صنعاء ـ خالد عبدالواحد
أجبرت مها علي على ترك طفليها وزوجها والعيش في مكان آخر والزواج من شخص آخر بسبب العادات والتقاليد اليمنية التي تفرق بين أبناء المجتمع على حسب العرق "النسب" ومكانة الأسرة المهنية. ومها تنتمي لفصيلة المزاينة (الحلاقين والجزارين ) حسب تقسيم المجتمع اليمني إلى طبقات متعددة منها سادة الحكم في البلاد (الرؤساء والحكام ) ومشايخ القبائل اليمنية، والسادة "الهاشميين" الذين ينتمون إلى أسرة الرسول محمد )، وعامة الناس "المثقفين والمزارعين" وهناك المزاينة وأصحاب الأيادي السمراء (الاخدام) الذين ينتمون لأصول أفريقية.
وتقول مها علي (40عاما) إنها تزوجت في مدينة تعز جنوب البلاد وأنجبت من زوجها اثنين أبناء، وأضافت أن زوجها لم يكن يعلم أنها تنتمي للمزاينة كما أنها لم تكن تعلم أن المجتمع يمنع الزواج من الفصائل الأخرى ويجعل من ذلك عيبا ستتحمل يوما عواقبه .
وأضافت أنه بعد ست سنوات من الزواج زارها بعض أقارب زوجها في مدينة تعز وجلسوا يبحثون عن نسبها خفية، فاكتشفوا أنها لا تنتمي للقبائل وأنها من المزاينة فأجبرو زوجها على أن يطلقها أو يتبرأ من أسرته باعتبار الزواج منها عيبا ومنقصة بحقهم.
وأشارت مها إلى أنها اصيبت بحالة نفسية عقب طلاقها من زوجها ناصر محمود، رغم محبته لها وكذلك حبها الشديد له، مؤكدة أن ناصر استطاع أن يكمل حياته وتزوج بغيرها بينما هي الآن تعيش في حالة نفسية مضطربة منذ أكثر من عشرين عاما .
وبينت أنه رغم مرور الكثير من الوقت لكنها لم تنس الصدمة ولازال المرض يلاحقها رغم أنها تزوجت بآخر عقب الحادثة بعشرة أعوام من أحد اقربائها شفقة بحالتها النفسية السيئة. ولقد تزوجت مها بأحد موظفي البلدية (علوان سعيد 60عاما ) والذي يعمل في أحد المرافق الصحية، والذي يماثلها في الطبقة العرقية وأضحى يعيش معها رغم مرضها ويحاول أن يسعدها ومعالجتها ويخرجها من أزمتها النفسية رغم أنها لم تنس زوجها السابق قط حسب قولها.
(مهن طبقية )
وأضحت المهن في اليمن عيبا على محترفيها فالحدادة والجزارة والحلاقة وغيرها من المهن أصبحت تنسب إلى صاحبها وأضحى المجمع يتعامل مع المهنة كطبقة اجتماعية ناقصة. وبات الزواج في اليمن يمارس تحت مظلة الانساب والأجناس العرقية فلا يتم الزواج إلا إذا كان من نفس المكانة أو القبيلة ويترتب على غير ذلك الكثير من الإشكالات الاجتماعية والتي تسببت في ارتفاع نسبة العنوسة في اليمن، بشكل كبير، وتدمير الكثير من العلاقات الزوجية التي هي أساس بناء المجتمع بسبب التفاخر بالأنساب والتميز العرقي بين مكونات المجتمع.
فأبناء الجزارين والحلاقين أو ما يطلق عليهم في اليمن بـ(المزاينة) رغم انهم يمتلكون شريحة كبيرة في المجتمع اليمني كما أن غالبيتهم من طبقة الاغنياء إلا أن المجتمع ينظر إلى هذه المهن عيبا ونقصا ويتحمل أبنائهم عواقب ذلك.
ويقول ماجد العلفي (22عاما) الذي ينتمي إلى محافظة المحويت شمالي البلاد أنه بعد أن وقع في غرام احدى بنات الحي الذي يعيش فيه وسط العاصمة صنعاء ذهب لطلب يدها لكن أسرتها لم توافق ورفضت رغم ثراء الشاب وأخلاقه العالية إضافة إلى حب الفتاة له. ويُضيف ماجد انه اضطر إلى الزواج من إحدى قريباته، رغم أنه كان يريد الفتاة التي أحبها، مبينا أن أسرة الفتاة رفضت تزويجه لأنه يمتهن الجزارة (ذبح وبيع اللحوم) مشيرا إلى لأنه يشعر بالاستياء الشديد من المجتمع الذي يعتبر المهنة عيبا رغم حاجة المجتمع إليها.
واشار إلى أن الفتاة لم تتزوج حتى الآن منذ عامين لعدم قبول أسرتها الزواج رغم أن هناك الكثير من المتقدمين لها ،غير أن عائلتها يعتبرون أنفسهم ذوي مكانة رفيعة في المجتمع. ويعمل الجزار"ببيع المواشي وذبحها وبيع اللحوم والذي يعتبره المجتمع نقصا كبيرا في حق العاملين في هذه المهنة .
وفي محافظة الحديدة غرب اليمن اقدمت فتاة على طعن والدها لعدم قبوله تزويجها من الشاب الذي تقدم لها وتكن له الكثير من الحب . وقالت مصادر مقربة من الفتاة إنها طلبت من أبيها أن يقبل تزويجها من الشاب الذي تحبه لكنه رفض لكونه حلاق. وأضافت المصادر أن الفتاة هددت والدها بالانتحار أن لم يقبل بزواجها من الشاب لانه زميلها في الجامعة وشاب مثقف، لكنه رفض فطعنته ونقل على إثرها إلى المستشفى بينما فرت الفتاة إلى منزل احد أقاربها والقت قوات الأمن القبض عليها، ومن جهة أخرى اقدم والد على قتل ولده في العاصمة بسبب الظروف الصعبة التي أجبرته على العمل في الجزارة معتبرا أن ذلك ينقص من قيمة الأسرة والقبيلة التي ينتمون اليها.
وفي مدينة اب وسط اليمن يوجد حي خاص بالجزارين والحلاقين ،حيث يعتبرون انفسهم قبيلة لوحدها كما أنهم يمتلكون ثروات هائلة ولديهم شيخ لقبيلتهم شيخ الجزارين، ولا يتصاهرون مع أحد سوى مع طبقتهم الممتهنين لمهنتهم .