واشنطن - عادل سلامة
كان عنوان خطاب جون بولتون في واشنطن هو "حماية الدستور الأميركي والسيادة من التهديدات الدولية"، وبدا الخطاب حميمًا بما فيه الكفاية، لكن نصه يمثل الهجوم الأكثر تدميرًا وغير المقيد لإدارة ترامب حتى الآن على النظام العالمي القائم على القواعد والقيادة القانونية، وهي "المحكمة الجنائية الدولية".
ويحاول دونالد ترامب إنهاء المحكمة الجنائية الدولية، وهى المحكمة الجنائية الكبرى في العالم، التي تضمن مفهوم العدالة الدولية ذاته، وبولتون هو الرجل الذي يمسك السكين الآن ’ ومن الإجراءات التي هدد بولتون بتطبيقها، "منع دخول قضاة المحكمة وممثلي الإدعاء إلى الولايات المتحدة، وفرض حظر على أموالهم، ومحاكمتهم أمام القضاء الأميركي" , كما هدد بالإجراءات المتخذة ذاتها ضد القضاة والمدعين، وضد أي دولة أو شركة تتعاون مع المحكمة في تحقيق يخص مواطنين أميركيين.
واختيار ترامب لـ بولتون كثالث مستشار للأمن القومي ملائم جدًا مع زميليه بول وولفويتز وريتشارد بيرل، وقاد بولتون الدفاع لغزو جورج دبليو بوش غير المشروع للعراق عام 2003 , ولكن بولتون غير قادر على إسقاط النظام الإيراني , ومن غير المرجح أن يترك اعتبارات الشرعية تعيقه هذه المرة أيضًا , ومثل العديد من المحافظين الأميركيين، لطالما عارض بولتون المحكمة الجنائية الدولية , على الرغم من أن قانون روما الأساسي الذي أنشئ للمحكمة دخل حيز التنفيذ في عام 2002 ، مع 123 دولة طرف فيه ، فإن الولايات المتحدة، وروسيا، والصين والهند ، وآخرين مثل إسرائيل إما لم تصدق أو رفضت المعاهدة.
و لم هذا يمنع الولايات المتحدة من اتباع معيار مزدوج فاضح , لقد أيدت واشنطن مرارًا وتكرارًا إجراءات المحكمة الجنائية الدولية عندما تناسب المصالح الأميريكية , وقد أدى رفض القوى الكبرى للسماح بتكافؤ الفرص إلى إضعاف المحكمة الجنائية الدولية وانتقدها لتركيزها على التحقيقات في البلدان ذات الثروة والنفوذ الأقل، بخاصة في أفريقيا.
و تغير هذا التأكيد تحت قيادة فاتو بنسودا، التي تشغل منصب المدعي العام للمحكمة منذ عام 2012, وهي تحركها الآن لفتح تحقيق رسمي بشأن الجرائم المحتملة في أفغانستان منذ عام 2001 من قبل العسكريين والمدنيين الأميركيين، بالإضافة إلى طالبان، التي أثارت قلق واشنطن , وفي ظاهر الأمر، فإن لدى الولايات المتحدة الكثير لتجيب عنه فيما يتعلق بعمليات القتل والاحتجاز غير القانونية المزعومة، وعمليات الترحيل القسري والتعذيب والإصابات الجماعية للمدنيين والتي قد تصل إلى جرائم حرب.
وأعادت بنسودة فتح تحقيق أولي في جرائم الحرب المزعومة من جانب مواطني المملكة المتحدة في العراق، من 2003 إلى 2008 , وبما أن دولة بريطانيا كانت طرف في قانون روما، فلا شك أن مواطنيها يخضعون إلى المحكمة , ومع ذلك، كان جزء من غرض بولتون هو اقتراح أن العقوبات الأميركية وغيرها من الإجراءات العقابية ضد المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها يمكن أن تساعد حلفاء أميركا إذا وجدوا أنفسهم أيضًا في قفص الاتهام , و قد تشمل هذه الفئة إسرائيل، نظرًا للتحقيق الأولي الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين.
ويمكن أن تقوض العقوبات الأميركية في حال تنفيذها، إلى المحكمة الجنائية الدولية , وقد تقرر الدول الأفريقية -التي يميل إلي الانسحاب مثل جنوب أفريقيا- على المضي قدمًا , وسيتم تشجيع الدول غير الأعضاء على الحد من التعاون أو رفضه , ومن الأمثلة على ذلك ميانمار، حيث تحاول المحكمة الجنائية الدولية تأكيد ولايتها القضائية على الجرائم المزعومة ضد الإنسانية التي ارتكبت ضد أقلية الروهينجا وضد رغبات النظام.
ويتلاءم مسلك بولتون مع نمط من الإجراءات التي أدت إلى انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع إلى الأمم المتحدة، وتجاهل كل من الاتفاق متعدد الأطراف بشأن الأنشطة النووية الإيرانية واتفاق باريس بشأن المناخ، ورفع الحواجز التجارية والتعريفية الجديدة، والتهديد بالانسحاب من الناتو ومنظمة التجارة العالمية , ويقول ترامب إنه يقاتل من أجل السيادة الأميركية لكن بالنسبة لبقية العالم، يبدو الأمر وكأنه الوجه غير المقبول للاستثنائية الأميركية