بغداد – نجلاء الطائي
تنتهي الخميس، المهلة الدستورية لاختيار مرشح لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة، وكاد رئيس وزراء تصريف الأعمال عادل عبد المهدي يسلم اليوم مهام عمله «التصريفية» إلى رئيس الجمهورية انسجامًا مع منطوق المادة «81» من الدستور العراقي التي تتحدث عن «خلو المنصب لأي كان».
ولأن الدستور العراقي حمّال أوجه؛ فإن الخبراء القانونيين العراقيين لا يتعبون أنفسهم في البحث عن مخرج لأي معضلة دستورية ما دام الدستور سكت عن قضية كذا، أو أحال تفسيرها إلى مادة أخرى في الدستور نفسه المكون من «144» مادة، ولحل هذا الالتباس بين استمرار الحكومة في تصريف الأعمال لثلاثين يومًا أخرى هي مدة تكليف المرشح الجديد، أو تسليم «الجمل بما حمل» إلى رئيس الجمهورية برهم صالح، يؤكد الخبراء القانونيون أن بإمكان عبد المهدي وحكومته الاستمرار طيلة هذه المدة لأن المنصب لم «يخل» بل إن الحكومة استقالت، وما دامت هي استقالت فإنها تتحول إلى تصريف أعمال يومية.
هذه وسواها من المشكلات الدستورية وجه رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي انتقادًا حادًا لها. ورغم أن علاوي أحد الآباء المؤسسين لهذا النظام وأحد كتّاب دستوره، فإنه وفي تغريدة له على حسابه في موقع «تويتر» أمس كتب قائلًا: «ما يزال العراق يدفع ثمن وتداعيات عدم احترام الدستور والالتفاف على حق القائمة العراقية (التي كان يتزعمها) الفائزة في انتخابات عام 2010». وأضاف أن «الوقت لا ينتظر. مصلحة العراق وشعبه في خطر، وهذا أهم من الالتفات إلى المصالح الجهوية الضيقة أو الانشغال بمن هو الأكبر والأصغر. الحكمة والحلم والتجربة مطلوبة الآن».
المحصلة النهائية عشية نهاية المهلة الدستورية هي أنه لا يوجد ما يلوح في الأفق حول إمكانية الاتفاق على اسم معين لا من داخل الكتل ولا من ساحة التحرير "معقل الاحتجاجات"؛ فالكتل السياسية طرحت كثيرًا من الأسماء؛ كان في المقدمة منها الوزير والقيادي السابق في حزب الدعوة و«ائتلاف دولة القانون» محمد شياع السوداني الذي بدا أنه أقرب المرشحين لتولي المنصب، قبل أن ترفع ساحة التحرير شعار: «نريد مستقلًا لا مستقيلًا». بعد السوداني تم حرق كثير من الأسماء التي تم تداولها، مثل قصي السهيل وزير التعليم العالي الحالي، ومصطفى الكاظمي مدير جهاز المخابرات، وقبلهم علي شكري وعدنان الزرفي وأسعد العيداني محافظ البصرة، بينما طرحت ساحة التحرير مجموعة من الأسماء قالت الساحة نفسها إنهم يمثلون قوى سياسية محددة وليسوا خيارات المتظاهرين.
وطبقًا لما يقوله النائب السابق حيدر الملا لـ«الشرق الأوسط» فإن «المواصفات المطلوبة لشغل المنصب تبدو في غاية الصعوبة إلى الحد الذي يبدو فيه أن الجميع في حالة حرج سواء كانوا الكتل السياسية أم ساحات التظاهر»، مبينًا أن «البحث عن مواصفات مثالية لهذا الموقع أمر غير عملي ولن يتحقق، وبالتالي لا بد من القبول بمرشح مناسب وقد لا يكون هو الخيار الأمثل لأن الوقت ضاغط والمهلة الدستورية حاكمة». وحول ما إذا كانت هناك أسماء مرشحة بديلة للأسماء التي تم تداولها وأقصيت من المنافسة، كشف الملا عن أن «هناك اسمين يجري تداولهما حاليًا هما علي عبد الأمير علاوي (شغل منصبي الدفاع والتجارة سابقًا) والقاضي رائد جوحي (حقق مع صدام حسين عام 2003 وأصدر مذكرة إلقاء قبض بحق مقتدى الصدر عام 2004)». لكن، والكلام للملا، «حتى هذه الأسماء ليست خيارات نهائية؛ حيث يمكن أن يتغير كل شيء في أي لحظة».
وأكد أثيل النجيفي، القيادي في «جبهة الإنقاذ والتنمية» لـ«الشرق الأوسط» أنه «ليس المطلوب من رئيس الوزراء المقبل إصلاحًا معقدًا... بل المطلوب منه مهمة واحدة فقط؛ هي إجراء انتخابات نزيهة تقنع الشارع بإمكانية استمرار النظام في العراق، وأن العملية السياسية تتحمل تداول السلطة». وأضاف النجيفي: «إذا لم تنجح الكتل السياسية في تحقيق هذا؛ فإن الجماهير ستطيح بالعملية السياسية والدستور الذي يحمي مصالح الطبقة الحاكمة وستكون النتيجة هي الفوضى». وأوضح النجيفي أن «المسؤولية الآن على عاتق رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب الذين يجب عليهم أن يتمردوا على كتلهم وينقذوا ما تبقى من العراق قبل ذهابه للفوضى»، مبينًا أن «هناك عشرات من القادة العسكريين وأساتذة الجامعات والقضاة المعروفين بصلابتهم وقدرتهم على الإدارة وبعيدين عن الأحزاب». ومضى النجيفي قائلًا: «ليس أمام الأحزاب سوى ترك المجال لقيادة جديدة تدير الانتخابات وتتفرغ هي لإثبات نفسها في الانتخابات والرجوع إلى رأي الشارع بها؛ فمن كان منهم يتمتع بثقة الشارع فسيبقى دوره، ومن فقد هذه الثقة فعليه أن ينسحب بأمان».
استمرار الاحتجاجات رغم التحديات والظروف الجوية
واصلت جماعات الحراك في العراق مظاهراتها واحتجاجاتها المطلبية أمس، رغم المضايقات المتمثلة في حالات القتل والاختطاف التي تتعرض لها من السلطات وجهات مجهولة يعتقد على نطاق واسع أنها فصائل مسلحة موالية لإيران، ورغم الظروف الجوية الصعبة المتمثلة في الانخفاض الحاد في درجات الحرارة وهطول الأمطار.
وفي بغداد، أعلنت مصادر أمنية عن قيام جماعة مجهولة باغتيال ناشط مدني بالسكاكين. وقالت المصادر إن «مسلحين مجهولين اقتحموا محل المواطن (محمود) المعروف بـ(أبو مريم)، في منطقة العامرية، غرب بغداد، وقتلوه طعنًا بالسكاكين، وعثر على جثته داخل مخزن محله الخاص ببيع الملابس». وأشارت إلى أن «الضحية يتمتع بسمعة طيبة في المنطقة، وليس له أي عداء مع أحد، ومن المرجح اغتياله بسبب مشاركته في المظاهرات، وتقديمه المساعدات للمتظاهرين».
وأعلن ناشطون في ساحة التحرير ببغداد عن إطلاق سراح الناشطين عمر العامري وسلام المنصوري، بعد مرور أسبوع على اعتقالهما. لكن الناشطين لم يذكروا سبب الاعتقال أو الجهة التي قامت به.
وفي البصرة، أعلنت مصادر طبية، أمس، وفاة متظاهر في المستشفى التعليمي إثر إصابته في المظاهرات قبل نحو شهر. وقالت المصادر إن «المتظاهر محمد غسان توفي في المستشفى التعليمي متأثرًا بإصابته في مظاهرات ناحية أم قصر في البصرة». وأبلغ الناشط هاشم البصري «الشرق الأوسط» بأن «محمد غسان هو العاشر الذي يتوفى من بين جرحى مجزرة أم قصر الشهر الماضي».
وفي حين توافد الآلاف إلى ساحة التظاهر وسط البصرة، قام متظاهرون بقطع الطرق المؤدية إلى حقول نفطية في المحافظة، بهدف الضغط على الحكومتين المحلية والاتحادية والكتل السياسية لتنفيذ مطالبهم. وأفادت الأنباء من هناك بأن «متظاهرين غاضبين قطعوا الطرق المؤدية إلى حقول مجنون والرميلة الشمالي وارطاوي». وسبق أن قام متظاهرو البصرة بقطع الطرق المؤدية إلى الحقول النفطية وميناء أم قصر. كذلك، نظم مئات المتظاهرين البصريين أمس، مسيرة سلمية طالبوا خلالها السلطات بالكشف عن قتلة الناشطين والمتظاهرين.
وتواصلت المظاهرات المعتادة في محافظات الديوانية والقادسية وميسان والناصرية. وفي محافظة كربلاء، أمر قائد الشرطة العميد صباح سهيل الذي تسلم مهام عمله قبل يومين، بفرض حظر للتجوال على الدراجات النارية. وقالت قيادة شرطة المحافظة في بيان أمس، إن قائدها «وجه بضرورة إلقاء القبض على جميع المطلوبين للعدالة والأشخاص المشبوهين، ومتابعة وملاحقة الملثمين اللذين يحاولون إثارة الشغب، والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العبث بأمن المدينة». وأضاف أن «قائد الشرطة أمر بفرض حظر للتجوال على جميع الدراجات النارية يبدأ من الساعة الخامسة عصرًا وحتى الساعة الخامسة فجرًا بدءًا من اليوم وحتى إشعار آخر، بهدف السيطرة التامة على الوضع الأمني والحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين».
وشهدت محافظة كربلاء في الأسبوع الأخير حالات استهداف واغتيال من قبل جهات مجهولة طالت ناشطين. وأبلغ الصحافي ميثم الجناحي «الشرق الأوسط» بأن «المظاهرات مستمرة مع هدوء نسبي يخيم على المدينة بعد قيام مجهولين (مساء الاثنين) بحرق مخيمات المواكب مقابل مبنى المحافظة وسط المدينة وهي مخصصة للزائرين في المواسم الدينية». ويؤكد الجناحي أن «جماعات الحراك تتهم جماعات مناهضة للمظاهرات بالوقوف وراء عمليات الحرق التي طالت المخيم بهدف تشويه سمعة المتظاهرين وتحريض مشاعر العداء ضدهم».
وعن أسباب حظر التجوال على الدراجات النارية، الذي اتخذه قائد الشرطة، رجح الجناحي أن «تكون عمليات الاغتيال التي نفذت بواسطة الدرجات النارية ضد ناشطين أحد مسببات القرار، إلى جانب محاولة الشرطة تطويق حركة بعض الناشطين الذين يتنقلون فيها بسهولة عبر الطرق والممرات المقطوعة».
قد يهمك أيضًا:
رفض شعبي واسع لترشيح "رجل طهران" لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة
مقترح سني لاختيار بديل عبد المهدي من غير مكونه يلاقي رفضا من كتلة شيعية