت من ولادة ابنتها دون مساعدة الطبيب.
- بودوتشيري
يوجد في هذه الولاية، التي تقع في جنوب الهند على الساحل، والتي كانت في السابق مستعمرة فرنسية، مركز يوغا يعد الأكثر تقليدية على القائمة، حيث يدرس الطريقة الكلاسيكية التي تقوم على الأعمدة الثمانية لليوغا. يشتهر المركز بتقديمه دورة تدريبية للمعلمين مدتها 6 أشهر، وتتطلب إتمام دورة تدريبية مدتها سنة حتى تكون مؤهلا للمشاركة، ولا يتم قبول سوى 10 طلبة فقط في العام، لذا ليس هذا المركز مقصد ممارسي اليوغا من الهواة، بل المحترفين الذين يتمتعون بالجرأة والذين سيحظون بفرصة تعلم كثير عن اليوغا. مما لا شك فيه أن تلك البرامج هي الأكثر شمولا بين جميع البرامج الأخرى. تتطلب المشاركة في جميع الدورات التدريبية الإقامة، والالتزام بنظام غذائي نباتي، وعدم تناول أي مشروبات كحولية أو مخدرات، ويكون الاتصال بالعالم الخارجي محدوداً طوال فترة الدورة.
- أوتاراخند
تعد ولاية أوتاراخند، التي تقع في قلب سلسلة جبال الهيمالايا، حيث الرياح الباردة النظيفة، من بين أهم الأماكن التي يمكن لمحبي اليوغا زيارتها، نظراً للصلة الوطيدة التي تربطها باليوغا منذ الأزمنة الغابرة. وقد أصبحت تلك الولاية مؤخراً تشتهر بأنها "بلد اليوغا" نظراً لانتشار عدد كبير من مراكز اليوغا، والمراكز والمنتجعات الصحية الفاخرة المتقدمة، بها. لطالما كانت الولاية الخيار الأول للسائحين الأجانب الباحثين عن تجارب اليوغا في الهند؛ فعلى سبيل المثال زارت فرقة البيتلز الإنجليزية الأسطورية الولاية من أجل تعلم اليوغا وممارسة التأمل.
ويعد مركز "فانا" من بين مراكز اليوغا المعاصرة في البلاد، وهو يقع في ديريدون، عاصمة الولاية، ويقدم كثيرا من الخدمات التي تتعلق بجميع جوانب الصحة؛ بما فيها الجانب المادي، والعقلي، والعاطفي والروحاني. وتم اعتبار مركز "فانا" للصحة القوي الساحر، والذي يقع في قلب غابة، منذ افتتاحه عام 2014، المنتجع الأكثر تغييراً لشكل الحياة على قائمة "كوندي ناست" لمنتجعات المسافرين. لا يتبع المركز تعاليم أي مدرسة يوغا بعينها، بل يتعامل مع فكرة اليوغا في شكلها المجرد وجوهرها الأصيل. وتعد تجربة الطعام المغذي محورية وحيوية في مركز "فانا"، ويتم تقديم الوجبات التي تناسب كل زائر.
على الجانب الآخر، أكثر الأشخاص الذين يزورون مركز "ريشكيش يوف بيث" ويقيمون به جادون في اهتمامهم باليوغا. ويقول ديراج شارما، وهو من أفراد الفريق العامل في المركز: "لا نقدم دورات تدريبية قصيرة، حيث لا يمكنك المجيء والمشاركة في الصفوف دون ترتيب". مع ذلك، هناك برامج قصيرة مدتها أسبوع أو أسبوعان للمهتمين بتخليص الجسم من السموم، وفقدان الوزن، وتغيير نمط الحياة؛ أما البرامج الطويلة فمخصصة لتدريب المعلمين.
وتقول ميتا كاكار، معلمة ومدربة يوغا، إن الهند مركز بعض ممارسات الطب البديل المتميزة الفريدة، مثل اليوغا، والآيورفيدا، والطب التجانسي، والعلاج بالطرق الطبيعية وغيرها. وتضيف قائلة "تشجع تلك الممارسات الطبية الأجانب على زيارة الهند. وتحظى اليوغا باهتمام كبير هذه الأيام. مما يميز الهند هو وجود عاملين يتحدثون الإنجليزية في مراكز اليوغا. تحدث اللغة الإنجليزية من المزايا التي تجذب كثيرا من السائحين من متحدثي هذه اللغة من مختلف البلدان، في حين تفتقر بلاد مثل تايلاند والصين إلى هذه الميزة". وتوضح قائلة إن مشاركة القطاع الخاص في تقديم عروض شاملة لليوغا يجعل من السهل على السائحين زيارة الهند من أجل ممارسة اليوغا. يذكر أن كاكار قد قامت بتدريب أكثر من ألف تلميذ من مختلف أنحاء العالم في أقل من عامين.