واشنطن_ اليمن اليوم
الفقر.. من الكوارث التي تحل بالإنسانية في فترات معينة وأماكن معينة لظروف خاصة مزرية أياً كانت، من حروب أو سرقات، أو ضعف الأنظمة الأمنية، وغياب الأخلاق وانعدام العاطفة في قلوب المجتمعات البازخة في ترفها.
الأبحاث كشفت عن حجم أصغر في أدمغة الأطفال الفقراء مقارنة بالأغنياء، وهو ما يعد شكلاً جديداً للفقر، حيث وجدت دراسات حديثة أن الاختلافات في المدخول المادي بين الناس تترافق مع اختلافات موازية في أحجام أدمغة أطفالهم، ويترتب على ذلك ضرورة تدخل السياسيين والعلماء لإنقاذ الموقف.
يساهم بحث إموردينو يانج في حقل متنام يُدعى علم أعصاب الفقر. وعلى الرغم من أنه مازال معتمداً بشكل كبير على العلاقات المتبادلة بين أنماط ونماذج الدماغ وبين بيئات معينة، إلا أن البحث يشير إلى نتيجة مقلقة ألا وهي تأثير الفقر والأوضاع المصاحبة له، مثل العنف والضوضاء الزائدة وفوضى المنزل والتلوث وسوء التغذية والإساءة وبطالة الأهل، على تشكيل وتشذيب التفاعلات والاتصالات العصبية في الدماغ لدى صغار السن.
أدى تقريران مؤثران نُشرا مؤخراً إلى فتح الحوار العام حول هذا الأمر. إذ وجد أحد التقارير أن لدى الأطفال الفقراء قدراً أقل من المادة الرمادية، وهي أنسجة الدماغ المسؤولة عن دعم معالجة المعلومات والسلوك التنفيذي، في الحصين (المشارك في الذاكرة)، والفص الجبهي (المشارك في اتخاذ القرار وحل المشكلات والسيطرة على الانفعالات والحكم والسلوك الاجتماعي والعاطفي)، والفص الصدغي (المشارك في اللغة والمعالجة السمعية والبصرية والوعي الذاتي). ويُعد العمل المشترك لهذه المناطق الدماغية حاسماً في اتباع التعليمات والانتباه والتعلم بشكل عام، وهي بعض مفاتيح النجاح الأكاديمي.
فحصت الدراسة، الني نُشرت في الدورية العلمية JAMA Pediatrics في عام 2015، 389 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 4 أعوام و22 عاماً. جاء ربع المشاركين من بيوت تقع تحت خط الفقر الفيدرالي (حوالي 24 ألف دولار كدخل سنوي لأسرة مكونة من 4 أفراد في عام 2016). زاد انخفاض المادة الرمادية لدى الأطفال القادمين من الخلفيات الأفقر وكانت نتائج اختباراتهم الموحدة هي الأقل.
أما الدراسة المفتاحية الأخرى، المنشورة في Nature Neuroscience في عام 2015 أيضاً، ففحصت 1099 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 3 و20 عاماً، ووجدت أن أطفال الأسر الأفقر قد عانوا من انخفاض المنطقة السطحية للدماغ، مقارنة بالأطفال الذين تجني عائلاتهم 150 ألف دولار أو أكثر سنوياً.
يقول الدكتور جاك شونكوف، مدير مركز نمو الطفل في جامعة هارفارد، “عرفنا منذ وقتٍ طويل عن العلاقة بين اختلاف الطبقات الاجتماعية والنتائج التعليمية والصحية”، لكن علم الأعصاب تمكن حالياً من الربط بين البيئة والسلوك والنشاط الدماغي، وهو ما قد يقود إلى تغييرات إصلاحية مذهلة في السياسات الاجتماعية والتعليمية، مثل إعادة النظر في البرامج التي تركز على تعلم القراءة والكتابة في وقت مبكر.
وأضاف أن المناهج الجديدة يمكنها أن تركز على النمو الاجتماعي والعاطفي أيضاً، بما أن العلم قد أخبرنا حالياً بالعلاقات والتفاعلات مع البيئة وأثرها في تشكيل مناطق الدماغ المسؤولة عن السلوك (مثل القدرة على التركيز)، والتي يمكنها التأثير على الإنجاز الأكاديمي (مثل تعلم القراءة). وتابع شونكوف حديثه قائلاً “الآن نحن نحيا ثورةً في علم الأحياء”، وهي ثورة توفر لنا نتائجها الحديثة فهماً حقيقياً للتفاعل بين الطبيعة والتنشئة.