القدس - اليمن اليوم
نشأت في مزرعة في ولاية أيوا، وكمعظم الناس في مجتمعنا فقد عشنا حياة تتسم بالبساطة، ولكن كان الطعام على المائدة والسقف الذي يظلنا متوفرين باستمرار.
تركت المزرعة عندما كان عمري تسعة عشر عاماً، والتحقت بالجيش الأمريكي شأني شأن الكثير من الشباب في هذه السن، ثم تركته بعد واحد وعشرين عاما وقررت العمل في القطاع العام، ولكن هذه المرة في الأمم المتحدة، حيث عملت في غزة والضفة الغربية على مدى العقد الأخير.
لقد أوضحتْ لي الخبرة التي اكتسبتها بعد مغادرتي المزرعة كم كنت محظوظاً بنشأتي في جو آمن ومستقر. ففي الجيش وفي الشرق الأوسط رأيت بنفسي الأثر الذي يوقعه عدم الاستقرار على المجتمعات والثقافات، ورأيت أيضاً حجم الجهد والموارد المبذولين في سبيل احتواء وإزالة آثار انعدام الأمن.
لقد قضت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين سبعة عقود في المجال الانساني، وخدمات التنمية البشرية في مناطق الصراع، حيث السكان عموماً في حالة من الضعف والاعتماد على المجتمع الدولي لمساعدتهم على تأمين الغذاء والتعليم للأطفال والرعاية الصحية للمرضى.
في غزة وحدها يعتمد بقاء مليون شخص على ما تقدمة "الأونروا" من غذاء. مدارسنا توفر التعليم لأكثر من نصف مليون من الأطفال في الشرق الاوسط، وقد أثبتت دوماً بأنها بؤر للتفوق حتى على المدارس الحكومية في المنطقة. وبفضل الدعم الأمريكي، يتلقى كل تلامذتنا التعليم حول حقوق الأنسان وحل النزاعات بشكل بعيد عن العنف، وتقبل الآخرين ووجهات النظر المختلفة.
لقد بتَ مقتنعاً من خلال تجربتي في غزة والضفة الغربية، بأن الأفراد الذين نقدم لهم الخدمة يبحثون عن مستقبل يمكّن أولادهم وبناتهم من العيش في نفس السلام والاستقرار الذي نشأت في ظله في مزرعتنا في أيوا، وهم يريدون أن تكون لهم أعمالهم وأن يتمكنوا من السفر وأن يلبوا احتياجات عائلاتهم.
لقد قدم لي العمل مع "الأونروا" الفرصة للالتقاء بالكثير من الطلبة الملهِمين؛ لقد تم اختيار الطالبة ريم ياغي لتكون مديرة لعمليات "الأونروا" ليوم واحد، وقد سمح لي هذا بقضاء المزيد من الوقت لمعرفتها والتعرف أكثر على أحلامها المستقبلية. وقد ذكرتني بطرق مختلفة بنشأتي في أيوا، فلديها نفس الآمال والأحلام للمستقبل؛ ارتياد الجامعة، السفر والنجاح من خلال المثابرة والتفاني في العمل.
منذ أن بدأت "الأونروا" عملها في أيار 1950 قدمت كل الادارات الامريكية المتعاقبة، من عهد الرئيس ترومان فما بعد، قدمت دعماً قوياً وسخياً والتزمت بدعم لاجئي فلسطين.
لقد كانت الولايات المتحدة دائماً أكبر داعم فردي للأونروا، وهو أمر نشكر علية الشعب الأمريكي شكرا صادقاً، كما أنه أمر أفتخر به أنا أيضاً كأمريكي؛ ان قيمنا الأمريكية الأساسية كمساعدة الأقل حظاً والمحتاجين، بما يشمل مساعدة المجتمعات الضعيفة من خلال "الأونروا"، يجسدها عدد لا يحصى من صناع القرار الأمريكيين من رؤساء ودبلوماسيين وأعضاء كونغرس وغيرهم من موظفي القطاع العام.
ولسوء الحظ، فقد عرّضت التطورات الأخيرة للخطر الأمن والاستقرار النسبيين الذين يوفرهما المجتمع الدولي، وذلك من خلال اعلان الادارة الامريكية الحالية بأنها ستقدم 60 مليون دولار لدعم جهودنا، ما يمثل انخفاضاً نسبته 83% بالنسبة لدعمها المقدم في العام 2017.
أدرك بأن تقديم الدعم للعمل الإنساني يعود لاختيار الدول ذات السيادة في الأمم المتحدة، ولكن في الوقت نفسه، وبالنظر إلى علاقة الثقة التاريخية بين الولايات المتحدة و"الأونروا"، فإن خفض الاسهامات يهدد أحد أكثر أعمال التنمية البشرية نجاحاً وابداعا في الشرق الأوسط.
حتى هذا العام كان اسهام الولايات المتحدة يساوي تقريباً 22% من مجموع الدعم السنوي المقدم لنا. الآن، ومع هذا القرار أصبح تعليم 525000 طالب وطالبة من خلال مدارس "الأونروا" الـ 700 للحصول على مستقبل أفضل على المحك. تقع على المحك أيضاً كرامة والأمن الإنساني للملايين من اللاجئين الفلسطينيين الذين يحتاجون المعونات الغذائية الطارئة والمعونات الأخرى في الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وقطاع غزة. على المحك أيضاً إمكانية وصول اللاجئين إلى الرعاية الصحية الأولية ورعاية الأمومة والطفولة والتطعيمات لمجتمع بأسره، عدا عن الخدمات الأخرى المنقذة للحياة.
ان العالم الذي ينوي الوقوف متفرجاً على أطفال جياع خارج مدراسهم وأمهات فقدوا فرصة الحصول على رعاية الأمومة والطفولة ليس هو العالم الذي يود أحدنا العيش فيه.
وإذا ما نظرنا إلى الضفة الغربية كمثال يوضح التحديات التي يواجهها اللاجئون فإننا سوف نرى أناساً تحملوا خمسين عاماً من الاحتلال، وسبعين عاماً من التجريد الممزوج بمستويات غير مسبوقة من الضعف. فعلى سبيل المثال، وعدا عن حال الفقر الذي يعيشه مجتمع البدو في الضفة الغربية الذين تعرضوا لعمليات الترحيل والهدم لأكثر من مرة، هناك احتمال للمزيد من التشويش كنتيجة لخفض أو تعليق تقديم خدماتنا المنقذة للحياة، وهو ما سيسبب صدمات لتلك المجتمعات.
سنبذل كل ما في وسعنا في وكالة الغوث للاستمرار في خدمة المحتاجين، ومنه إطلاق حملة عالمية غير مسبوقة لاستجلاب الدعم المالي، والتي ننوي الوصول من خلالها إلى طيف أوسع من الدول المانحة، والقطاع الخاص، والصناديق والمؤسسات الخيرية والأفراد.
إن الفشل في هذه الجهود سيعني تشويشاً في تقديم الخدمات الى اللاجئين غير المؤمّنين غذائياً، وإلى الأطفال الضعاف، وإلى الأمهات، وإلى المعاقين والمرضى.
إن من شأن ما تقدمه "الأونروا" من خدمات في سورية ولبنان والأردن وغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية أن لا يضمن فقط مستوىً من الأمن والاستقرار لأكثر من 5 مليون إنسان، بل إن لهذه الخدمات أن تعطيهم الأمل في المستقبل، الأمل بأنه – وفي يوم ما– سيتمتعون بنفس الحقوق والامتيازات التي تمتعت بها عند نشأتي في أيوا، والأمل بأنهم سيرون في نهاية المطاف حلاً عادلاً ودائماً بعد 70 عام من الصراع والتهجير.
إلى حينه، على المجتمع الدولي أن يقدم لهم الحماية والامكانية ليعيشوا من أجل المستقبل. ومن المؤكد بأن هذا الوقت بالذات ليس هو الأنسب للولايات المتحدة للتراجع عن التزاماتها طويلة الأمد. ولأجل مستقبل ريم ومستقبل 525000 من طلبتنا، نأمل بأن تراجع الولايات المتحدة قرارها وتساعدنا في خلق المستقبل الذي نود أن نراه في الشرق الأوسط.