الممثلة النيجيرية رحمة سادو

على الرغم من كونها إحدى الممثلات التي تحظى بشعبية كبيرة في نيجيريا، إلا أن قيامها بإمساك يد أحد مغنيي "الراب"، وكذلك معانقته أثناء تصوير أغنية جديدة، أثار جدلا كبيرا، حسب ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، ليعكس هذا الجدل حالة من الانقسام داخل البلاد.

الممثلة النيجيرية رحمة سادو وجدت نفسها تواجه انتقادات شديدة للغاية من جانب التيار المحافظ، حتى وصل الأمر إلى منعها من العمل في شمال البلاد ذي الأغلبية المسلمة. ويقول رئيس جمعية "الصور المتحركة" ساليسو محمد أن رحمة سوف تواجه حظرا ليس فقط من العمل ولكن من الحياة العامة ككل بسبب ظهورها غير الأخلاقي في إحدى أغاني الفيديو، حيث ظهرت تعانق أحد المغنيين.

من ناحيتها، أعربت الممثلة النيجيرية عن اسفها عن أي إساءة تسببت فيها خلال ظهورها المثير للجدل في الأغنية، إلا أنها طالبت في الوقت نفسه بأن يكون الموقف تجاهها أكثر تسامحا واعتدالا.

صناعة السينما في شمال نيجيريا، والتي تقدم أفلامًا ناطقة بلغة "الهوسا" تمثل جزءا واحدا فقط من صناعة واسعة، يطلق عليها "نوليوود"، ولكنها مقسمه على أسس لغوية وثقافية، حيث يقال أنها ثاني أكبر دولة منتجة للسينما، حيث أنها تقدم حوالي ألفي فيلم في العام الواحد، حيث لا يسبقها في ذلك سوى نظيرتها الهندية، والتي تحظى بتأثير كبير داخل المجتمع النيجيري، حيث أنها تنتج عددًا أكبر من الأفلام.

الموضوعات الأكثر شعبية التي تناقشها الأفلام النيجيرية تدور حول الحب والثأر والزواج والعائلات والخيانة، في حين أن أفلام الجنوب تناقش قضية السيدات اللاتي يتمتعن بالثراء في منتصف العمر، ليغازلن صبية في عمر أبنائهن أو قضايا الطالبات اللاتي يرغبن في إثارة معلميهم.

الأفلام التي تقدمها السينما في شمال نيجيريا تختلف تماما عن نظيرتها في الجنوب، حيث أن الطابع المحافظ يبدو غالبا على شمال البلاد، فلا يظهر فيها نساء عاريات أو أي اتصال جسدي بين الجنسين. وهذا التباين يعكس فروقا صارخة بين تلك المناطق التي تقطنها أغلبية مسلمة ونظيرتها ذات الأغلبية المسيحية.
وتقول إليزابيث دونلي، الخبير في مؤسسة "تشاثام" الدولية، أن "هناك اتجاهات متباينة في جميع أنحاء نيجيريا الان، حيث أصبح التغيير في عدة مناطق في جنوب البلاد يسير بوتيرة أسرع بكثير إذا ما قورنت بالشمال." وأضافت: أن "نيجيريا بلد مجزأ في الكثير من النواحي، حيث يتحرك في اتجاهات مختلفة على المسار السياسي والاقتصادي والثقافي، كما أنه ينمو كذلك بوتيرة مختلفة إلى حد كبير."

المقطع المخالف كان جزءا من أغنية لأحد مطربي "الراب" في نيجيريا، حيث كانت سادو هي بطلة الكليب، ويظهر الممثل مرتديا ملابس تقليدية، ويقوم ببيع الخضروات على عربة في السوق المحلي، ويحاول إقناعها بأن تسير معه بالقرب من السكك الحديدية.

الممثلة التي كانت ترتدي قميصًا بأكمام قصيرة وسروالا من الجينز جنبا إلى جنب مع الحجاب، تقبل السير معه ويدها في يده، ثم تظهر وكأنها تعانقه في لقطه عابرة جدا. ردود الأفعال كانت سريعة ومتباينة، ففي الوقت الذي أعرب فيه قطاع من الممثلين النيجيريين لقرار الحظر الصادر بحقها، إلا أن اخرين رأوه قاسيا للغاية، كما ظهر التباين واضحا في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث اتسمت التعليقات بحدتها الشديدة كما كانت أيضا مستقطبة.

ويقول أحد الجماهير، في تصريح نقلته احدى الصحف المحلية في نيجيريا، أن "رحمة تخطت الحدود المسموح بها. الفيديو كان فاضحا ولا ينبغي على فتاة مسلمة أن تصل إلى الحد غير الأخلاقي في فيديو مفتوح أمام الجميع."

ويبدو أن الموقف الذي تعرضت له الممثلة النيجيرية ليس الأول من نوعه، حيث كانت هناك عدة صدامات سابقة بين منتجي الأفلام والمحافظين المتشددين، في شمال نيجيريا، حيث تمكن رجال الدين المتشددون من تقويض خطة كانت تهدف إلى بناء قرية للتصوير السينمائي، تقترب تكلفتها من عشرة ملايين دولار، حيث أنهم اعتبروا هذا المشروع منافيا للقيم الإسلامية.

ويقول أحد رجال الدين، ويدعى ساليسو محمد، أن "القيادات الدينية تبدو سعيدة للغاية لادراك منتجي الأفلام ماهية أهدافنا ودوافعنا. إننا نريد تطهير الأعمال السينمائية لتعزيز القيم الأخلاقية بين الشباب." وأعرب في الوقت نفسه أن تكون العقوبة المفروضة على الممثلة النيجيرية بمثابة رادعا للجميع.
النسبة الدقيقة لسكان نيجيريا بين المسلمين والمسيحيين لا تبدو معروفة على الإطلاق، ولكن من المعتقد أن النسبة متساوية في كلا المجتمعين، وسواء في الشمال أو الجنوب. فالخط الطائفي في نيجيريا أدى إلى تفاقم الصراعات العرقية والاقتصادية، وهو الأمر الذي دفع باتجاه توترات طويلة المدى سعت الحكومة النيجيرية للقضاء عليها لسنوات طويلة.

وتقول "الغارديان" أنه في الوقت الذي يشعر فيه الشمال المسلم بالغيرة من التنمية الكبيرة التي يشهدها الجنوب، فإن سكان الجنوب من المسيحيين يشعرون بالخوف الشديد من انتشار الإسلام في منطقتهم.

وفي السياق نفسه، يقول السفير الأميركي السابق في نيجيريا جون كامبيل أن الجنوبيين يبدو وكأنهم مصابون بحالة من الخوف الشديد من الهيمنة الإسلامية في الشمال، موضحا أنه في الوقت الذي يتحرك فيه المجتمع الدولي لاحتواء خطر صعود تنظيم "بوكو حرام" المتطرف، فإنه تجاهل ممارسات متطرفة وغير متسامحه من قبل قطاع كبير من رجال الدين في الشمال.

الرئيس النيجيري محمدو بخاري ربما تمكن من تحقيق انتصارات واضحة على قوى التطرف في بلاده منذ وصوله إلى سدة السلطة في العام الماضي، حيث تمكن من تحقيق عدة مكاسب على حساب "بوكو حرام"، لعل اخرها إقدام التنظيم على إطلاق سراح عدد من الفتيات اللاتي تم اختطافهن في عام 2014، وذلك في الأسبوع الماضي.

وربما لن يتوقف عند هذا الحد، حيث يسعى أن يمتد الإصلاح في نيجيريا ليشمل الأخلاق الشخصية للمواطن النيجيري، حيث أكد في حديث له الشهر الماضي في العاصمة النيجيرية أبوجا أنه في الوقت الذي تمر فيه البلاد بمرحلة صعبة، فإننا ينبغي أن نلتفت إلى القيم الأساسية التي انهارت تماما باعتبارها السبب الرئيسي للوضع الذي تعيشه البلاد، حيث أصبح الكسل وخيانة الأمانة والإفلات من العقاب والفساد بمثابة السمات التي تميز المرحلة الراهنة.