الخرطوم ـ جمال إمام
تعهد رئيس «المجلس العسكري الانتقالي» السوداني الجديد، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بـ«اجتثاث» نظام الرئيس المخلوع عمر البشير ورموزه، وتشكيل «حكومة مدنية» متفق عليها مع المعارضة، وأعلن فترة انتقالية لمدة عامين حدا أقصى. من جهته، بينما تمسك تحالف «قوى الإجماع الوطني» المعارض، بمواصلة الاعتصام لحين انتقال السلطة لحكومة مدنية، قبل مبدأ التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي الذي يقوده الفريق أول البرهان.
وألغى البرهان حظر التجول الليلي، الذي فرضه سلفه عوض بن عوف. وعين قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان «حميدتي» نائباً له، وقبل استقالة مدير جهاز الأمن صلاح «قوش»، وذلك في أول أيام توليه لمهام منصبه.
وأكد البرهان الذي كان يتولى منصب مفتش عام القوات المسلحة، أنه سيعمل على توفير الخدمات ومحاكمة كل من يثبت تورطه في مقتل المتظاهرين، ووعد بتفكيك الواجهات الحكومية وغير الحكومية والحزبية للنظام البائد، وتعهد بـ«اجتثاث نظام الرئيس البشير». وأضاف: «آمر بإطلاق سراح جميع من تمت محاكمتهم بموجب قانون الطوارئ أو أي قانون آخر بسبب المشاركة في المظاهرات، كل من يثبت تورطه في قتل المتظاهرين ستتم محاكمته».
أقرأ أيضًا:
المجلس العسكري الانتقالي في السودان يرفض اتهامه بأنه من صنيعة حزب المؤتمر الوطني
وتعهد البرهان بتسيير المرحلة الانتقالية التي أعقبت عزل الرئيس السابق عمر البشير، من خلال العمل على إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، ومحاربة الفساد واجتثاث النظام السابق ورموزه من جذوره. وعين البرهان قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي» نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان، بعد أن كان قد رفض المشاركة في المجلس الانتقالي الذي عينه رئيس المجلس السابق عوض بن عوف.
وأكد حميدتي استمرار قواته في العمل على حفظ وحدة السودان واحترام حقوق الإنسان، وانحيازها لمطالب الشعب بنقل السلطة لحكومة انتقالية مدنية، وأن تظل «جزءا من القوات المسلحة»، معلنا رفضه لأي حلول لا ترضي الشعب السوداني.
وأدى الفريق أول عبد الفتاح البرهان أمس اليمين الدستورية، رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي الذي «خلع» الرئيس البشير، وترأسه لأقل من يوم النائب الأول للبشير ووزير دفاعه عوض بن عوف، الذي واجه رفضاً شعبياً واسعاً أجبره على التنحي، وإقالة نائبه رئيس هيئة الأركان السابق كمال عبد المعروف.
كما قبل البرهان الاستقالة التي تقدم بها رئيس جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبد الله الشهير بـ«قوش» أمس، وذلك في أعقاب استقالة ابن عوف وعبد المعروف.
وشغل قوش منصب مدير جهاز الأمن والمخابرات لفترتين، تخللتهما فترة شغل فيها منصب «رئيس مجلس الأمن القومي»، ثم مستشارا أمنيا للبشير، قبل أن يوضع في السجن 2012 بتهمة مشاركته في تدبير انقلاب عسكري ضد حكم الرئيس البشير، وأفرج عنه بعفو رئاسي، قبل أن يعاد تعيينه مديرا لجهاز الأمن في المرة الثانية.
من جهته، تمسك تحالف «قوى الإجماع الوطني» المعارض، بمواصلة الاعتصام لحين انتقال السلطة لحكومة مدنية، بيد أنه قبل مبدأ التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي الذي يقوده الفريق أول البرهان.
وقال التحالف في مؤتمر صحافي أمس، إن على الجيش ضمان انتقال السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية يكونها مجلسه القيادي، وفترة انتقالية مدتها أربع سنوات يتأسس خلالها حكم ديمقراطي، وتفكك «الدولة العميقة».
من جهته، كشف «تجمع المهنيين السودانيين» الذي تنسب له المبادرة بتنظيم وقيادة الاحتجاجات التي أدت لإسقاط حكم الرئيس عمر البشير، تكوين «فريق تفاوض» رسمي، يضم كلا من «محمد ناجي الأصم، وطه عثمان إسحاق، وأحمد ربيع سيد أحمد، وإبراهيم حسب الله عبد المولى، وقمرية عمر محمد حسين، ومحمد الأمين عبد العزيز».
وينتظر أن يلتقي بعض أعضاء الفريق المجلس العسكري الانتقالي والفريق البرهان ضمن فريق مكون من ممثلين من «قوى إعلان الحرية والتغيير».
من جهتها، قالت «قوى الحرية والتغيير»، إنها تلقت دعوة من القوات المسلحة للاجتماع بالقوات المسلحة، وقررت تلبيتها للتفاوض على تنفيذ بنود «إعلان الحرية والتغيير»، وكونت وفدا من كل من «عمر الدقير، ومريم المهدي، وصديق يوسف، وعلي الريح السنهوري، ومحمد ناجي الأصم، والطيب العباسي، وحسن عبد العاطي، ومدني عباس مدني».
ويقود «تجمع المهنيين السودانيين» وأحزاب المعارضة المنضوية تحت لواء «قوى الحرية والتغيير» الاحتجاجات التي تجتاح البلاد منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأفلحت في إطاحة حكومة الرئيس عمر البشير، بانحياز قوات من الجيش مع الشعب.
وقرر الفريق أول عوض بن عوف، الذي كان يشغل منصب النائب الأول للبشير ووزير الدفاع في حكومته، الاستيلاء على الحكومة صباح الجمعة وتكوين مجلس عسكري انتقالي، ولكن الرجل واجه رفضاً شعبياً و«عسكرياً» كبيراً اضطره للتنحي وترك رئاسة المجلس للفريق عبد الفتاح البرهان.
ورغم إعلان انحياز الجيش للشعب، فإن مئات الآلاف من السودانيين لا يزالون معتصمين في «شارع الجيش» قبالة القيادة العامة للقوات المسلحة منذ السبت الماضي، وهو ما أجبر الجيش للانحياز لهم.
وشهدت ساحة الاعتصام محاولات كثيرة لفضه، وشنت قوات تابعة لجهاز الأمن السوداني، خمس عمليات اقتحام ليلية صبيحة الأربعاء والجمعة الماضيين، أدت إلى مقتل 16 شخصا، بينهم 5 من جنود الجيش تصدوا للقوات المهاجمة لحماية المتظاهرين، في مخالفة واضحة للأوامر العسكرية.
وفي أول رد فعل منذ الإطاحة بحكمه، وصف حزب المؤتمر الوطني، الذي يتزعمه الرئيس المعزول عمر البشير، ما قام به «المجلس العسكري الانتقالي» بأنه «انتهاك للشرعية».
وبحسب بيان نشره المتحدث باسمه إبراهيم الصديق أمس، فإن الحزب أعلن رفضه لما سماه «اعتقال قياداته ورئيسه المفوض وعدد كبير من رموزه»، وطالب بإطلاق سراحهم على الفور.
وتطالب قوى المعارضة وتحالف المهنيين السودانيين، بحل حزب المؤتمر الوطني، ومحاكمة قادته ومصادرة ممتلكاته، باعتباره المسؤول عن مرحلة حكم الرئيس عمر البشير.
وأنشئ الحزب الذي ظل يهيمن على المشهد السياسي في السودان منذ أكثر من ثلاثين عاماً، كإطار واجهي لحركة «الإخوان المسلمين» باسمها السوداني «الحركة الإسلامية» بقيادة الراحل حسن الترابي، قبل أن تنشق إلى مؤتمرين «الوطني بقيادة البشير، والشعبي بقيادة الترابي»، ثم خاضا مواجهات ساخنة على أثر قرارات التاسع من رمضان 1999 التي حل بموجبها الرئيس البشير المجلس الوطني ووضع عراب الإسلاميين الترابي في السجن.
ولاحقاً عاد الحزبان للعمل معاً، تحت اسم الحوار الوطني، وحتى سقوط حكم البشير، كان حزب الترابي جزءا من الحكومة، ويتبوأ عضو قيادته إبراهيم السنوسي منصب «مساعد البشير»، ويحتكم على وزارات وعدد من نواب البرلمان.
من جهته، طالب السياسي البارز ورئيس حزب الأمة السوداني مبارك الفاضل المهدي، بتسليم الرئيس المعزول عمر البشير للمحكمة الجنائية الدولية، وحل حزب المؤتمر الوطني، والقبض على قادته وتقديمهم للمحاكمة، واستعادة أموال الدولة منهم.
وقال الفاضل في مؤتمر صحافي بالخرطوم أمس، إن حزبه يطالب بتشكيل مجالس انتقالية رئاسية انتقالية، ومجلس تشريعي وحكم اتحادي من خمسة أقاليم، واستعادة أموال وممتلكات الدولة المنهوبة والقبض على «سارقيها»، والعودة للعمل بدستور 2005 الانتقالي بعد تنقيحه، فضلا عن إلغاء القوانين المقيدة للحريات.
قد يهمك أيضًا:
بن عوف يعلن تنازله عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي ويعزل نائبه
مندوب السودان في مجلس الأمن يُؤكَّد أنَّ ما يحدث في بلاده "شأن داخلي"