مسيرة البطون الخاوية

تعز اليمنية إحدى أكثر محافظات اليمن لناحية الكثافة السكانية وأكثرها تعليماً والتزاما بالقانون، كما انها عاصمة الثقافة اليمنية. وهي تشهد تعز معارك عنيفة بين قوات موالية للحكومة وقوات الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي صالح بحيث دمرت الحرب اجزاء واسعة من تعز وشردت مئات الالاف من سكانها وقتلت وجرحت الالاف من سكان تعز .

يواجه سكان تعز انتهاكات الحرب وانقطاع الخدمات الاساسية مثل المياه والكهرباء والأمن وانهيار القطاع الصحي ،ويصارع ابناء المدينة الجوع وشح الدواء والظروف الأقتصادية الصعبة التي تفرضها الحرب على المدينة، فيما يواجه النازحون منها إلى مناطق ومحافظات أمنه ذات الظروف.

ووقف ابناء تعز أمام خذلان غير متوقع من الحكومة اليمنية التي تسيطر على معظم محافظة تعز. فالخدمات الصحية المتوفرة تدعمها منظمات غير حكومية بينما الأمن معدوم. وتشهد المدينة احداثًا أمنية بين اغتيالات وقتل وصراعات بين عصابات مسلحة تستولي على الأسواق إضافة إلى انعدام كافة الخدمات وتوقف عمل معظم المؤسسات الحكومية، ما يشكل معاناة لسكان المدينة الذين اعتادوا الامتثال للقانون والأمن ومؤسسات الدولة التي غيابها بات يشكل كارثة على الحياة العامة.

ولكن لم يكن يتوقع سكان تعز أن تقوم الحكومة اليمنية بإيقاف رواتب الموظفين في قطاعات الدولة في المحافظة بعد أن نقلت الحكومة البنك المركزي من صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيين إلى عدن ،ومنذ نقل الحكومة للبنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر/ ايلول من العام 2016 ،تنصلت الحكومة عن دفع رواتب موظفي مؤسسات الحكومة بتعز، واكتفت بدفع راتب شهر واحد لقطاع التعليم من اصل عشرة رواتب منذ ذلك الحين، بينما بقية الموظفين دون رواتب منذ عشرة أشهر. إضافة الى ذلك تتهرب الحكومة من إرسال الميزانيات التشغيلية لقطاع الصحة وبقية المؤسسات المدنية الآخرى في المحافظة المنكوبة ،بينما محافظ تعز المعين من الحكومة علي المعمري بات يقيم خارج المحافظة منذ مدة طويلة في أكثر الاوقات حاجة لحضورة في مكتبه داخل المحافظة التي تعيش ازمات ومشاكل تتفاقم كل يوم وتحتاج لحضور المحافظ الذي هجر محافظته ومكتبه.

وشهدت تعز الأحد اولى جلسات محاكمة محافظها الغائب بعد أن قررت "مسيرة البطون الخاوية" التي تمثل اوجاع ومعاناة الموظفين محاكمة المحافظ لينال الموظفين حقهم بالراتب الشهري بالقانون الذي كفل حقوق الموظف والذي طالما كان مرجع للمواطن بتعز لحل قضاياه. وبدأت الأحد أولى جلسات المحاكمة وقد تغيب عن الجلسة ممثلو المحافظ الذين كانوا قد استلموا صورة من الدعوى قبل اسبوعين للرد عليها في هذه الجلسة وبموجب ذلك ومن أجل سلامة الإجراءات فقد نصبت المحكمة المحامي علي سعيد الصديق ممثلاً عن المدعى عليه محافظ تعز علي المعمري.

وفي الجلسة القضائية التي حضرها عدد من ممثلي النقابات والمنظمات والناشطين،وبدأت المرافعة من فريق الإدعاء برئاسة الدكتور عبدالحليم المجعشي، والذي أوضح بأن رفع دعوى قضائية ضد المحافظ كان لصفته الاعتبارية وليست الشخصية. ويأتي ذلك كونه رئيسًا لجميع الموظفين في تعز بموجب المادة (41) الفقرة 1 من قانون السلطة المحلية، كما أنه مخول الصلاحيات ويمثل جميع أعضاء الحكومة بموجب القانون ،في حين طالب المحامي المنصب تعديل الإجراءات وإحالة الدعوى ضد وزير المالية ورئيس الحكومة الذين يمارسون التعسف على موظفي تعز وعدم صرف الراتب الذي هو حق قانوني ،وقررت المحكمة تاجيل القضية للاطلاع واتخاذ ما يلزم إلى الأحد القادم.

وفي هذا السياق ،أكد حسان الياسري وهو رئيس لجنة الحشد والجماهير لمسيرة البطون الخاوية ونقابي بارز في تعز، أن تغيب ممثلي محافظ تعز علي المعمري في أول جلسة محاكمة مؤشر خطير وعدم احترام للقضاء والقانون من رجل السلطة الاول بالمحافظة التي عرفت بالثقافة والمطالبة دائما بالعدالة والقانون ،منوهاً بأن رفع دعوة قضائية على المحافظ لاتملك اي بعد سياسي والقضية حقوقية ورفع دعوة قضائية على المحافظ باعتباره الرجل الاول بالمحافظة ومسؤول عن حقوق الموظفين والمؤسسات وكافة الخدمات والجوانب الحكومية.

وأشار الياسري الى أن مسيرة البطون الخاوية حين سيرت مسيرة راجلة في مايو/أيار من العام الجاري، من تعز بهدف الوصول إلى عدن، مقر إقامة الحكومة، والاحتجاج للمطالبة بصرف رواتب موظفي الحكومة بتعز، قدمت الحكومة تعهدات ووعودًا بصرف رواتب موظفي تعز واصدرت توجيهات بذلك عند وصول المسيرة إلى منطقة "هيجة العبد" الفاصلة بين تعز ولحج ،وعادت المسيرة إلى تعز وهي على أمل أن تنفذ الحكومة تعهداتها ،منوهاً بأن الحكومة لم تنفذ تعهداتها وكانت توجيهاتها مجرد مسكنات كما يؤكد الواقع. فمنذ مارس/ اذار وحتى اليوم لم تصرف الحكومة الا راتب شهر واحد  للمعلميين في تعز من اصل عشرة رواتب ولم تصرف رواتب للقطاعات المدنية الآخرى .

ولفت إلى أن الوضع الإنساني والاقتصادي صعب للغاية في تعز ،حيث أن الراتب الحكومي للموظفين والموظفات في مؤسسات الدولة مصدر عيش وحيد لاسر الموظفين المثقلين بالالتزامات الاسرية وتبعات الحرب واضرارها على حياتهم وانقطاع الرواتب كل هذه المده وتجاهل الحكومة لتعز خلف وضع إنساني كارثي وجوع اكتسح معظم منازل تعز التي تواجه اهمال في الجانب الإغاثي وتنصل بصرف الرواتب الحكومية وغياب السلطات والمؤسسات وتدهور بقطاعات الصحة وفقدان عشرات الالاف من سكانها لاعمالهم بالقطاعات الخاصة والاجر اليومي.

ولفت إلى اهداف مسيرة البطون الخاوية المتمثلة في حصول الموظف الحكومي على راتبه ليتمكن من اطعام اسرته ،وحصول الأسر الفقيرة والمتضررة من الحرب على المساعدات الإنسانية التي تكفي حاجتها للعيش إضافة إلى تفعيل مؤسسات الدولة ودعم القطاع الصحي ليحصل عامة الناس على الخدمات والأمن في ظل وجود المؤسسات.

من جانبه، قال الاستاذ عدنان الاثوري وهو معلم من محافظة تعز أن رواتب قطاع التعليم متوقفة بتعز التي تعد تحت سيطرة الحكومة كون الحكومة اليمنية تسيطر على المدينة ومعظم مناطق المحافظة وتدفع الحكومة رواتب المعلمين في المحافظات التي تسيطر عليها باستثناء تعز والمحافظات التي يسيطر عليها الحوثيين بالرغم أن المعلم وقطاع التعليم ليس لهم ذنب بهذه الحرب ويمارسون اعمالهم ويحرصون على عدم توقف التعليم في أكثر الظروف صعوبة مع انقطاع رواتبهم .

وحسب الاثوري فأن التعليم لاذنب له بالصراع الاقتصادي بين الحكومة والحوثيين والمعلم يقوم بتعليم الطالب والاطفال ولايدرب للقتال ولايجيش للحروب وانما يؤدي رسالة سامية لاتهم طرفي الصراع باليمن .وأفاد بأن قطاع التعليم بتعز ،لم يتسلم منذ سبتمبر ايلول من العام الماضي الا راتب واحد فقط من الحكومة لقطاع التعليم بتعز من اصل عشرة رواتب.

وأكد الاثوري أن المعلم ظل يعمل بدون راتب لفترة طويلة وحرص على عدم إيقاف العملية التعليمية وقام الكثير من المعلمين ببيع كل ممتلكاتهم البسيطة كالاثاث المنزلي وذهب زوجاتهم ليتمكتوا من توفير الغذاء والسكن لاسرهم مع الظروف الصعبة التي تفرضها الحرب وانجح الكادر التعليمي عملية العام الدراسي والاختبارات الاساسية والثانوية رغم ظروف الحرب وانقطاع الرواتب لكن العام الدراسي القادم بعد اجازة العام الدراسي الحالي سيشهد اضراب كلي بحال لم تصرف رواتب قطاعات التعليم.

وبين الاثوري أخيرًا انه من المخجل تنصل الحكومة عن واجباتها بتعز وعدم إرسال الميزانيات التشغيلة حتى لقطاع الصحة بتعز المنكوبة. وهذا التجاهل الكامل من الحكومة يؤدي إلى تاكل شعبية الحكومة بتعز وتنامي للفوضى والعصابات واعمال النهب بسبب الفراغ الحكومي الكبير.

وتتحدث تقارير للأمم المتحدة أن هناك نحو 19 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي إجمالي السكان، في اليمن يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، وأن هناك 14.5 مليون شخص لا يحصلون على مياه الشرب النظيفة وخدمات الصحة، كما ترتفع معدلات سوء التغذية إلى مستويات مُنذِرة بالخطر في ظل وجود 3.3 ملايين سيدة وطفل يعانون من سوء التغذية.