لندن - اليمن اليوم
نشرت صحيفة "الإندبندنت" تقريرا أعدته الصحافية بيل ترو، تحت عنوان "البصرة تغلي.. السكان يخشون من صنابيرهم في وقت تهدد فيه أزمة المياه في العراق بزعزعة استقرار المنطقة"، وأشارت ترو خلال تقريرها إلى الحديث عن كميات الملح التي تراكمت بحجم قبضة اليد في أنابيت بيت متداع يعيش فيه حامد عبدالوهاب في البصرة، التي وصفت مرة بأنها "فينسيا الخليج"؛ بسبب تعدد قنوات المياه فيها، مشيرة إلى أن بيته الصغير في منطقة كوت الثواني، وهو حي فقير على طرف المدينة، هو واحد من العديد من البيوت المحاطة بمياه المجاري والنفايات.
وبيّن التقرير أن والد الستة أطفال توقف عن جرد حبات الملح من الصنابير التي تقذف عادة المياه الراكدة المحملة بالأمراض، لافتا إلى أنه في أيام الصيف الحارة، التي تصل فيها درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية، فإن عائلته تداوم على فحص أنبوب مياه في الحمام للتأكد من وصول مياه نظيفة صالحة لغسيل ملابسهم.
وتنقل الصحيفة عن عبدالوهاب، قوله إن المياه "عديمة النفع، ولا يمكن استخدامها لغسيل الأواني، ذق هذا الكأس، فهو أملح من مياه البحر".
وتقول ترو إن "أزمة المياه في البصرة هي نقطة تحول نهائية في قائمة من المشكلات التي تعاني منها بلدة عبدالوهاب، وتشهد احتجاجات منذ آب/ أغسطس، حيث تدفق الآلاف من المحتجين إلى شوارع المدينة، يطالبون بالمياه الصحية والخدمات، ما أدى إلى حرق مؤسسات فيها، وتهديد حكومة حيدر العبادي".
ويجد التقرير أن "العراق المنهك من ثلاثة أعوام نزاع مع تنظيم الدولة، يبدو الآن على حافة الانفجار، ففي الماضي تم التعامل مع أزمة نقص المياه على أنها الجانب المؤسف للنزاع، لكنها برزت فجأة، وتهدد استقرار المنطقة".
ويقول الموظف الحكومي عبدالوهاب للصحيفة: "ليست المياه فقط.. تنقصنا الكهرباء والبنى التحتية والوظائف، ونجلس نراقب الشركات الأجنبية وهي توظف الأجانب، بينما يجلس أبناؤنا المتخرجون في الجامعات في بيوتهم"، ويضيف: "لكن نقص المياه جعل بقية المشكلات تتجمع وتنفجر، وأصبحت خطيرة بسبب المياه لأنها ضرورية للحياة".
وتقول الصحيفة إن "على العالم أن يقلق مما يحدث في البصرة، فخبراء البيئة الذين تم تجاهلهم حذروا دائما من استمرار أزمة البصرة وبقية مشكلات العراق دون علاج، ونقص المياه في العراق لا يعني فقط انتفاضات وعنفا واضطرابات، بل إنه أدى إلى تغذية التطرف والتجنيد له، وانهيار المعيشة للناس والتهجير الجماعي".
وتورد الكاتبة نقلا عن المراسل في مركز المناخ والبيئة، الذي تابع أزمة المياه في العراق لسنين، بيتر شوارزتسين، قوله: "أصبحت المياه موضوعا أمنيا للحكومة في العراق والقوى الأخرى المهتمة بمستقبل البلد"، وأضاف: "لكن رغم التركيز على استقرار العراق فإنه كان هناك اهتمام قليل ومثير للقلق بمدى ما تسهم به هذه العوامل البيئية للوضع الأمني"، مشيرا إلى أن عدم العثور على كأس ماء نظيف في البصرة يدعو للدهشة، خاصة أنها تعد واحدة من أثرى المحافظات العراقية، ومركز نسبة 70% من احتياطات النفط، ومينائها الرئيسي في أم قصر.
كما أن المفارقة الثانية هي أن البصرة تقع على طرف زاوية الأهوار، التي يلتقي فيها دجلة والفرات، ويندمجان في الخليج، مشيرا إلى أن المدينة ظلت مركز مناطق الشيعة في الجنوب، التي كانت في قلب الحرب المدمرة مع إيران في ثمانينات القرن الماضي، والانتفاضة ضد صدام حسين في التسعينات من القرن الماضي، فيما أصبحت البصرة بعد الغزو الأميركي عام 2003 مركز دعم للجماعات الشيعية التي سيطرت على الحكومات المتعاقبة، وتعاملت الأحزاب على أن دعم سكان البصرة، البالغ عددهم مليوني نسمة، هو تحصيل حاصل.
وتنوه الصحيفة إلى أن الأزمة بدأت بالغليان هذا الصيف بشأن إدخال عدد من الذين شربوا المياه الملوثة للمستشفيات، حيث تم إدخال رقم هائل من الذين أصيبوا، وبحسب مدير صحة البصرة عبدالله أمير، فإنه تمت معالجة 90 ألفا في المستشفيات، وقال إن قال نحو 4 آلاف شخص طلبوا العلاج في الشهر الماضي.
وتنقل الكاتبة عن المستشفيات، قولها إنها لم تستطع استيعاب العدد الكبير، حيث تمت معالجة المرضى في ذروة الأزمة على الأرض وفي ممرات المستشفيات، مشيرة إلى أن مباريات دوري كرة القدم العراقية تأثرت بهذه الأزمة، فتم إلغاء مباراة مهمة عندما انتهى الأمر بفريق من بغداد إلى غرفة الطوارئ، وأخذ الفريق معه مياه معلبة احتياطا، لكنهم استحموا بمياه المدينة قبل موعد المباراة.
ويفيد التقرير بأن ما زاد من الأزمة في الصيف هو الطريقة التي تعاملت فيها الحكومة معها، حيث قتل نحو 27 شخصا برصاص الأمن، وجرح 100 أو يزيد، لافتا إلى أن المتظاهرين يزعمون أن الشرطة فتحت النيران عليهم مع بدء التظاهرات في تموز/ يوليو.
وتشير الصحيفة إلى أن الحشود الغاضبة قامت بحرق المباني الحكومية، وكذلك القنصلية الإيرانية ومقرات الأحزاب الموالية للحكومة الإيرانية، بينما أطلق مهاجمون قنبلة صاروخية في مطار البصرة، حيث مقر القنصلية الأميركية، وقررت الحكومة نشر قوات إضافية، وفرضت حظر التجول لمنع انتشار الاحتجاجات إلى المدن الأخرى، وهددت بوقف تصدير النفط.
وتقول ترو إن جدالا اندلع في البرلمان في بغداد بشأن طريقة معالجة الأزمة في مدينة البصرة، وطالب عدد من النواب باستقالة رئيس الوزراء حيدر العبادي، مستدركة بأنه رغم الوعود الحكومية بتحويل أموال وتحسين البنى التحتية، إلا أن البصرة لا تزال تغلي، ويواصل المحتجون التجمع مرة في الأسبوع.
وينقل التقرير عن المتظاهرين قولهم إنهم يتلقون تهديدات بالموت من الجماعات الموالية للحكومة والفصائل السياسية القوية التي تتحكم في المدينة، مشيرا إلى أنه تم اغتيال سعاد العلي، وهي محتجة وأم لأربعة أطفال، وهي التي نظمت عددا من الاحتجاجات في وضح النهار خارج سوق، حيث كشفت كاميرا اغتيال العلي وهي تركب سيارتها مع زوجها، كما أن الولايات المتحدة أعلنت الخميس عن إغلاق القنصيلة في البصرة، ونقلت العاملين فيها إلى مهام أخرى، مشيرة إلى تهديدات "متزايدة وحقيقية"، بما في ذلك تهديدات من إيران ومليشيا مدعومة منها، بما في ذلك مقذوفة صاروخية.
وتذهب الكاتبة إلى أن المطلب البسيط للمياه أصبح ورقة مشتعلة ألهبت المظالم العميقة والنزاعات المرة، التي تجري داخل المجتمع العراقي المهشم، لافتة إلى أن العبادي عاجل بالسفر إلى المدينة قبل أسبوعين، وحاول ترضية المتظاهرين، وإسكات المطالب الداعية لاستقالته.
ويلفت التقرير إلى أن تحالف العبادي مع مقتدى الصدر، الذي كان سيوفر له فرصة حكم ثانية، انهار بسبب البصرة، بينما استعد تحالف الفتح، المكون من قادة الحشد الشعبي، لتشكيل تحالف مع الصدر، وإعلان الحكومة دون العبادي، الذي قال إنه فشل في معالجة أزمة البصرة، مشيرا إلى أن العبادي دعا إلى تحقيق وأعلن عن ميزانية لم يحددها لمعالجة أزمة المدينة، وتبع ذلك إعلان مكتبه عن قائمة من تسع نقاط للعمل وإعادة تأهيل شبكة المياه وتطهيرها، ومنع التلوث من محطات النفط، كما أنه من غير المعلوم إن كانت هذه الخطة ستؤدي إلى تخفيف الغضب، مشيرة إلى أنه رغم التهديدات و"قائمة الاغتيال" المزعومة، فإن المتظاهرين لا يزالون يتجمعون بشكل منتظم للمطالبة بحكومة محلية جديدة، وتدخل فيدرالي عاجل لإصلاح البنية التحتية للمدينة.
وتصف ترو الوضع في التظاهرات بالمتوتر، حيث يقوم الأمن بالتخفي بطريقة غير جيدة، ويقومون بتصوير المشاركين في التظاهرات، ويشدد رجال الأمن من عرباتهم المحملة برشاشات الرقابة مع تقدم التظاهرة إلى جانبهم.
ويورد التقرير نقلا عن قادة المتظاهرين، قولهم إنهم أعدوا قائمة مطالب، منها محاسبة قوات الأمن على قتل المتظاهرين، ويخططون لتقديمها إلى المحافظ الجديد، وإن لم تنفذ في إطار زمني فإنهم سيتحركون نحو العصيان المدني.
ويقول الأكاديمي كاظم السهلاني، قوله: "إنها ليست بسبب المياه، فإن البصرة كلها دمرت على يد الأحزاب السياسية التي حكمتها، واستخدموا المال والسلطة على مدى 15 عاما لخدمة مصالحهم وملء جيوبهم"، وأضاف: "لدينا الكثير من المشكلات مع الوظائف والإسكان والتعليم والأمن، لكن المياه هي التي تحظى بانتباه، وظلوا يعدوننا ولم نر شيئا، وأهملت السلطات سكان البصرة بشكل كامل".
وتنقل الكاتبة عن المتظاهرين، قولهم إن مليارات الدولارات التي وعدت بها الحكومة مع بداية أول موجة تظاهرات في تموز/ يوليو لم تظهر، ولهذا لم يعودوا يثقون بوعود العبادي، لافتة إلى قول أحلام (33 عاما): "ثلاثة مليارات دولار و10 آلاف وظيفة وعد بها رئيس الوزراء قبل شهرين، لكن محافظ البصرة يقول لا يوجد شيء من هذا القبيل.. المحافظ هو من حزب رئيس الوزراء ذاته فكيف نثق بهما؟".
وينوه التقرير إلى أن سكان المدينة والمحتجين يحاولون فهم السبب الذي أدى إلى أزمة المياه، حيث يقول المسؤولون والخبراء إن عاصفة رملية كانت وراء المشكلة، فموقع البصرة هو في نهاية المصب، وهي نهاية لسلسلة طويلة تبدأ من تركيا وسورية، حيث تحمل معها الأنهار التي تجف بسبب التغيرات المناخية من فضلات وأساليب تقليدية للري والسدود المقامة على عكس تيار المياه.
وتنقل الصحيفة عن وزارة المياه، قولها إن السدود التي أقامتها تركيا قد خفضت من منسوب مياه الفرات بنسبة 50%، ويتوقع انخفاضها عندما ستبدأ تركيا بملء سدها المثير للجدل إليسو في كانون الأول/ ديسمبر، وهي عملية قد تحتاج خمسة أعوام.
وتستدرك ترو بأن مشكلة المياه محلية، حيث تأتي معظم مياه المدينة من شط العرب، حيث يلتقي دجلة والفرات، ويصب في مياه الخليج العربي، ويمتلئ الممر المائي بالنفايات والأوساخ وفضلات النفط ومياه المجاري من العراق وإيران، مشيرة إلى أنه نظرا لتدني منسوب المياه النقية من الشمال، فإن المياه من الخليج العربي تدفقت على مدى 100 كيلومتر إلى الممر المائي، بشكل زاد من مستويات الملح بنسبة ستة أضعاف عن المعيار الذي وضعته منظمة الصحة العالمية.
ويفيد التقرير بأن الوضع في هذا الصيف كان سيئا بسبب الشتاء الجاف، الذي لم يؤد إلى ذوبان الثلوج في المناطق الجبلية، بحسب شوارتزستين الذي قضى الشتاء في جبال كردستان، وزاد معدل الحرارة في العراق درجتين مئويتين بسبب التغيرات المناخية، مستدركا بأن شوارتزستين وبقية الخبراء قالوا إن المشكلة تكمن في الفساد الخارج عن السيطرة.
وتكشف الصحيفة عن أنه تم تحويل معظم مياه البصرة الصحية للعمليات التي تحتاج مياها كثيرة، مثل أحواض تربية السمك، لافتة إلى أنه بسبب كون الشبكة التي بنيت في الستينيات لم يتم تغييرها أو إصلاحها، فإن مياه كثيرة تذهب بسبب التسرب، ولا يمكن لعمليات التحلية ومعالجة المياه التخلص من نسبة الملح المتسرب من الخليج والفضلات التي يرميها السكان.
وتنقل الكاتبة عن أستاذ العلوم البحرية في جامعة البصرة شكري حسن، قوله إن هذا يعني مستويات "غير مسبوقة" من التلوث، التي زادت أربعة أضعاف خلال العقد الماضي، ومستمرة في الزيادة، ويضيف: "يتم العثور على ملوثات عدة في شط العرب، بما في ذلك الجراثيم الكيماوية والطحالب السامة، وهناك تركيز عال للملح مثل مستوى البحر، وهي بالتأكيد مياه بحر".
وبحسب التقرير فإن وزير مصادر المياه حسن الجنابي لم يخف مشاكل العراق المائية، وتحدث من مقره في المنطقة الخضراء، ولن يخفي استياءه من الطريقة التي تعاملت فيها مؤسسات الدولة مع مشكلة المياه، مشيرا إلى أن وزارة المياه تقدم الخام لسكان البصرة، لكن مسؤولية معالجتها تقع على السلطات المحلية.
واعترف الجنابي بوجود قدر من الارتباك بين مهام الحكومة المركزية والمحلية، مشيرا إلى أن هناك مشكلة تتعلق بأين تذهب الأموال، "لم تكن المسؤولية واضحة، ولا توجد مظلة يتم من خلالها التنسيق، وهو ما يعقد من مهمة بناء سياسة مندمجة فيما يتعلق بإدارة المياه ومياه الشرب ومعالجة مياه الصرف الصحي".
ويقول الجنابي إن وزارته توفر المياه إلى حوض البصرة، لكن نسبة 10% من التزويد تصل إلى المعالجة بسبب المشكلة المزمنة للتسريبات، ويضيف أنه نصح مسؤولي البصرة بعدم ضخ المياه مباشرة من شط العرب، لكن الذهاب إلى الفرات من خلال الممر المائي الموجود عكس التيار، إلا أن نظام الأنابيب لم يتم إصلاحه.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول الجنابي: "هناك مشكلة تراكمية من سوء الإدارة والبرامج اللامسؤولة"، وأضاف أن "البصرة كانت تحصل سنويا على مئات المليارات من الدولارات، لكن إصلاح شبكة المياه لم يكن أولوية للسلطات المحلية أو الحكومة المركزية"