إيذاء المراهقين عبر الشبكة العنكبوتية

تزداد نسبة التنمر الإلكتروني مع ظهور تطبيقات بشكل متواصل، مثل "إنستغرام وتويتر وواتس- أب وسناب شات" ووسائل التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك"، ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها السريع والواسع بين جميع فئات المجتمع، لا سيما المراهقين الذين يجارونها إذ لديهم مهارة رقمية اكتسبوها بحكم مواكبتهم للتكنولوجيا منذ الطفولة، تربط معظم الدراسات النفسية الحديثة بين ظاهرة الاكتئاب الشديد عند المراهقين، والتنمر الإلكتروني، فإيذاء المراهقين عبر الشبكة العنكبوتية صار أسهل، إذ إن غالبية المراهقين بل حتى الأطفال يحملون هواتف ذكية تحتوي على كل التطبيقات الحديثة.
 
ويعد التنمّر الإلكتروني عبارة عن تنمر طفل أو فتى أو مراهق للتهديد والإذلال والتهكّم اللفظي والاعتداء المعنوي والإحراج، من طفل أو فتى أو مراهق آخر عبر الإنترنت ومواقع التفاعل الرقمي، ويحدث عبر تكنولوجيا الاتصالات، حيث يتواصل آلاف المراهقين يوميًا عبر شبكة التواصل الاجتماعي الإلكترونية، عن طريق وضع رسالة مسيئة على جدار الصفحة الشخصية للمستخدم، أو كتابة تعليقات وقحة ومسيئة على صورة يعرضها الشخص، أو بوضع صورة أو مقطع فيديو للسخرية من الشخص الذي يظهر في الصورة أو الفيديو، واختلاق صفحة ملف شخصية مزيّفة لإغاظة الآخرين أو لتعريضهم للمشاكل، أو من خلال إجراء مكالمات هاتفية صامتة أو بذيئة أو مكالمات فيديو،و إرسال صور أو مقاطع فيديو هدفها إحراج صاحب الهاتف أو إزعاجه بشكل قاس.


 
كيف يختار المتنمّر ضحيته؟
وبداية يحدث التنمّر الإلكتروني بين الأطفال والمراهقين الذين يعرفون بعضهم خارج الشبكة العنكبوتية، أي قد يكون المتنمّر والضحية في المدرسة نفسها، أو يقصدان النادي الرياضي نفسه، وبالتالي يختار ضحيّته التي يعرفها مسبقًا فيستخدم نقاط ضعفها، مثلًا كأن يكون الضحية هزيلًا أو بدينًا أو كسولًا أو ممتازًا في المدرسة أو أن يكون ببساطة يغار من الضحّية إذا كان لديه عددًا كبيرًا من الأصدقاء فيعمد إلى تشويه صورته بشكل أوسع عبر تعليقاته المسيئة، ويشاركه في التنمّر الأشخاص التابعون له، وفي المقابل، قد يحدث تبادل في الأدوار فيرد الضحيّة بأسلوب التنمّر نفسه، خصوصًا إذا كان يعرف نقاط ضعف المتنمّر.
 
ما الفرق بين التنمّر الواقعي والتنمر الإلكتروني في العالم الافتراضي؟
التنمّر العادي يكون وجهًا لوجه، وغالبًا ما ينتهي مع انتهاء العام الدراسي، وإذا لم يكن لدى المتنمّر والضحية نشاطات مشتركة خارج إطار المدرسة، فيما التنمّر الإلكتروني، فلا مهرب منه ويزداد سوءً إذا لم تكن الضحية قادرة على الدفاع عن نفسها، لأن ثقتها بنفسها ضعيفة وشخصيتها متردّدة، فصحيح أنه لا يؤذي جسديًا، ولكن يشعر المراهق الضحية بالضعف والاستياء الشديد، فيشعر بالخوف والوحدة والتوتر، ولا يمكنه تخطّي هذه المشاعر، ولا مفر من الهروب من التنمر الإلكتروني، لأن أي شخص أصبح قادرًا على الولوج إلى هاتف الضحية الذكي أو صفحته الإلكترونية.
 
الطفل أو المراهق المتنمّر شخص يشعر بالألم في داخله، ولا يشعر بالراحة في أعماق نفسه، رغم أنه يُظهر عكس ذلك، فهو: لديه شعور بالنقص العاطفي، مثلًا يشعر بأن لا مكانة له في العائلة، قد يكون له شقيق أكبر منه يسترعي كل انتباه الأهل واهتمامهم، وبالتالي لا يأخذ الوالدان وجوده في الاعتبار، إذًا هو يبحث عن مكانته،. والداه مشغولان ولا يخصّصان الوقت للجلوس معه والاستماع إليه والحوار معه، وقد يكون هذا المتنمّر مفرط الدلال، يعيش في محيط اجتماعي لا يوجد من يقول له «لا»، وقد يكون سبب ذلك أيضًا انشغال الأهل، وبالتالي فهم يوفرون له كل الأمور المادية في مقابل غياب الاهتمام العاطفي المعنوي، فينتج من هذا الدلال المفرط أن الطفل أو المراهق المتنمّر يعتبر الآخرين أشياء يمكنه التحكم فيهم والسيطرة عليهم، ويستخدمهم أداة له.
 
ويعزز المحيط العائلي من شخصية المتنمّر، مثلًا كأن يكون الأب ممن يحلّون مشاكلهم من طريق العنف أو الترهيب، أو حتى عبر التنمّر الإلكتروني، فعندما يرى والده ينفجر من الضحك بسبب مقطع فيديو لأحد أصحابه ويرسله إلى الآخرين، إذًا صورة العنف موجودة في العائلة، ويفتخرون بها بل هي ميزة، وليست لديهم مشكلة في هذا التميز، إذًا هذا الطفل ينشأ في محيط يختلف في قيمه الاجتماعية عما هو متعارف عليه في المجتمع والمقبول به، ولكن يبقى السبب النفسي هو الراجح، وذلك بتعرضه للعنف في محيطه العائلي، وهذا أحد الاحتمالات، ففي بعض الأحيان يكون في البيت شخص يسيطر عليه، يمكن أن يكون الأخ أو الأخت أو أحد والديه وربما الخادمة.
 
أي يوجد في العائلة من يعامل الطفل في شكل عنيف، ما يضطر هذا الطفل أن ينفّس عن الكبت أو الغضب الموجود في داخله، وبالتالي يتنمّر في المحيط الاجتماعي خارج إطار العائلة، في المدرسة أو في النادي الرياضي... أو عبر شبكة التواصل الاجتماعي المشارك فيها، إذ ليس بالضرورة أن يأخذ التنمّر صورة العنف الجسدي، بل يمكن أن يكون أيضًا معنويًا، والتنمر الإلكتروني أحد أشكاله.

كيف يمكن الأهل معرفة ما إذا كان ابنهم متنمرًا؟ وماذا عليهم أن يفعلوا؟
يصعب عليهم اكتشاف صفة التنمر عند ابنهم، لذا دور المدرسة أساسي وهي التي تُعلم الأهل من خلال رسالة تفيد بأن ابنهم مطرود، هذا في حال التلميذ المراهق، بينما بالنسبة إلى الطفل فيتم استدعاؤهم إلى المدرسة،  فالأهل لن يكتشفوا التنمّر في شخصية ابنهم وحدهم، وربما في لا وعيهم لا يريدون اكتشاف ذلك، وينكرونه، لأنهم إذا اكتشفوا الأمر يضطرون إلى مساءلة أنفسهم ليعرفوا سبب تقصيرهم، وينتبهوا إلى أنهم ربما أفرطوا في دلاله، مثلًا لم يكن يجوز لهم أن يعطوه هذا الكم من النقود ليشتري ما يشاء ويتنمّر على أقرانه ويستهزئ بهم، ما يفرض عليهم تغيير أمور كثيرة في حياتهم، لذا يحاولون إنكار شخصية ابنهم المتنمر، وهنا نتكلم على الأهل الغائبين في حياة ابنهم.  

وبالنسبة إلى الأهل الحاضرين في حياة ابنهم، يمكن الأم مراقبته دائمًا، مثلًا عندما يأتي أصدقاؤه إلى المنزل تراقب الأم كيف يتصرفون معه والأحاديث التي تدور بينهم، وعندما يودّعونه بماذا يلقبونه؟ المهم مراقبة محيط الابن خارج إطار العائلة، إذا عاد من النادي الرياضي، هل كان يرتدي ثياب طفل آخر أم لا؟ هل ثيابه ممزقة؟ مظهر الطفل وسلوكه مؤشران للأهل، وهذا في حال التنمّر الواقعي، أما في حال التنمر الإلكتروني، بداية على الأهل أن يكونوا على اطلاع ومعرفة بوسائل الاتصال الإلكتروني، لكي يعرفوا ماذا يجري في هذا العالم الرقمي، كما عليهم أن يكونوا على حوار دائم مع أبنائهم، ويتحققوا من سلوكهم، فإذا لاحظ الأهل تغييرًا في سلوك ابنهم، كأن يصبح انطوائيًا أو يجلس طويلًا وحده لا يحب أن يلتقي أحدًا، وكيف يكون رد فعله بعدما تأتيه رسالة نصّية على الهاتف الجوال.
وهنا على الأهل أن يتحقّقوا من الأمر بألا يسألوا ابنهم بشكل مباشر، وإنما بفتح حوار حول شبكة التواصل الاجتماعي، فإذا كان للأم حساب على "فيسبوك"، يمكن أن تقول مثلًا: "معقول صديقتي الحميمة كتبت نصًا ضدّي"، فعرض مشكلة وإن كانت غير صحيحة يدفع بالابن أو الابنة للتحدّث عما يجري معها عبر شبكة التواصل الاجتماعي.
ماذا يحدث للمتنمر في المستقبل؟
المتنمر ليس إنسانًا سيئًا، وعندما تكون لديه حاجة عاطفية في الاستهزاء من شخص آخر، ليس بالضرورة أن يكون متفلتًا من القيم الاجتماعية، ومع الوقت يخف ميله إلى التنمر إذا كان هناك تعاون بين المدرسة والأهل والاختصاصي بشكل جيد، فخلال شهر ينتهي سلوك التنمّر، ومن المهم جدًا دور المدرسة والتواصل بينها وبين الأهل.
 
كيف يمكن منع التنمر الإلكتروني؟
إذا تلقى المراهق رسالة أو تعليقًا مسيئًا، عليه إرسال تقرير إلى شركة شبكة التواصل الاجتماعي، فمعظم الشبكات الاجتماعية لديها تطبيقات تمكن المشترك من تقديم التقرير عن الصفحة التي تخترق صفحته، أمّا إذا كان يتلقى رسائل مسيئة على هاتفه الذكي فمن من المهم أن يخبر أحدًا بذلك، وقد يكون أحد الوالدين أو المدرّس، أو شخص بالغ آخر يثق به مثل الخال أو العم، في بعض الأحيان قد يكون من المهم إبلاغ دائرة جرائم المعلوماتية، لذا عليه حفظ الرسائل المسيئة كدليل يسهّل الملاحقة القانونية.
 
وتشير الدراسات إلى أن التنمر الإلكتروني قد يكون أكثر إساءة من التنمر العادي، ولاحظت الآتي: تم تخويف ما يقرب من 43٪ من الأطفال على الإنترنت، فطفل من 4 أطفال تعرض للتنمر الإلكتروني أكثر من مرة. 70 ٪ من الطلاب رأوا تنمرًا متكررًاعلى الإنترنت، وأكثر من 80٪ من المراهقين يستعملون الهاتف الخليوي بشكل منتظم، ما يجعله الوسيلة الأكثر شيوعًا للتنمّر الإلكتروني، و68 ٪ من المراهقين يتفقون على أن التنمر الإلكتروني مشكلة خطيرة، و81 ٪ من المراهقين يعتقدون أن التخلص من التنمر الرقمي أسهل من التنمر الواقعي، أي الذي يحدث وجهًا لوجه.

أما90 ٪ من المراهقين الذين رأوا أو قرأوا رسائل تنمّر على صفحات التواصل الاجتماعي يقولون إنهم تجاهلوها، فيما 84٪ طلبوا من المتنمر أن يتوقف، و1 من كل 10 ضحايا أبلغ أحد والديه أو راشدًا موثوقًا به عن الإساءة التي تعرض إليها عبر الإنترنت، وعدد الفتيات ضحايا التنمر الإلكتروني هو ضعف عدد الصبيان، حيث أن نحو 58٪ من الأطفال يعترفون بأن أحدهم قد تعرّض لهم بالإساءة الجارحة عبر الإنترنت، وأكثر من 4 من كل 10 يقولون إنه حدث أكثر من مرة.
 
ويعد ضحايا التنمر الإلكتروني هم أكثر عرضة للاكتئاب الشديد بنسبة 2 إلى 9 مرات أكثر من ضحايا التنمر الواقعي، ونحو 75٪ من الطلاب أفادوا بأنهم زاروا موقعًا إلكترونيًا يسيء إلى طالب آخر.
كيف يمكن منع التنمر الإلكتروني
محاولة التعرف إلى دافع المتنمر: يمكن المتنمر أن يكون صديقًا، أو أي شخص تعرفه جيدًا، فإذا بدا أن في الإمكان التحدث إلى الشخص المتنمر، أطلب منه أن يتوقف فورًا، على أن يكون الطلب منه شخصيًا، أي وجهًا لوجه، لا من طريق البريد الإلكتروني أو رسالة نصية، وتذكر أنه لا يوجد بالضرورة سبب منطقي للتنمر، فأحيانًا يزعج بعض الناس الآخرين بسبب الشكوك الخاصة بهم.
 
وفي كل الأحوال، لست المسؤول أو المُلام على عدم ثقتهم بأنفسهم، فإذا كنت لا تعرف الذي يضايقك، أو إذا كنت تتعرض للتنمر من جانب مجموعة الحديث معهم لا يكون ذا جدوى، وفي هذه الحالة، يجب تبليغ إدارة الموقع الذي تستخدمه.
 
عدم الرد على الرسائل المستفزة: إذا لاحظت أن المتنمر لا يستجيب للمناقشة الهادئة، توقف عن الرد على الرسائل النصية، والرسائل الفورية ورسائل البريد الإلكتروني الموجهة إلى المتنمر، فهو يريد فقط استفزازك وبالتالي جعل الأمور أسوأ، وربما قد يهدّدك بالرسائل التي بعثتها، خصوصًا إذا كانت تحتوي على شتائم، فلا تهدد المتنمّر، كإرسال نص تهدده فيه، فإنك بذلك تشجعه على المثابرة في سلوكه السيئ، ويمكن أيضًا أن يسبب لك المشاكل، فقد يستعمل رسائل التهديد ضدك، وقد يقدم شكوى قضائية في حقك.
 
الاحتفاظ بالأدلة: من الضروري حفظ جميع رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية، والرسائل الفورية، وعناوين الويب وغيرها من الأدلة، وسجّل ساعة وتاريخ إرسال كل رسالة، فبمقدار ما تملك من معلومات عن الشخص المتنمر، تتمكن من تحديد هويته، وبالتالي التقدّم بشكوى إلى شرطة جرائم المعلوماتية وتوقيفه بسهولة، ذلك أن لديك كل الأدلة التي تدينه.
 
وحجب المتنمر ومنعه من الولوج إلى بريدك من خلال منع الشخص من التواصل المباشر معك، وبمجرد الانتهاء من تسجيل جميع الرسائل القديمة التي تلقيتها، اتخذ الخطوات التالية لحماية نفسك: احذف المتنمر من لائحة المعارف ومن صندوق البريد الخاص بك وأقفل المحادثة، وألغيه من صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بك، وتأكد من عدم تمكنه من الولوج إلى حساباتك الإلكترونية، وامنعه من الاتصال على هاتفك الخاص، فهناك بعض الهواتف الذكية التي لديها تطبيقات تحجب تلقائيًا الشخص الذي لا ترغب في أن يتصل بك.
 
تغيير إعدادات الخصوصية في حسابك: لمنع المتنمّر من العثور على طريقة جديدة للاتصال بك، عليك الحد بشكل كبير من كمية المعلومات الشخصية على شبكة الإنترنت، ويكون ذلك باتخاذ الخطوات التالية لحماية نفسك: لا تكشف عنوانك أو رقم الهاتف الخاص بك على الإنترنت، فالشبكات الاجتماعية تسهل الاتصال بين الناس في نواح كثيرة، ولكن يمكنك تغيير إعدادات الخصوصية لحمايتك، فغيّر اسمك المستعار وكل ما يحدد هويتك على حسابك الإلكتروني وغيره من وسائل التعرف على الانترنت، وإذا كنت تستخدم الاسم المستعار نفسه لأعوام، يمكن المتنمّر إيجاد وسيلة لمواصلة مضايقتك متظاهرًا بأنه شخص آخر.
 
ولمنع هذا الاحتمال، عليك تغيير اسم الشهرة الخاص بك، وحجب صورتك الشخصية وغيرها من المعلومات التي قد تسهّل تحديد الهوية الخاصة بك على الانترنت، وأسّس حسابًا جديدًا، فإذا كنت تخشى أن ينتحل المتنمّر صفتك الشخصية، عليك إنشاء حساب جديد حتى لا يتمكن من انتحال شخصيتك، وأعلم من حولك من المقربين فقط أن لديك عنوان بريد إلكتروني جديداً، أو صفحة جديدة على الشبكات الاجتماعية.