القوات الإماراتية في جنوب اليمن

باتت ثمار العلاقات السرية والمصالح المشتركة التي جمعت جماعة الإخوان "حزب التجمع اليمني للإصلاح"، وحلفاء إيران في اليمن ، تطفو على السطح، على حساب الحرب اليمنية المستمرة منذ أكثر من عامين، على الرغم من كون الطرفين فيها خصمين رئيسيين، ودارت بينهما مواجهات خلال المعارك القائمة بين الشرعية اليمنية والانقلابين، إلا أن هذه الخصومة تلاشت، بعد أن شكل تواجد القوات الإماراتية ونجاحها في فرض الاستقرار في المناطق المحررة، عائقًا أمام المشاريع التي يسعى كل طرف منهما تنفيذها.
 
وقطعت الحملات المشتركة بين هذين الطرفين، دون سواهما، دائرة الشك حول مسألة الهدف المشترك والمصالح التي جمعتهما وأجبرتهما على فتح جبهة جديدة، استهدفت التواجد الإماراتي والقوات النخبوية الموالية لها في كلًا من "حضرموت" و "عدن" و"شبوة" وعموم المحافظات الجنوبية، عبر حملات إعلامية متعددة، أطلقها بشكل يركز على تشوية الانتصارات العسكرية التي حققتها القوات الجنوبية بمساندة الإماراتيين ضد الجماعات المتطرفة والميلشيات الانقلابية، وتعمد إظهارها كقوة طامعة احتلت هذه الأراضي، وعلى الرغم من نشاز هذه الحملات أمام التأييد الشعبي للقوات النخبوية والتواجد الإماراتي، إلا ان هذه الحملات استمرت بعدة أساليب وأشكال خصوصًا بعد كشف الإماراتيين والقوات النخبوية ارتباط حزب الإصلاح ومؤسساته ونشطاءه بتنظيم القاعدة.
 
كان لحضرموت الحظ الأكبر من هذه الحملات، بعد الانتصارات التي حققتها قوات النخبة الحضرمية بمساندة القوات الإماراتية في التحالف العربي ، في  تحرير مدينة المكلا والمناطق الساحلية في حضرموت من تنظيم القاعدة، في 24 إبريل/نيسان 2016، وملاحقتها للعناصر المتطرفة والأشخاص المتعاونين معهم وفرض الاستقرار، الأمر الذي جعل الإخوان يظهرون ملامح العداء للقوات الحضرمية والإماراتية، بعد أن كشفت هذه المرحلة، مدى ارتباط الإصلاح ومنظماته بتنظيم القاعدة، ودرجة التعاون بينهم، خلال فترة احتلاله لساحل حضرموت لعام كامل وقبلها.
 
وأعلن وزير الخارجية الإماراتي دكتور أحمد قرقاش في مايو/أيار 2016 تورط حزب الإصلاح الإخواني والمؤسسات التابعة في صفقات مشبوهة مع تنظيم القاعدة في المناطق التي سيطر عليها التنظيم.
 
وفي ذلك الوقت كشفت تحقيقات مع قياديين في القاعدة، بعد حملة اعتقالات واسعة نفذتها قوات النخبة ، تعاون شخصيات "إخوانية" بارزة، في تسليم مدينة المكلا وساحل حضرموت للقاعدة في 2 إبريل/نيسان 2015، وعلى رأسهم محافظ حضرموت السابق، المنتمي للجماعة دكتور عادل باحميد ، والجنرال علي محسن الأحمر ، الذي أمر بتسليم اللواء 27 ميكا واللواء 190 دفاع جوي، والمعسكرات التابعة لها للقاعدة بكامل عتادها العسكري ، كخطوة تسبق  القوات الموالية لصالح في فرض سيطرتها على هذه المناطق بشكل كامل، ودفع التنظيم بعد تسلحيه بمعدات عسكرية ثقيلة، من هذه الألوية، لخوض معارك ضد الميلشيات الانقلابية في الجبهات الغربية والشمالية.
 
وداهمت قوات النخبة الحضرمية، في يونيو/حزيران ، 2016 مقرات تابعة لحزب الإصلاح "الإخواني"، واعتقلت مدير المكتب التنفيذي للحزب بالمكلا "عوض الدقيل"، بعد أن كشفت التحقيقات مع أحد قيادات القاعدة، تورطه بشكل مباشر في أعمال مشبوهة مع التنظيم.
 
في حين أكدت مصادر عسكرية حينها، حيازة الدقيل لأجهزة محمولة، وأقراص صلبة "هارديسك"، تضمنت خطابات متبادلة بين الطرفين، وقائمة تضم خصوم الإصلاح سبق وأن تقدم بها الحزب للقاعدة لاعتقالهم وإخفاءهم قسرًا، من بينهم ناشطين وصحافيين بارزين.
 
وعلى هذا جدد أحمد قرقاش اتهامه للإخوان بالتعاون مع التطرف ، في تغريده له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" ، مشيرًا إلى وجود وثائق ومستندات تثبت ذلك.
 
وكشفت التحقيقات في العمليات الانتحارية التي استهدفت تجمعات متعددة لجنود النخبة الحضرمية في المكلا، في 22 يوليو/حزيران 2016 ، خلال تناولهم وجبة الإفطار في رمضان 2015 في أماكن واحياء متنوعة في المدينة، والتي راح ضحيتها 40 جنديًا، من بينهم الطفلة منار شرارة ، مدى ضلوع الإخوان في هذه العمليات.
 
إذ أن التحقيقات أثبت بأن الانفجار الذي استهدف نقطة النخبة خلف المكلا القديمة مساء الثاني والعشرين من رمضان 2015 ، كان ناتج عن صندوق كرتوني مليء بالمتفجرات قدمه المتطرفيين عند وصولهم للمكان في مركبة خاصة، بعد إدعاءهم بأنهم يتبعون للمؤسسة الخيرية التي تقدم وجبة الإفطار بشكل يومي للجنود، في حين فجر انتحاري آخر نفسه بالوقت ذاته تجمعًا للجنود في حي "الميلشيا" ، خلال تناولهم الإفطار، بنفس الطريقة، وتلقت معسكرات أخرى صناديق كرتونية في داخلها متفجرات ، إلا أنها لم تنفجر بعد أن اكتشف الجنود أمرها.
 
وأوقفت قوات النخبة في يوليو/تموز 2016 الناشط الإخواني علي حرمل باقطيان ، رئيس مؤسسة التنمية الإنسانية "متن"، المؤسسة التي تعهدت بتوفير وجبات الإفطار للجنود خلال رمضان ، عبر مشروع خيري تقدمت به، بعد أن أثبتت التحقيقات بأن المؤسسة  لم تنفذ حملة التوزيع في اليوم الذي استهدفت فيه الجماعات المتطرفة تجمعات الجنود خلال الإفطار، مما دعا للشكوك حول نشاط هذه المؤسسة، التي اتضح لاحقها عملها لصالح منظومة إخوانية في المنطقة.
 
وآثار اعتقال قيادات ونشطاء الإصلاح سخط الجماعة الإخوانية والمقربين منهم في حضرموت وخارجها، بعد أن كثفت حملاتها الإعلامية بشكل يظهر قوات النخبة الحضرمية والسلطات في حضرموت والإماراتيين، كأنها قوات قمعية تقوم باعتقال وتعذيب الأبرياء.  
 
وفي المقابل لم يعجب، مكونات الحراك الممولة من إيران، الإستراتيجية التي اتبعتها الإمارات في دعم باقي المكونات السياسية للحراك الجنوبي دون هذه المكونات، في حين كانت ردود نشطاء حضارم محسوبين على الحوثيين شديدة ، بعد أن كشفت القوات المدعومة من قبل الإماراتيين، شبكات تجسسيه تابعة للحوثي وصالح وتعمل لصالح إيران، في حضرموت وشبوة.
 
وزادت حده هذه الحملات بعد أن عقدت المكونات السياسية في حضرموت، في أغسطس/أب 2016، لقاءً تشاوريًا لمكونات الحراك الجنوبي والقوى السياسية والحقوقية والمدنية في المحافظة، وأعلنت مخرجاتها دعم قوات النخبة الحضرمية وقيادات السلطة المحلية الحالية في المحافظة، والقوات الإماراتية خلال نقطة التحول التي تمر بها حضرموت.
 
في حين لاقى الطلب الذي تقدم به فادي باعوم ، القيادي في المكون الحراكي المحسوب على إيران ، في يناير/كانون الثاني 2016، لدبلوماسيين إماراتيين عن قبولة في المشهد السياسي في الجنوب، رفضًا لاذعًا، الأمر الذي دعاه إلى شن حملة إعلامية واسعة على القوات الإماراتية وقوات النخبة الحضرمية وقيادات السلطة في المحافظة، بينما عقدت المكونات السياسية في حضرموت لقاءً تشاوريًا آخر في شهر أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام ، شدد على قطع التعامل مع الأطراف المتعاملة مع إيران.
 
واعتبر مراقبون ، اندماج المكونات السياسية وقوى الحراك الجنوبي في المحافظة في الائتلاف الوطني الجنوبي ، الذي أعلن في 18 مارس/أذار ، إقصاء واضح لمكون "باعوم" المحسوب على إيران، وفصيل بامعلم ، الذي يمثل واجهة الإخوان المسلمين في الحراك الجنوبي ، من المشهد السياسي في الجنوب، يعتبر تأكيدًا على إجماع القوى في المحافظة على الإستراتيجية الإماراتية .
 
وأظهرت الحملة المشتركة بين هذين الطرفين ، مدى وقوف الإمارات والقوات النخبوية ، عائقًا للمشاريع التي يسعى هذين الطرفين لتنفيذها، كلًا وفقا لرؤيته ومصالحه.
 
وعلى الرغم من الخصومة السابقة بينهما، والمواقف التي كان يعاد كل طرف منهما الآخر، إلا أن هذا لم يمنع تحالفهما ودفاع كلًا منهم للآخر ، فقد أبدى الصحافي، مجاهد الحقيقي، استغرابه من قيام نشطاء في مكونات حراكية تابعة لإيران، الدفاع على نشطاء إصلاحيين معتقلين وامتداحهم، على الرغم من وصفهم لهم في وقت سابق بأسواء الأوصاف.  
 
وقال الناشط اليزيدي "لو بحثت في صفحات ناشطين الإخوان ، لوجدت منشورات سابقة لهم خلال فترة القاعدة ، يتهمون فيها "فادي باعوم" ومكونه بالعمالة لإيران، ويطالبون باعتقال القاعدة لاتباعه ، بينما اليوم أتفاجئ بامتداح هؤلاء الناشطين لمواقف باعوم فقط لمجرد أنه يهاجم النخبة الحضرمية أو الإماراتيين.  
 
وعلى الجانب الآخر رأى معظم المواطنين، في المحافظات الجنوبية بصورة عامة، وفي حضرموت بصورة أخص، بأن دولة  الإمارات أعادت إليهم الامل بعد دعمها في تأسيس القوات النخبوية من أبناء هذه المحافظات نفسها، مما جعل سلطة القرار في الشؤون الداخلية والإدارية بها تعود إلى سلطة مكونه من أبناء تلك المحافظات، لها صلاحيات أكبر .
 
وظهرت حالة الامتنان لدى المواطنين، خلال حفلات وفعاليات عدة نفذتها محافظة حضرموت التي تمتلك حصة الأسد، من حصيلة المساعدات الإماراتية ، بمناسبة العيد الوطني الـ 45 لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، بينما جسدت لوحات فنية أخرى الشكر والعرفان الذي يشعر به أبناء هذه المحافظات على الجهود التي بذلتها الإمارات في فرض الأمن والاستقرار بها، وتقديمها للمساعدات الإنسانية الغير محدودة، ودعمها المستمر لمشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية.
 
وتعتبر اللوحة الغنائية ، عاش بوخالد ، التي شارك فيها عدد كبير من الإعلاميين والشخصيات الحقوقية والسياسية والناشطين، وشخصيات اجتماعية، في حضرموت، تجسيدًا للدور الإماراتي في حضرموت ورسالة شكر بعثتها  حضرموت إلى دولة الإمارات على ما قدمته لها.