بغداد ـ نجلاء الطائي
تشهد مدن محافظة الأنبار صراعات سياسية وتجاذبات حزبية للحصول على مناصب مهمة في حكومة الأنبار مع التركيز على الحصول على مناصب في مجالس القضاء والنواحي ومديري دوائرها الحكومية، في وقت يسعى فيه سياسيون من "الكتل الكبيرة بجميع الوسائل في سبيل بقائها في سدة السلطة في البلاد، مهددة لأي تحالفات جديدة يهدف للتغيير السياسي للواقع المزري في العراق".
وكشف المتحدث باسم عشائر الأنبار، غسان العيثاوي، عن نشوب صراعات سياسية خانقة في المحافظة للاستحواذ على مناصب مديري النواحي القضائية بعد تحرير المحافظة، مشيرَا إلى أن المحافظة شهدت استبدال اغلب مديري النواحي وقائمقاي الاقضية بعد تحريرها من "داعش" لكون السابقين لم يقدموا أية خدمة لأبناء الأنبار.
وأضاف العيثاوي أن الاستبدال صار وبالًا على المحافظة بسبب صراع الأحزاب للاستحواذ على تلك المناصب وليس لخدمة الأهالي بعد معاناتهم المريرة بسبب "داعش"، متابعًا أن العديد من السياسيين كان لا يجرؤ على لفظ كلمة داعش واليوم يريد البروز إلى الساحة على انه المحرر والمخلص للأنبار ومصادرة جهود القوات الأمنية التي حررت المحافظة.
من جانبه أكد المحلل السياسي، حامد المحمدي أن" الأنبار وبعد تطهيرها من عصابات تنظيم داعش المتطرف، جاءت فيها المصالح السياسية والحزبية بعد عودة الأسر النازحة لجمع المكاسب والحصول على مناصب مهمة في مجالس الاقضية، ونواحي مع اختيار المدير والقائمقام في كل منطقة فيها نفوذ سياسي لحزب معين"، مضيفًا أن" التنافس والصراع على بعض المناصب جاء قبيل الانتخابات المقبلة التي ستشهد خلافات وتجاذبات حادة خلال المدة المقبلة، ما سيؤثر في الوضع الأمني والاستقرار في المناطق المحررة من تنظيم داعش.
وأشار المحمدي إلى أن" حكومة الأنبار وبتوجيه من بعض الأحزاب التي تدير السلطة من أحزاب وكتل سياسية، بدأت بالمطالبة بحاكم عسكري للانبار ليكون الذراع السياسي لحزب معروف، في حين طالب جهات اخرى بتفعيل مشروع الإقليم بعقد مؤتمرات خارجية في أنقرة وعمان ولبنان"، لافتًا بقوله "هناك مناصب استحدثت أو تم تغيير أشخاصها في الأنبار، ومنها في قيادات الجيش وعمليات الأنبار وقادة الحشد الشعبي، مع تغيير عدد من رؤساء مجالس الأقضية والنواحي خلال الشهرين الماضيين مع تغيير رئيس مجلس الأنبار بصفقة لم تعلن للإعلام".
على الجانب الآخر، أعلن الخبير الإستراتيجي عبد الجبار الدليمي أن" الخلافات والصراعات السياسية لم تنته في الأنبار وستبقى على ما هي، لكون جميع الكتل والأحزاب لا تمتلك رؤية النقاش والمنافسة الحقيقية والمؤمنة بدور الأخر، بل لديها تنافس غير قانوني يصطدم أحيانا بالعشائر ويبتز المواطنين".
وأوضح" لا يمكن خلق أجواء تنافس في الأنبار مادامت هناك مصالح حزبية وفئوية تطغى حتى على عمل الدوائر الحكومية والخدمية وفي اختيار مديريها وموظفيها، فضلًا عن الصراع القوي للحصول على رئاسة مجالس الاقضية ولجان المالية والمشتريات في دوائر معينة".
وكشف عضو مجلس محافظة الأنبار، محمد ياسين أن" الأنبار تشهد استقرارًا امنيًا وسياسيًا كبيرًا، ولا وجود لتنافس أو خلافات وصراعات سياسية في المحافظة"، مشيرًا إلى أن هناك تحركًا خفيًا بسيطًا داخل الأنبار لكنه لا يؤثر في الوضع الأمني والسياسي في المحافظة، وهناك عمل متواصل ودءوب في تنفيذ المشاريع الخدمية المدمرة في المناطق المحررة".
أما المواطن المتقاعد حسين مطلب الفهداوي والبالغ من العمر 54 عامًا من الرمادي فيقول إن" الأنبار غابة يحكمها القوي الذي يفترس المواطن الضعيف، وحال أهل المحافظة بين الظلم والابتزاز من قبل الأحزاب والمسؤولين في الدولة وسرقة حقوق الناس وجمع المكاسب والثروات على حساب الضعفاء والمظلومين".
وأضاف أن" اغلب أعضاء حكومة الأنبار هم من العشائر والأحزاب والسياسيين وتكررت وجوههم في كل دورة انتخابية، والسؤال هل الأنبار ليس فيها أكفاء من شخصيات وطنية معروفة ليكونوا في مناصب يخدمون أهلهم وشعبهم"، مستطردًا " جميع مسؤولي الأنبار يأتون إلى المناصب فقراء ويخرجون منها أغنياء ولم تحاسب الدولة هؤلاء ضمن قانون وتشريع (من أين لك هذا)، وعندما يطالب المواطن بحقوقه تقوم الدنيا وتأتي التهم ضده لكونه كشف فساد من يعتلي تلك المناصب واغلبهم لا يعرفون الكتابة والقراءة".
يُذكر أن محافظة الأنبار سيطر عليها تنظيم داعش في عام 2014 وتم تطهير اغلب مناطقها في مطلع عام 2016 وشهدت منذ ذلك الحين صراعات سياسية غُير فيها رئيس مجلس الأنبار صباح كرحوت وأغلق ملف استجواب المحافظ صهيب الراوي، وتم استبدال عدد من رؤساء مجالس الاقضية والنواحي .
بالمقابل أكد سياسيون أنّ "الكتل الكبيرة تستقتل في سبيل بقائها في سدة السلطة في البلاد، وأنّها تعدّ تهديدًا لأي تحالفات جديدة تهدف للتغيير السياسي للواقع المزري في العراق"، حيث أكد القيادي في التيّار المدني، حميد الزبيدي، أنّ "التيّار المدني والتيّار الشبابي يواجه صعوبات كبيرة قد تحول دون وصوله إلى طموحاته في تمثيل إرادة الشعب في الانتخابات المقبلة"، مبيّناً أنّ "الكتل الكبيرة أصبحت كالتماسيح بسبب ما حصلت عليه طوال السنوات السابقة من أموال وإمكانات ونفوذ، ما جعلها قوة كبيرة تقف بوجه أي محاولة للتغيير".
ولفت إلى أنّ "تلك الكتل بدأت سعيها لتجديد نفسها بوجوه جديدة، وهي تحاول أن تكسب وجوهًا جديدة تضعها في واجهتها في الانتخابات المقبلة، على اعتبار أنّها أحدثت تغييرًا في كوادرها وطاقاتها، معتمدة على الشباب في رسم سياسات البلد"، كما أشار إلى أنّ "ذلك هو التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم، على الرغم من صعوبة تلك الكتل في تهيئة وإعداد تلك الوجوه، لكنّها (الكتل) تتمتع بإمكانات مادية كبيرة بدأت بتسخيرها لأجل هذا المشروع".
وأضاف الزبيدي، أنّ "هذا المشروع التآمري على الانتخابات وعلى التغيير، يُعدّ أخطر مشروع على العملية السياسية في البلاد، وأنّه في حال نجح سيكون بمثابة طلقة الرحمة على أي خطوات للتغيير، وأنّه سيبقي الكتل الكبيرة مهيمنة على سلطة البلاد ومستحوذة على كل مقدراته وتسخّرها لتنفيذ مشاريعها المشبوهة والتي لم يحصل الشعب منها إلّا على الأزمات والمشاكل".
واستكمل أنّ "البلاد اليوم في حاجة إلى كتل جديدة وقيادات جديدة عابرة لمفهوم الطائفية التي حكمت البلاد منذ 2003، والتي كلّفت الشعب العراقي الكثير من الخسائر والتي أرجعت البلاد إلى الخلف، بسبب ما أوقعته تلك السياسات بأزمات أمنية وسياسية واقتصادية".
بدوره، رأى النائب عن ائتلاف "دولة القانون"، بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، عدنان الأسدي، أنّ "قانون الانتخابات المرسل من قبل رئاسة الجمهورية هو استهداف مباشر لرموز معينة ومحاولة لإسقاطهم"، موضحًا أن "قانون الانتخابات صيغ بصياغة استهدفت بشكل مباشر الشخصيات التي حصلت على أصوات عالية جدًا، وهم نوري المالكي وأسامة النجيفي وإياد علاوي، وهو يحرم القائمة من أصواتها"، كما أشار إلى أنّه "جاء أيضاً ليتساوى الفائزون بكل القوائم، أي من حصل على 800 ألف صوت سيتساوى مع من حصل على 10 آلاف صوت"، ويلفت إلى أنّ "المالكي لم يطّلع على القانون، وأنّ هذا القانون غير المنصف سيرفض حتمًا من الكتل السياسية".
من جهته، اعتبر الباحث في مركز بغداد للدراسات، وليد نعمة، أن "الظاهرة تعتبر جديدة في العراق ولأول مرة نلاحظها بهذا الشكل"/ كما أردف أن "البحث عن الوجوه الجديدة بات سمة بين الأحزاب، ويصادف أن شخصية واحدة يفاتحها أكثر من حزب أو جهة، وهذا يدل على أن أعضاء البرلمان أو أعضاء مجالس المحافظات منقادون للحزب ولن يكونوا بالضرورة ممثلين عن الشعب وهو خداع بنفس الوقت"، وتابع بن "سحب المرجعية الدينية نفسها من رعاية أي حزب أو كتلة بهذه الانتخابات كان أحد أسباب ظهور تلك المنافسة".
وكشف نعمة أنه "من غير المستبعد حصول تغيير في نتائج انتخابات هذه الدورة الانتخابية للبرلمان أو مجالس المحافظات بسبب ذلك، فالأحزاب تستشعر تراجع شعبيتها وحنق الشارع عليهم ومحاولاتهم تلك دليل ذلك، وينبغي على الشارع الانتباه لذلك. كما أنه ينبغي للشرائح المستهدفة من قبل الأحزاب الترشح منفردة خير لها من أن تحرق نفسها مع أحزاب مجربة من قبل الشارع وثبت فشلها".