القاهرة - اليمن اليوم
250 ألف وثيقة تمثل 900 عام من تاريخ مصر والبلاد العربية، ودول حوض البحر المتوسط، والبلدان الآسيوية، فيها كل شيء عن الحياة الاجتماعية، والسياسة، والاقتصاد، والعلوم، والشعر، والفلسفة، والتجارة، والطب، كُتب على بعض الوثائق "باسم الله الرحمن الرحيم".
هذا ما قاله اليهودي المصري "ألبير آريه"، عن محتوى الفيلم التسجيلي "من القاهرة إلى السحابة"، على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
يحكي الفيلم قصة اكتشاف مجموعة من المخطوطات القديمة المخفية والمعروفة بـ"جنيزة القاهرة"، هذا الكنز الكبير من المخطوطات المخبأة لقرون في "الجنيزة"، أو المخزن المقدس، في كنيس قديم في مدينة القاهرة القديمة.
وتعتبر "جنيزة" هي أكبر مخبأ للتاريخ اليهودي تم العثور عليه على الإطلاق، وتضيء على مدى ألف سنة على الحياة اليهودية، والمسيحية، والمسلمة في قلب العالم الإسلامي.
وبحسب كتاب "تاريخ اليهود"، فإن جنيزا أو جنيزة "بالعبرية: גניזה وتلفظ بالجيم المصرية"، هي مجموعة الأوراق والوثائق التي لا يجوز إبادتها أو إهمالها وفقا للديانة اليهودية، وخصوصا إذا ضمت اسم الله بين ثناياها، وإنما يتم تخزينها في غرفة معزولة في الكنيس أو المعبد لأجيال.
ولهذه الكلمة ذات الجذر للكلمة العربية "جنازة"، أي الدفن أو الدفينة، لأنه يجب بعد كل مدة جمع هذه الوثائق ودفنها في المقابر.
وتعتبر الجنيزا التي عثر عليها في معبد بن عزرا في القاهرة، من أهم مجموعات الجنيزا في العالم.
وتعتبر الجيزة في مصر اختصارًا لهذه الكلمة إذ بالأصل كان اسمها جنيزا ثم مع الزمن التطوري أصبحت جيزا، وكذلك ورد ذكر اسم الجيزة في بلاد الشام في الجزء الجنوبي من سوريا في أسفل اذرعات، وتعتبر من الأماكن التي سكنها اليهود وبنوا فيها مدائنهم وهي من الأماكن الأثرية والموغلة في القدم والتي تضم مختلف الحضارات القديمة وهي قرية تشرف على وادي الزيدي في سهل حوران.
وتعد "جنيزة" كنيس بن عزرا في القاهرة من أهم المصادر لمعرفة تاريخ اليهودية، بما أن هذا الكنيس هو من أقدم الكنائس في العالم، واحتوت الجنيزا الخاصة به على أكثر من 200 ألف وثيقة، يعود أقدمها إلى القرن الـ11 الميلادي.
بقيت معظم الوثائق في حالة جيدة بفضل المناخ الجاف الذي تتميز به مدينة القاهرة، ولكون الطائفة اليهودية القاهرية طائفة يهودية مركزية في القرون الوسطى، تم العثور في هذه الجنيزة على وثائق وكتب من جميع أنحاء العالم اليهودي، بما في ذلك بعض الوثائق المكتوبة بلغات يهودية أوروبية، مثل اللغة الييديشية.
من أهم النصوص التي تم العثور عليهم في جنيزة القاهرة هو النص العبري الأصلي لسفر حكمة بن سيرا، وترك اليهود هذا السفر بسبب الخلاف حول قدسيته، أما المسيحيون فواصلوا يقدسونه، حيث بقيت ترجمته الأولى إلى اللغة اليونانية، بينما ضاع النص العبري، حتى العثور على نسخة عبرية قديمة في جنيزة القاهرة.
كذلك تم العثور فيها على نسخ قديمة للهاجادا، وهي مجموعة النصوص الدينية والصلوات التي تقرأ خلال عشاء عيد الفصح اليهودي.
احتوت الجنيزة أيضا على شهادات الزواج والطلاق وعقود بين أبناء الطائفة اليهودية وعلى أسئلة أرسلها يهود إلى الحاخامين في مصر بشأن الشريعة اليهودية، من هذه الوثائق يمكن معرفة الأحداث التاريخية التي شهدته الطوائف اليهودية في مصر وفي بلدان أخرى.
بدأ البحث الأكاديمي في نصوص جنيزة القاهرة في تسعينات القرن الـ19 على يد باحثين يهود وغير يهود من جامعات أوروبية، منذ ذلك الحين تم إخراج كل مضمون الجنيزة تقريبًا ونقله إلى مكتبات وأراشيف في أوروبا.
اليوم توجد نسبة 70% من مضمون جنيزة القاهرة في مكتبة جامعة كامبريدج في إنجلترا، وخلال الحرب العالمية الثانية ضاعت بعض الوثائق التي كانت محفوظة في مكتبات في ألمانيا وبولندا.
ويتناول فيلم "من القاهرة إلى السحاب" ذلك أرشيف الذي يتسم بالتنوع غير المسبوق، بما في ذلك النصوص الدينية والوصفات الطبية، والكنوز الأدبية، ورسائل الحب، وعقود الزواج، وتقارير الأعمال، والتمائم السحرية، ورسومات الأطفال.
إنها مجموعة أكبر، وأكثر تنوعًا، ويمكن القول إنها أكثر أهمية من مخطوطات البحر الميت الأسطورية، ومع ذلك ، فإن قصة "جنيزة" الآسرة لا تُعرف إلا بالقليل إلى الآن.
ويعتبر "القاهرة إلى السحابة" أول فيلم وثائقي عن "جنيزة القاهرة"، حيث تعرض لهذا الكنز الفريد والعالم الغني والمعقد الذي يكشفه.
ويروى أنه في عام 1896، دخل سولومون شيشتر، المخزن المقدس في كنيس قديم في القاهرة، واكتشف كنزًا كبيرًا من المخطوطات التي أحدثت ثورة في فهم التاريخ اليهودي، وأضاءت ألف سنة من الحياة اليهودية النابضة بالحياة في قلب العالم الإسلامي
مارك ر. كوهين خدوري أستاذ كرسي خدوري زلخا للحضارة اليهودية في الشرق الأدنى في جامعة برينستون إن فيلم المخرجة والكاتبة ميشيل بيمار "من القاهرة إلى السحاب" والمنفذ ببراعة، سوف يأسر عامة الناس بينما يكون ذا أهمية خاصة للدراسات اليهودية الأكاديمية، وخاصة التاريخ والثقافة اليهودية، لأولئك المهتمين بالعلاقات اليهودية — الإسلامية في العصور الوسطى؛ لمعرفة الثقافة المادية ومعرفة القراءة والكتابة؛ لتاريخ الطب والسحر، والإدارة الإسلامية في القرون الوسطى، وأخيرًا تطبيق تكنولوجيا الكمبيوتر لمواجهة التحدي المتمثل في إعادة بناء هذه المخطوطات الممزقة.
البروفيسور ستيفان سي. ريف من كلية سانت جون، جامعة كامبريدج، يقول عن الفيلم إنه "حكايات من المغامرة والاكتشاف من قبل نساء رائدات وحاخامات، وصور فيكتورية، إلى جانب الرسوم المتحركة الحديثة والتأثيرات المرئية، إلى جانب النصوص النادرة والمكشفة والمتداعية من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر".
ويضيف "يجمع هذا الفيلم الجديد الرائع بين هذا المحتوى الجذاب مع وجهات نظر المؤرخين والقيمين الخبراء والمبرمجين المبتكرين والروائيين المعاصرين من جميع أنحاء العالم".
أما الدكتور بنجامين أووتوايت، رئيس وحدة البحوث في المجموعات التابعة لأميركا وإفريقيا، في مكتبة جامعة كامبريدج، فقال إنه أول فيلم شامل يفحص التاريخ الكامل لواحدة من أبرز المجموعات في العالم، ولكن أقلها شهرة، جمعت مخرجته ميشال بيمار، جميع كبار العلماء والشخصيات في هذا المجال لفحص تاريخ اكتشافه وتوضيح أهمية المخطوطات