لندن ـ سليم كرم
غرد الشاب اللندني، أيان ستابينغز، "35 عامًا"، على "تويتر" عندما رأى نايجل فاراغ الذي قاد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي متجهًا إلى سفارة الإكوادور، حيث يقيم مؤسس ويكيليكس منذ عام 2012، جوليان أسانغ، وكان ستابيغ الوحيد الذي رأى فاراغ ولم يجد كاميرا أو وسائل إعلام تصور الحدث، إلا أن أحد محرري BuzzFeed، الذي شاهد تغريد ستابينغز أسرع بالتواصل معه، وظهرت قصة على الموقع تحت عنوان "هل زار نايجل فاراغ للتو جوليان أسانغ في سفارة الإكوادور في لندن؟".
وسارع فاراغ، القائد السابق لـ Ukip، بالإجابة بأنه لا يتذكر ما الذي كان يفعله داخل المبنى، ومر الأمر بشكل روتينيي فيما بعد، ولكن في الأسبوع الذي شهد تطورات رئيسية على جانبي المحيط الأطلسي، فيما يتعلق بالأدوار التي لعبها أسانج وفاراغ في الانتخابات الأميركية واستفتاء الاتحاد الأوروبي، وهو الأسبوع نفسه، الذي أعلنت فيه الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، لذا يحتاج الأمر إلى إعادة فحص عاجلًا.
وإذا ما اخترت الأشخاص الذين كان لهم تأثيرًا حاسمًا في الأعوام الماضية حتى 2016، فمن الصعب تخطي الرئيس ترامب وأسانغ وفاراغ، وما لم يكن يعلمه ستابينغزز أن هناك قناة للاتصال بين الثلاثة، واتضح ذلك الأسبوع الماضي، حيث أعلنت وزارة العدل الأميركية أنها أعدت اتهامات مبررة بوجهات النظر لاعتقال أسانغ، وبعدها بيوم أعلنت لجنة الانتخابات أنها تحقق في حملة مغادرة الاتحاد الأوروبي التي قادتها فاراغ.
وقالت اللجنة، إن تحقيقاتها ركزت على ما إذا كانت التبرعات، بما في ذلك الخدمات التي قُبلت مع مغادرة الاتحاد، لا يمكن السماح بها، ويعد التبرع غير مسموح به إذا جاء من الخارج، ومن المبادئ الأساسية الديمقراطية في بريطانيا والقوانين الانتخابية أن المواطنين والشركات الأجنبية لا يمكنها التأثير على الانتخابات البريطانية عن طريق التبرعات للحملة.
ومن ناحية أخرى، كشفت "الأوبزرفر" أن الملياردير روبرت ميرسر، الذي موّل حملة الرئيس ترامب وشركته "Cambridge Analytica" تبرع لحملة "مغادرة الاتحاد الأوروبي"، وإذا شكلت تلك القضية جزءً من التحقيق، فالأمر ليس مجرد كسر للقواعد فقط، لكنه يؤثر أيضًا على سلامة النظام الديمقراطي، ويصبح السؤال هل سعت حملة مغادرة الاتحاد الأوروبي للحصول على دعم أجنبي في الانتخابات البريطانية؟، وإذا كان الأمر كذلك هل يعد ذلك تخريب أجنبي؟.
ربما يساهم ما حدث في 9مارس/ أذار، في الكشف عن الروابط بين ويكيليكس والمملكة المتحدة وإدارة الرئيس ترامب، المتورطة في علاقات أعمق من أي وقت مضى مع الدولة الروسية، حيث تم تمويل حملة الرئيس ترامب من قبل ميرسر، وجاء ترامب إلى السلطة بمساعدة شركة التحليلات التي يجري التحقيق حاليًا في صلتها بحملة مغادرة الاتحاد الأوروبي.
ومن جانبه، وصف ديفيد جولومبيا، الأستاذ المشارك في جامعة فيرجينيا كومنولث في الولايات المتحدة، الذي فحص ويكيليكس، ما حدث بشأن زيارة فاراغ لسفارة الإكوادور في لندن، "إنها اللحظة التي تصبح فيها كل الخيوط مرئية فجأة، إنها مثل الصورة التي جاءت إلى التركيز فجأة، هناك حركة عالمية يمينية قومية تتعارض مع الاتحاد الأوروبي، وهذا هو الواقع الحاضر في أميركا وأوروبا وروسيا، لقد بدأنا نفهم للتو كيف أنهم يفعلون الشئ نفسه للتواصل والتنسيق مع بعضهم البعض".
ولم يكن الأمر مفاجئًا، فهناك أوجه تشابه أيديولوجية واضحة بين أسانغ وفاراغ، حيث حصل كل منهما على أموال بطريقة غير مباشرة من خلال الدولة الروسية، وأفاد بن نيمو، المحلل الدفاعي لدى مختبر بحوث الطب الشرعي التابع للمجلس الأطلنطي، أن فاراغ صوّت بشكل منهجي لصالح المصالح الروسية في البرلمان الأوروبي، مضيفًا "هناك دعم قوي للكرملين بين اليمين المتطرف في أوروبا، وينتمي فاراغ إلى تلك الكتلة مع أمثاله من الجبهة الوطنية في فرنسا وجوبيك في المجر".
وكانت أعلنت ويكيليكس من جانبها بعد 11 يوم من زيارة فاراغ إلى سفارة الإكوادور، عن مؤتمر حي بواسطة جوليات أسانغ، سيتحدث فيه عن آخر تسريب له “Vault 7”، وفي كل يوم من عام 2017 كانت تتجلى الحقائق بشأن "ترامب -روسيا"، إلا أن هذا الأسبوع كان صعبًا على ترامب، حيث تعرض للنقد في 2 مارس/ أذار من قبل المدعي العام، جيف سيسيونس، في التحقيق بشأن علاقته بروسيا، وفي 4 مارس/ أذار رد ترامب بعاصفة من التغريدات متهمًا أوباما بالتنصت عليه.
فيما استمرت ويكيليكس في التغريد بتسريب Vault 7، حتى ظهر تسريبًا ربما عن طريق المصادفة أو القصد محرجًا لوكالة المخابرات المركزية، وأشارت بيانات ويكيليكس إلى ما أسمته بقوة الاختراق لدى الاستخبارات العالمية، وجاء الموضوع في عنوان في نيويورك تايمز " وكالة الاستخبارات المركزية تتعثر في احتواء الضرر الناتج عن تسريبات ويكيليكس".
وأظهرت الوثائق المسربة، أن وكالة المخابرات المركزية لديها القدرة على اختراق عدد كبير من الأجهزة ليس فقط الهواتف المحمولة ولكن أجهزة التلفاز أيضًا، فضلًا عن الإشارة إلى قدرة الولايات المتحدة على التدخل والاختراق للدول الأجنبية على خلفية التحقيق الأكثر جدية في التدخل السيبراني الأجنبي في الإدارة الأميركية الحالية، وعندما سُئل فاراغ عن الاجتماع الذي عقده في السفارة، قال: "لا أتحدث أبدًا عن الأماكن التي أذهب إليها أو الأشخاص الذين ألتقي بهم".
وأخبر الخبير الاستراتيجي الجمهوري، روجر ستون، الذي تخضع صلته بروسيا حاليًا للتحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي، مراسل "CBS" عن "قناة للتواصل مع أسانغ بسبب صداقة متبادلة، حيث يسافر الأصدقاء من أميركا إلى لندن ونتحدث"، وعند سؤاله عما إذا كان فاراغ صديقه، أجاب "بالتأكيد لا".
وتعد ويكيليكس حاليًا دوامة مستمرة في مركز كل شئ، من خلال كم الأخبار الوهمية والتضليل الجاري، وتعتبر علاقة فاراغ بويكيليكس ليست سوى جزءً من مجموعة من الأسئلة التي لا إجابة لها حاليًا، وتطارد بعض التساؤلات رجل الأعمال أرون بانكس، الذي موّل حملة مغادرة الاتحاد الأوروبي، والذي أعلن في مقابلة له الشهر الماضي أن "تمويل حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يدخله قرشًا واحدًا من الأموال الروسية"، إلا أنه من الأشخاص الموالين علنًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومعارض للديمقراطية.
وكان أعلن بانكس ليلة الجمعة في بيان له، أنه لن يتعاون مع اللجنة التي شكلها البرلمان لدعم القانون الانتخابي في المملكة المتحدة، قائلًا: "سأراهم في المحكمة"، فيما تبدو علاقات فاراغ أكثر تعقيدًا عما كان يعتقد، وحاليًا يتم التحقيق رسميًا في علاقته بمرسير وشركة Cambridge Analytica التي ساعدت في وصول ترامب للسلطة، ما يطرح المزيد من الأسئلة بشأن إدارته.