لندن - كاتيا حداد
أصبح اسم حلب مرادفًا للدمار والموت والقنابل والمستشفيات المدمرة، حيث يتسارع الأطباء وعمال الإغاثة في سباق لإنقاذ الأرواح على مدار الساعة، وباتت الحياة هناك عبارة عن مزيج من الدم والموت واليأس، ومن بين الانفجارات والمعارك هناك نحو 200 ألف شخص يحاولون التشبث بمظهر من مظاهر الحياة الطبيعية في شرق حلب, وربعهم من الأطفال، فيما كانت سيارات الأجرة والمخابز ومحطات المياه والمدارس والجمعيات الخيرية تعمل في شرق حلب التي يسيطر عليها المتمردون حتى فرضت القوات الحكومية الحصار على الإمدادات الحيوية في يوليو/ تموز، ويعد الإسلاميون المتطرفون من بين الفصائل المقاتلة في المدينة بما في ذلك جماعة مرتبطة سابقا بتنظيم القاعدة، إلا أن شرق حلب لا يزال موطنا للفنانين والنشطاء المعتدلين بما في ذلك النساء اللاتي يعملن في الجمعيات الخيرية والمدارس.
وكان من المفترض أن يبدأ فصل دراسي جديد السبت ولكن تم تعليق الفصول إلى أجل غير مسمى في مواجهة حملة قصف لا مثيل لها الأسبوع الماضي على المدينة، وهي الحملة التي وصفها المسؤول الإنساني التابع للأمم المتحدة بكونها مريعة بلا شفقة أو رحمة، وأصبح الحصار أكثر صعوبة حيث تقلصت الإمدادات الغذائية وغابت الفواكه والخضراوات كما نقص الوقود ما أدى إلى اختفاء معظم السيارات من الشوارع، وأصبح يتم تخزين الإمدادات للمولدات التي تشغل المستشفيات ووصلات الإنترنت التي تربط شرق حلب بالعالم، وفي مناطق أخرى تم قطع خطوط الإمداد والاتصالات إلا أن الهواتف الذكية وأجهزة التوجيه عبر الأقمار الصناعية ساعدت أهل حلب على الوصول إلى الإنترنت مما وراء العالم المقيد الذي وصفه أحد السكان بأنه "سجن في الهواء الطلق"، ولم تستطع المساعدات الطبية والطعام الوصول إلى شرق حلب إلا أن القصص يمكنها أن تخرج من هناك، وهذا ما فعلته الغارديان عندما استخدمت "سكايب" و "واتس أب" للتحدث مع العديد من سكان حلب المدنيين عن الحياة اليومية تحت الحصار والقصف، ونسرد فيما يلي قصصهم وفق تعبيراتهم.
وأوضحت المُعلمة عفراء هاشم أنها استيقظت في السابعة صباحًا عندما سقطت قذيفة بالقرب من شقتها وأضافت, "كان أطفالي مذعورين وبدأوا في الصراخ والبكاء، ولحقت بعض الأضرار الأبواب والنوافذ جراء الانفجار، لكني تمكنت من تهدئة الأطفال ثم صنعت بعض القهوة لنفسي وزوجي لتهدئة أنفسنا، وكان الأطفال يعانون من الجوع ولم يكن لدينا خبز سوى معكرونة وبصل فقط، وعندما وقفت لأطهو لهم، توسَّل إليَّ الأطفال حتى لا أخرج وأبقى معهم خشية أن تأتي الطائرة مرة أخرى، وهناك مستشفى بالقرب من منزلنا وعندما سمعنا سيارة الإسعاف بدأ أطفالي يصرخون ويبكون ثانية، وسألوا عما إذا كان هناك أطفال أو كبار السن قد أصيبوا، وتمكنوا من رؤية الضحايا من النافذة.
وتابعت, "كنت أعمل مدرسة للمرحلة المتوسطة, قبل الحرب وكنا عائلة عادية نذهب في جميع أنحاء المدينة للمنتزهات والمطاعم، ولكن ألقيَ القبض عليَّ بعد الثورة ودفعت عائلتي الكثير من المال لإخراجي من السجن ولذلك لم أعد بجانب النظام لمدة 5 سنوات، وكنت أدير مدرسة ولذلك قبل الحصار كنت أذهب إلى هناك يوميا مع أبنائي وأعمارهم 10 و12 عاما، وكانوا يدرسون ويلعبون مع غيرهم من الطلاب ثم نأتي إلى البيت ونتناول العشاء ونشاهد التلفاز معا، لكن القصف اشتد الآن واستهدف كل شيء, المدارس والمستشفيات والمساجد، حيث لقيَ اثنان من زملائي المعلمين مصرعهم وأصيب آخر بجرح في ساقه ويديه عندما كان يسير إلى المدرسة، وأغلقت المدرسة ولا يذهب إلى هناك سوى القليل من المعلمين لتجهيزها لحين تحسن الأحوال".
واستطردت, "عندما تأتي الطائرات في الصباح نذهب جميعًا إلى الملاجئ ونقضي معظم وقتنا هناك ، إنها مملة للغاية ولا يوجد كهرباء ولا وقود للمولدات، وتواجهنا الكثير من الصعوبات، لا يمكنني أن أصف لكم ابني وهو يقول " أنا جائع" ولا أعرف ماذا أعد له للطعام، وكان الأسبوع الماضي يوم ميلاده وظل يبكي طوال الليل لأننا لم نستطع عمل كعك له، ويتذكر الأطفال أصدقائهم الذين قتلوا أو أقاربهم الذين غادروا، وأشاهدهم يرسمونهم على الورق ويحدثونهم عن حياتهم ويطلبون منهم البقاء معهم، وأحيانا يذهبون معي إلى المدرسة ويتساءلون متى ستبدأ الدراسة، وأفكر إذا تحسنت الأحوال إلى الأفضل أن آخذهم إلى الخارج لرسم الجداريات على بعض السيارات والحافلات التي تضررت من القصف".
وأكملت, "على الرغم من أننا نعاني كثيرًا وحدنا لكننا سعداء لأننا نقاتل للحصول على حريتنا، وأتمنى إذا قتلت أن ينشأ أبنائي في بلد آمن حر، ولا أطلب منكم أن تطلبوا من العالم إحضار طعام لنا ولكن اخبروهم أن يمنعوا النظام من قتلنا، معظم عائلتي في تركيا ولكن لي شقيق واحد هنا ونعمل معا، وأسسنا المدرسة معا، وأعمل على تحقيق الدعم النفسي للأطفال وللنساء اللاتي فقدن أزواجهن أو أبنائهن في الحرب، وتقع مدرستنا في ملجأ تحت الأرض، ولكن لا زال يمكنني رؤية الأطفال وهم يأتون بحقائبهم المدرسية والسعادة في عيونهم وهم متحمسون للدراسة".
وكشف سائق سيارة الأجرة أبو عوض, بأنه لا ينام بسبب الطائرات المحلقة باستمرار في سماء المنطقة، وقال, "إنها توقظني مبكرًا على الرغم من أنني أحاول تجاهل الصوت، وإذا كان لدينا ماء أتوضأ قبل صلاة الصبح وإن لم يكن لدينا أتجه للمسجد مع وعاء للحصول على بعض الماء، وهناك حفنة من الناس يفعلون الشيء نفسه، وليس هناك كهرباء لذلك نعيش في ظلام في الشقة، وتستيقظ زوجتي عندما أعود ونتحدث قبل أن يستيقظ الأطفال، ومن أفضل الأصوات الصباحية صوت المولد الذي يشغله قريب لي لمدة ساعتين لتوفير الوقود، حيث نلتقي جميعا لشحن البطاريات والهواتف والحديث عن الأحداث في حلب والتفجيرات مع كوب من الشاي، وعندما أعود إلى المنزل يكون أطفالي استيقظوا، بالأمس قال لي أحدهم " الحمد لله أننا لا زلنا أحياء"، وعندما أخرج للحصول على الخبز أحصل على كيس واحد فقط به 8 قطع ويكفي لوجبة واحدة فقط، ونحن عائلة كبيرة فلدينا أنا وزوجتي 11 طفلا، ونتناول إفطارًا فقيرًا وغير صحي، ربما خبز مع معجون الطماطم والزيتون والشاي لكننا ننهي الطعام كله".
وذكر, "لدي سكري ومشاكل في الكلى وزوجتي تعاني من روماتيزم ومشاكل في الظهر ولم نتمكن من الحصول على الأدوية التي نحتاجها أو المسكنات، ونفذت منا الإمدادات التي جمعتها عند كسر الحصار الشهر الماضي، نحن من قرية بالقرب من الباب وتقع تحت حصار داعش حتى الأن، وكنت أعمل محاسب لدى الجيش السوري لكني تركت الوظيفة عام 2011، وعملت كسائق سيارة أجرة في حلب، وليس لدينا دخل الأن بعد أن تحطمت سيارة الأجرة في غارة جوية وليس هناك أي وقود هذه الأيام، وإذا كان الصباح هادئا أذهب إلى المشي ولكن حلب مهجورة الآن فلم يعد هناك بشر أو سيارات في الشوارع، كل ما أراه هو حطام وأنقاض، وكل الأخبار التي أسمعها عن مقتل شخص آخر أو أن هناك مجزرة في حي مجاور".
وأضاف, "عندما تحلق الطائرات نذهب إلى الطابق الأسفل من المبنى الخاص بنا حيث يصرخ النساء والأطفال ويبكون، ويبدوا الرجال دوما خائفين وخاصة بعد استخدام القنابل الخارقة للتحصينات، نحن نشعر وكأننا في انتظار الموت، كل يوم نتلقى رسالة من الجيش السوري نصها كالتالي " لم يدم اتفاق وقف إطلاق النار الأميركيين والأتراك لم يلتزموا ببنود الاتفاق، وإذا كنت تريد المصالحة والسلام يجب رفع علم الجمهورية العربية السورية"، نحن نتجاوز وجبة الغداء لتوفير الطعام، وفي المساء نستخدم الأثاث القديم والأخشاب للطبخ لأنه لا توجد كهرباء أو انترنت، المكان يبدو هادئا بشكل غريب تحت ضوء مصابيح ليد من البطارية لدينا، بدا الأمر وكأننا في السجن، إنه سجن كبير خانق، ونبقى في هذه الحالة حتى نذهب للنوم في حوالي الساعة 10 أو 11 ونحاول النوم، إنه وضع لا يطاق".
وأوضح عامل الإغاثة زين الشام أنه كان يستيقظ مبكرًا لاحتساء كوب من القهوة, وأضاف, "للأسف لم تعد توجد قهوة في الحي الذي أسكن فيه بسبب الحصار، ولدي جدول أعمال مزدحم لأنني أتطوع في اثنين من المستشفيات وأعمل بدوام جزئي لدى منظمة المعونة الأميركية وأدرس التاريخ والجغرافيا في مدرسة رواد حلب تحت الأرض، وتقع المدرسة في الطابق الأسفل لحماية الأطفال لكنهم لا زالوا خائفين، حتى أن أحد طلابي سألني اليوم " لماذا تقع مدرستنا تحت الأرض؟ لا أريد أن أختنق من الأنقاض إذا تم ضربنا"، حاولت مواساتهم على الرغم من خوفي أنا أيضا، وبعض الأطفال لا يأتون إلى المدرسة لأن أمهاتهم يجعلونهم يبقون في المنزل حتى يبقون على مقربة منهم".
وأضاف, "أبلغ من العمر 26 عامًا وفي الأصل من حلب، وشاركت في النشاط المناهض للنظام عام 2012 عندما كنت أدرس في مجال التعليم للحصول على درجة البكالوريوس من الجامعة هنا، وشاركت في البداية في الاحتجاجات السلمية الأولى ثم بدأت العمل التطوعي في المستشفى الميداني في الأحياء الشرقية، وانتقلت بين هناك والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة حتى أتمكن من الاستمرار في دراستي إلى أن تم اعتقالي عام 2013 بسبب هذا العمل، وتعرضت للتعذيب والعديد من المشاكل النفسية حتى أطلق سراحي لاحقا بعد أكثر من عام، وجدت أن كل شيء قد تغير وغادر والدي حلب لكني رغبت في البقاء مع شقيقي وشجعني أصدقائي القدامى على بدء العمل مجددًا، والآن أقوم بالتدريس في الصباح وأذهب لمكاتب الجمعيات الخيرية يومين في الأسبوع حيث أشرف على توزيع المساعدات على المستضعفين في 3 مناطق، وأتطوع في المستشفيات في الأيام الأخرى وخاصة خلال الفترات الحرجة مثل الأن، لقد شاهدت 4 عمليات بتر خلال 4 أيام وليس لدينا متخصصين".
وتابع, "أحصل على وجبة واحدة في اليوم سواء في المستشفى أو المنزل حيث أطهو لنفسي، وأنا محظوظ لأنني لدي غاز حيث اشتريت لنفسي اسطوانة مقابل 150 دولار، إنها مكلفة ولكن يمكنني استخدامها لفترة طويلة، وينقصنا بعض الأشياء التي تستخدمها النساء ولكن قُطعت الإمدادات بسبب الحصار والرجال لا يفكرون في مثل هذه الأشياء، وفي المساء أستفيد من المولدات التي تعمل لمدة ساعتين فقط لشحن هاتفي وجهاز الكمبيوتر الخاص بي وبطارية جهاز توجيه الأنترنت، وأجهز للفصول الدراسية اليوم التالي وأعد تقارير لمنظمة الإغاثة، ثم أتصفح الأنترنت وأتحدث مع أخي وأختي في تركيا أو أصدقائي، وأذهب إلى النوم في حوالي الساعة الثانية صباحا، وزرت الولايات المتحدة وبريطانيا العام الماضي لحضور ورشة عمل عن فيلم عني وأربع نساء أخريات تعمل هنا، وكنت أفكر في البقاء هناك واستكمال دراستي، لكني عدت لأن وطني يحتاجني، أنا طموح وسأكمل دراستي يوما ما بغض النظر عن عمري أو ما إذا كنت قد تزوجت، لدي حلم وسأبقى حتى أحققه".
وبين منسق مخبز ويدعى أبو مهيو أن عمره 38 عامًا وهو متزوج وأب لأربع أطفال، وأوضح أنه قبل الثورة كان يعمل مدرب كرة قدم في نادي الشرطة الرياضي، بينما يعمل الآن كرئيس للحي المجاور، وحتى هذا الأسبوع عمل كمدير للشؤون اللوجستية لاثنين من المخابز، وأضاف, "تم قصف أحدهم الأربعاء، والآن يجب عليَّ أن أحاول صنع نفس الخبز الذي كان يقدمه مخبزين لنفس العدد من العائلات، وعادة ما أستيقظ مبكرا لصلاة الفجر ثم أتناول القهوة مع البسكويت إذا كان لدي قبل الذهاب لتفقد المخبز، لكني استيقظت الأربعاء الساعة 3 صباحا بسبب ضجيج على الباب، ليخبرني أحد زملائي أن المخبز قد أصيب، وارتديت ملابسي وقفزت في السيارة، ووصلنا إلى موقع الحادث بعد ساعة من ضرب القنابل، بينما حاول المسعفون العثور على الناجين من تحت الأنقاض، لقد ضربوا منتصف المخبز عن قصد، وقتل 8 أشخاص بينهم أحد أصحاب المخبز، ونجى فقط شريكه والخباز الرئيسي، وفقد أحدهم عينه، وكان هناك فوضى رهيبة وتم تحطيم سيارات تسليم الخبز، لذلك استخدمت سيارتي الخاصة لإخراج الخبز الذي أمكننا إنقاذه".
وأشار إلى أن المخبز يخدم اثنين من الأحياء الكبيرة، ويطعم نحو 6 آلاف عائلة، وقال, الآن سأرى ما إذا كان المخبز الصغير الذي يطعم 4 آلاف عائلة يمكن أن يمتد لصنع الخبز لأكثر من ضعف العدد، وفي الأيام العادية كنت أكرس نفسي لأعمال المجلس المحلي، ونحاول فعل ما هو ممكن للناس محاولين إصلاح شبكات الكهرباء أو المياه التالفة وتوزيع المساعدات للأشخاص الضعفاء، ونبذل قصارى جهدنا في هذه الأيام مع القصف والحصار المستمر، وأصل إلى منزلي ما بين الساعة 5إلى 7 لتناول العشاء مع زوجتي وأولادي، وحتى اللحظة نعيش على العدس والبرغل والأرز وقليل من الباذنجان من الحقول الصغيرة القريبة حيث لا نجد إلا الباذنجان والنعناع والبقدونس، ونستخدم موقد الكيروسين وأحيانا الخشب للطهي لأن الغاز مكلف للغاية إذا ما وجدته، ولا نسخن أي شيء مطبوخ مسبقا لتوفير الوقود، لأننا لا نعرف متى سينكسر الحصار".
وتبع, "أحب قضاء بضعة ساعات للتحدث مع عائلتي في المساء على الرغم من أننا لدينا القليل من الطاقة من أجل المصابيح، ويشعر أبنائي بالملل حاليا لأنهم يضطرون للبقاء في المنزل طوال اليوم، ولا توجد مدارس مفتوحة بسبب القصف، وعندما ينام الأطفال أحيانا أوصل بعض الوقود والدقيق للمخابز قبل الوصول إلى المنزل للنوم، وأحيانا يفعل شخص آخر هذه المهمة لأتمكن من الراحة، نحن ينقصنا الكثير من الإمدادات الأساسية".
وأكد عامل الإغاثة اسماعيل العبد الله على أنهم منقسمين إلى فريقين في كل مركز، وأضاف, "معظمنا يعمل في ورديات على مدار 24 ساعة ثم يعود للمنزل للراحة، ولكن ليس لدي عائلة في حلب ولذلك أنام في مقر العمل وأتناول الطعام هناك، وأمس كان يومي مشغول حيث تم الاتصال بنا بعد انفجار في الرابعة صباحا من قبل موظفين في إحدى المستشفيات، سمعنا صوت انفجار ضخم ثم اتصل أحد الأطباء للمساعدة في نقل المصابين إلى مستشفى آخر لأنه لا يمكنهم علاجهم جميعا، وكان الضحايا على الأرض لأنهم لم يكن هناك غرف، ولم يكن لديهم ما يكفي من الموظفين لعلاج كل منهم، ولذلك أسرعنا للمساعدة، وكنت في الخارج لمدة ساعة ثم عدت إلى النوم ثم وقع قصف أخر أيقظني في التاسعة صباحا، وتم استدعائنا في موقع بالقرب من المدينة القديمة وقالوا إن هناك أسرة عالقة تحت الأنقاض، ولم تبدو كمهمة إنقاذ حيث كان الجميع موتى قبل وصولنا، وأخرجنا جثة 3 أطفال ووالدهم ووالدتهم".
واستطرد, "هذه القنابل الخارقة للتحصينات لا تُصدَّق، علمت مؤخرًا أنها مخصصة للاستخدام ضد القواعد العسكرية، ولكن لماذا يلقونها هنا على المدنيين؟ ربما لأنهم غير راضيين عن أعداد الضحايا من القنابل الأخرى، عندما أسمع صوت طائرة حربية تحلق أشعر أن دمي يصبح بارد، وأخذنا العائلة المتوفية إلى المشرحة والتقط العمال هناك صور للضحايا، وإن لم يحضر أحد للحصول على الجثة فإنهم يقومون بدفنه، ولكن جاء الأقارب من أجل هذه العائلة وعدنا نحن إلى المقر، ولا يزال لدينا بعض الوقود للسيارات ولكنه سينفذ في الأيام المقبلة، كما أن الإمدادات الغذائية منخفضة، نعيش فقط على العدس والفاصوليا والبرغل والقمح، وقريبا سنضطر إلى البحث عن الخشب لطهي الطعام لأن إمدادات الغاز على وشك النفاذ".
وختم, "أصبحت أقلق على عائلتي, والدي وأخوتي حيث غادروا حلب بسبب القصف، ويقيمون في الريف بالقرب من الحدود التركية لكني فقدت الاتصال بهم الثلاثاء، والدتي مريضة للغاية وليس لديها رعاية طبية أو الأدوية التي تحتاجها، أنتظر أن يتصل أخوتي ويخبروني أنهم بخير، أتناول العشاء وأتحدث مع زملائي عما يحدث وأحيانا ألعب بالبطاقات قبل النوم لكننا متعبين حقا، وسئمنا كل شيء, القصف والقتل وسحب الناس من تحت الأنقاض".
وشدد مدير ملجأ للأيتام, أسمر حلبي على أن لديه 4 أطفال آخرين في دار أيتام بسبب غارة جوية قتلت أحد موظفاتهم وزوجها هذا الأسبوع، وكانت تدعى علياء ناصر (32 عامًا) وكانت تعمل كخادمة، وأضاف, "الأمور كلها تسير نحو الأسوأ في ظل الهجمات الجوية ونقص الإمدادات بسبب الحصار، حيث سقطت قنبلة على بعد 50 مترًا وملأ الغبار الجو ولم نتمكن من رؤية أي شيء، إنه أسوأ هجوم من نوعه، أصبحنا نخاف من القصب ليلا ونهارا، وعندما تحلق الطائرات أطلب من المربيات والمشرفين أخذ الأطفال إلى القبو لكنهم لا زالوا يسمعون سقوط القنابل، واعتاد بعضهم على هذه الأصوات لكن الكثير منهم يبكون، والبعض يخاف حتى أنهم يتبولون على أنفسهم، ونحن نتناول نفس النوع من الطعام في كل وجبة، شوربة العدس والبرغل والقمح وبدأ مخزوننا ينفذ".
وتابع, "أخشى أن يستمر الحصار لفترة طويلة لأنه يجب علينا إطعام 50 طفلًا وأكثر من20 موظفًا، وأقلق دائما على ما يحمله لنا الغد، ودائما ما أفحص كل شيء بنفسي للتأكد من أنه ليس هناك أي شيء مفقود، وبسبب القصف الجوي المتواصل أبقى بالداخل في دار الأيتام أو في المنزل، وأخرج فقط عندما أحتاج للحصول على شيء لنفسي أو عندما أحتاج إلى جلب يتيم إلى الدار أو تسليم أحدهم إلى الوصي، ولا أترك دار الأيتام قبل العاشرة مساء، وقبل الحصار كان هناك سوق حقيقي، واعتدت أن أذهب للتسوق مع زوجتي، ولكن في هذه الأيام أتناول فقط العشاء وأجلس قليلا تحت أضواء ليد، وأستيقظ في التاسعة أو العاشرة، وأتناول كوب من القهوة وأذهب إلى دار الأيتام مرة أخرى لمناقشة الوضع اليومي مع الموظفين، وربما أتحث عن بعض القضايا الحساسة مع المراهقين أو ألعب مع الأطفال الصغار، وفي الواقع بسبب الحصار تستغرق دار الأيتام كل وقتي واشعر بالذنب تجاه زوجتي لكنها تقدر أنني أعمل من أجل الأطفال المعرضين للخطر، وتأتي معي في بعض الأحيان إلى دار الأيتام لمساعدتي واللعب مع الأطفال، فنحن لا نريدهم أن يشعروا بالملل