العمال اليمنيين

اضطر كثير من العمال اليمنيين إلى العودة لبلدهم بعد فقدهم لعملهم في السعودية، وهو ما فاقم مأساة كثير من العائلات في ظل الوضع الكارثي باليمن. وعلى متن حافلة نقل ركاب قادمين من منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، يصل المهاجر اليمني فهمي إلى العاصمة صنعاء بملامح المنكسر الذي تنتظره أسرة مكونة من ثمانية أفراد. فهمي (45 عاما) قضى 15 عاما من عمره مهاجرا، كان يعود خلالها إلى بلاده بين الحين والآخر محملاً بالهدايا. لكن عودته الأخيرة اضطرارية ونهائية، إذ فقد عمله ومصدر رزقه بعدما أُجبر على مغادرة السعودية بسبب قرارات توطين العمالة في العديد من المهن وتهدد مئات آلاف العمال اليمنيين في المملكة.

ولدى وصوله إلى صنعاء، كان فهمي مثل أغلب العائدين على متن الحافلة نفسها، تبدو عليه ملامح الإعياء والانكسار والخوف من المجهول الذي ينتظره. ويوضح فهمي أنه عمل على مدى 15 عامًا بمجال الفواكه والخضار بإقامة نظامية، لكن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السعودية لم تترك له خياراً آخر، سوى “العودة لبلادنا أو الهجرة إلى بلاد أخرى”، ويضيف “اخترنا العودة إلى اليمن، رغم الظروف القاسية والصعبة”.

يرى فهمي، أن الرسوم الشهرية المفروضة على المغتربين (العمالة الأجنبية في السعودية) وإجراءات سعودة المهن، تعني باختصار، ترحيلنا قسرياً. ويشير إلى أنه تعرف على الكثير من اليمنيين الذين أفنوا شبابهم في العمل وإعمار السعودية، وهم الآن مجبرون على مغادرتها بفعل القرارات الأخيرة، التي لم تترك مجالاً حتى لإكمال العام الدراسي لأطفال البعض منهم. ويتابع “إنها قرارات مجحفة ولا تراعي حق الجوار والإنسانية. بلادنا تتعرض لحرب وحصار وكان يمكن اعتبارنا لاجئين في السعودية إلى حين توقف الحرب على الأقل، واستعادة الأمن والاستقرار في اليمن”.

وتشير التقديرات إلى أن عدد اليمنيين في السعودية يتراوح 1,5 مليون ومليوني مهاجر يمني، تعمل غالبيتهم في مهن بسيطة وفي المحال التجارية التي تستهدفها قرارات السعودة.  وكانت السلطات السعودية، بدأت منذ عدة سنوات باتخاذ قرارات لحصر العمالة في العديد من المهن بين السعوديين، كالعمل في محال بيع الهواتف النقالة والمستلزمات النسائية ومحال بيع الذهب وأسواق الخضار. وآخر حزمة من القرارات التي صدرت يناير/كانون الثاني الماضي، إذ شملت 12 مهنةً ونشاطاً منها البيع في محلات السيارات والدراجات النارية ومحلات الملابس والمستلزمات الرجالية ومحلات الأثاث المنزلي والمكتبي والأجهزة الكهربائية والإلكترونية ومحلات الحلويات وغيرها.

وعبد الباقي (27 عاما) كان يقيم مع أسرته في السعودية، وصل هو أيضا مؤخراً إلى صنعاء مع والدته وخمسة من إخوته، ولايزال والده الذي كان يعمل في بيع الملابس الجاهزة منذ 10 سنوات، يقوم بتصفية بعض الحسابات في السعودية، ومن المقرر أن يلتحق بأسرته التي عادت للبلاد قريبا.

ويقول عبد الباقي "إقامتنا كانت نظامية ولم نكن مخالفين. كان والدي يفكر في عودتنا إلى اليمن، منذ صدور قرارات الرسوم الإضافية على أفراد الأسرة العام الماضي، والمتمثلة في رسوم تجديد الإقامة ورسوم التأمين الطبي والرسوم الدراسية للأولاد إضافة إلى رسوم المواصلات. وهذا العام صدرت قرارات توطين المهن، منها بيع الملابس التي كان والدي يعمل فيها".

وأضافت مسؤول الرصد والتوثيق في منظمة "سام" الحقوقية اليمنية، توفيق الحميدي، إن “اليمنيين متواجدون في المملكة منذ زمن طويل بناء على اتفاقية الطائف لعام 1934، والتي من المفترض أن يكون لليمنيين بموجبها امتيازات استثنائية عن بقية الجنسيات، إلا أنه وللأسف الشديد السعودية أخذت من اتفاقية الطائف ما خدم مصالحها، ولم يحظَ المقيم اليمني بأي امتياز”.

 وتابع الحميدي أنه "على العكس، اليمنيون عرضة للمضايقة والابتزاز للأسف الشديد، خاصة في ظل الظروف التي يمر بها اليمن، حيث من المفترض أن تتعامل السعودية بإنسانية مع المقيمين حتى يستقر اليمن"، ويقول إن "الإجراءات الأخيرة أجبرت أسراً عاشت تقريبا كل حياتها في السعودية على تركها وحمّلتها عبئا ماليا كبيراً دون مراعاة للظروف التي يمر بها اليمن".