موقع "رديت" الإلكتروني يقدِّم الموضوعات الأكثر أهمية على الانترنت

كانت المرة الأولى بالنسبة لي، عندما قمت بزيارة موقع "رديت" في أغسطس/آب 2014، وكان ذلك في أحد أيام الجمعة الحارة، عندما تباطأ سيل رسائل البريد الإلكتروني، والذي إعتدنا على استقباله بصورة يومية، وامتلأ المكتب بالكراسي الشاغرة على غير العادة.

ربما لا أتذكر الان كيف وجدت نفسي أزور الموقع، ولكن ما أدركه أن تلك الخطوة التي اتخذتها في ساعة خمول سرعان ما أصبحت بمثابة الإدمان بالنسبة لي. وتزامنت تلك الخطوة مع تفشي وباء "الإيبولا"، وتحديدا عندما وصل التهديد الوجودي الذي يفرضه هذا المرض في منطقة غرب إفريقيا والمناطق المجاورة إلى ذروته، حيث كنت أعمل في ذلك الوقت مع الأمين العام الفخري لجمعية علم الأحياء الدقيقة التطبيقية، والذي كان خبيرا في الأمراض المعدية والمقاومة للمضادات الحيوية. وقتها عرضت عليه اقتراحًا بإجراء إرشادات بصورة سؤال وجواب (بشكل أكثر تخصصا) على موقع "رديت".

ما هو الرديت؟
بالنسبة للمبتدئين، "رديت" هو موقع تجميع المحتوى الاجتماعي أو ما يسمى بالصفحة الأولى على شبكة الانترنت، حيث يرقى لالتقاط صور حية للمحتويات الأكثر شهرة على الانترنت. ويتابعه حوالي 234 مليون عضو، بينما تحصل صفحاته على حوالي ثمانية مليارات مشاهدة في الشهر الواحد، ويطلق على رواده اسم "رديتورز"، حيث يمثلون تقريبا كل دول العالم.

مهمة موقع "رديت" هي مساعدة الناس على اكتشاف الأماكن التي يمكنهم من خلالها أن يجدوا أنفسهم، بالإضافة إلى تمكين مجتمعاتنا من الازدهار. إنه بمثابة مكان معقد يمكنك من خلال استعادة ايمانك بالإنسانية أو ربما تدمير هذا الايمان وإعادة بنائه في غضون دقائق. ويمكنك مشاهده ألاف الأفعال الصغيرة التي تعكس العطف بين أناس ربما يكونوا غرباء تماما، قد ترى مواعظ للنفس من تصرفات أناس صالحين، يمكنك كذلك أن ترى أعمال قسوة أو غير ذلك، إلا أنه بالفعل يعد مكانا سخي جدا بأناس يرغبون فعلا في مساعدة بعضهم البعض.

كوكبة من المجتمعات

يتكون موقع "رديت" من حوالي 900 ألف مجتمع صممت من أجل التواصل حول أي موضوع يمكنك أن تتخيله، وإذا لم ترغب في التواصل في أي من الموضوعات المطروحة، يمكنك أن تنشيء مجتمعك الخاص، بحيث تبدأ بشرح محتواه ثم التفاعل مع المشتركين الأخرين. وهذه المجتمعات تناقش العديد من الموضوعات المثارة على الانترنت، من بينها أخبار الجامعات، وتعليقات اكاديمية، وكذلك دراسات وأبحاث، حيث يتم ربط المحتويات المتخصصة مع المهتمين بها من الجمهور، بالإضافة إلى فتح الباب أمام طرح الأسئلة، واستقبال الإجابات من قبل الباحثين. وإذا كنت تبحث عن مجتمع نشط ذي محتوى مرموق ومتخصص، فلم يعد هناك حاجة إلى البحث.

العلوم

موقع "رديت" يبدو مهووسًا إلى حد كبير بمختلف الفروع المرتبطة بالعلوم والتكنلوجيا، في حين أن إيلون ماسك يبدو ملهما له. ويعد أكثر مجتمعات الانترنت المتخصصة في العلوم، حيث لديه أكثر من 12 مليون عضو، يهتمون بالقواعد العلمية الصارمة، وتشتمل كافة مشاركاتهم على المراجع والروابط الموثوقة والمنشورات الأكاديمية. عضوية أكبر ثلاثة مجتمعات علمية في الموقع تزن أكثر من 20 مليون، حيث تتخصص تلك المجتمعات في التكنلوجيا وعلم المستقبل والفضاء والهندسة.

فقرة الأسئلة
تحمل عنوان "إسألني عن أي شيء"، وهي عبارة عن جلسات يشارك فيها نجوم وخبراء من أجل التواصل مع أعضاء الموقع بشكل غير رسمي، وخلال وقت محدود، حيث تكون الفقرة على طريقة "سؤال وجواب. وقد استضاف "رديت" عددًا كبير من مشاهيرًا العالم، منهم باراك أوباما وستيفين هاوكينغ وبيل غيتس.

ربما بشكل يومي، يسمح رديت باعطاء الفرصة لرواده من أجل التفاعل مع أكاديميين من مختلف العلوم العامة والاجتماعية، حيث يتم القيام بذلك على طريقة "سؤال وجواب" بما يسمح بطرح الاف الأسئلة وكذلك التعليقات. بالإضافة إلى كونها مجانية وسهلة التنظيم، فإنها أيضا تفتح الباب أمام خلق العديد من الاحصائيات التي تكون بمثابة سجل دائم للتفاعلات، وهو الأمر الذي لا يستغرق أكثر من عده ساعات دون أية تكاليف. وفي الوقت الذي يمكن فيه طرح الأسئلة على الخبراء بصورة علنية، وكذلك وضع الضغوط على الباحثين للتفاعل علنا مع الجمهور، فإن ذلك ربما يترك تأثيرا كبيرا على العالم بأثره، وكذلك ربما توفر الفرصة أمام قطاع عريض من العامة.

كمية كبيرة من المعلومات

مؤخرا قمت بوضع رابط لاختبار على الانترنت يحمل عنوان "أدوات التعرف الفائقة، حيث يهدف هذا الاختبار إلى معرفة الأشخاص أصحاب القدرات الكبيرة في التعرف على ملامح الوجه. وخلال 24 ساعة فقط، أكثر من 16 ألف شخص خاضوا الاختبار، حيث حصلنا من خلال ذلك على بيانات يمكننا استخدامها في المستقبل لتحقيق تغيير كبير في فهم هذه المنطقة، كما ستدفع أيضا باتجاه إصدار منشورات أكاديمية في هذا الاتجاه.

عبقرية الحشد

رديت يمثل تحذيرًا شديد اللهجة وكذلك دليلا دامغا على المخاطر المترتبة على توفير مصادر الحشد، ربما يكون الأمر أصبح سيء السمعة لارتباطه بالمساهمة في التفجير الذي استهدف مارثون بوسطن، إلا أنه ساهم أيضا في القبض على المخربين، وكذلك توفير المعدات الرياضية للمحرومين، بالإضافة إلى ارسال البيتزا إلى المصابين بمرض السرطان.

رديت يبدو موقعًا إيجابيًا للغاية، على الرغم من كونه مضللا في بعض الأحيان، إلا أنه أصبح منصة قوية لمجموعة من التعاقدات بين الجمهور والأكاديميين في مختلف الفروع العلمية.