طُرق مميَّزة لتشييد منزلٍ عصري في الهند من الجير وروث البقر والطين

يبني بعض المعماريين في الهند منازل صديقة للبيئة، وتمثل المنازل الطينية، كما يطلقون عليها، عودةً إلى الطبيعة في الهند وحول العالم أيضا، حيث يتم تشييد تلك المباني، المصممة على نحو يستغل الإضاءة الطبيعية والتبريد الطبيعي، باستخدام موارد طبيعية مثل الطين والبامبو والحجر الجيري والطمي وروث البقر والأحجار والقش بأيدي عمال مهرة محليين بشكل يخفض البصمة الكربونية إلى الصفر تقريبا.
وتعد المباني الخضراء مفهوماً قديماً، حيث كانت تلك التصميمات السائدة في كلٍّ من الحضارتين الرومانية والفارسية القديمة خضراء، وكذلك كانت طرق البناء التقليدية في الهند خصوصاً أنه كان من الضروري الاعتماد على الضوء الطبيعي وتدفق الهواء إلى المنازل قبل توافر الطاقة الكهربائية، ولدى الهند تقليد ثري في العمارة الطينية، حيث تم تشييد ما يزيد على 65 مليون من إجمالي 118 مليون منزل في البلاد من الطين. ويوضح المعماريون أن النهج صديق البيئة لا يعني أن تكون التصميمات سيئة المنظر وتبعث على الكآبة ومملة، حيث يوفرون منازل تكتسب شعبية بفضل فوائدها الصحية العديدة ومظهرها الجمالي المتميز وذلك من خلال الجمع بين الاستدامة والتصميمات العصرية الحديثة مع استخدام مجموعة من المواد الخام مختلفة الملمس إلى جانب الألوان المختلفة.
وتصرح شركة «بيوم إنفيرومنتال سولوشنز» المعمارية ومقرّها بنغالور، والتي يرأسها تشيترا فيشواناث، قائلة: «نركز على البناء باستخدام مواد متجددة مثل الطين والخشب بطرق موفرة للطاقة مع التخلي عن الأنواع الكيميائية من الطلاء والجصّ، مع الاعتماد على مياه الأمطار والطاقة الشمسية والحفاظ على التنوع البيئي المحلي، ودعم إعادة التدوير والاستخدام». وتعد ريفاثي كاماث، التي تعمل لدى «كاماث ديزاين استوديو»، واحدة من أشهر مؤيدي نهج العمارة الطينية في الهند، حيث تحتفي به من خلال استخدام الطين في كل أعمالها.
ويمثل منزلها المشيّد من الطين في محل محجر قديم شاهداً على حبها لتلك المادة الصديقة للأرض. وقد بدأت كاماث مؤخراً في استخدام البامبو في البناء. كذلك تمثل تصميماتها تناغماً مع مناخ وطبوغرافيا الموقع. وتوضح قائلة: «سوف يساعد روث البقر والطين في جعل المنزل بارداً وإبعاد الحشرات. لقد استخدمنا ثمانية أنواع مختلفة من الخشب في عملية البناء، وهذه طريقة بدائية قبلية تحول دون استنزاف نوع واحد من الأشجار. لا حاجة للمرء إلى بناء منزل من الطين بشكل كامل في دلهي أو مومباي، فحتى إذا بنيت جداراً واحداً من غرفة المكتب أو المعيشة سوف يضفي ذلك شعوراً وبعداً مختلفاً على البناء كله».
ويوجد على رأس تلك الحركة العديد من المنظمات، مثل «تانال آند فاستوكام» في كيرالا، و«ميد إن إيرث» في بنغالور، ومعهد «أوروفيل إيرث إنستيتيوت» في أوروفيل، ومعماريون مثل ديدي كونتراكتور في دارماسالا، وبيني كورياكوس في تشيناي، ويوجين باندالا في كيرالا، وغيرارد دا كونيا في غوا. وكان المعماري الأسطوري لوري بيكر هو من دشّن تلك الحركة في الستينات. ويقول غورجوت بهاتي، مدير المشروع في شركة «سي بي آر إي ساوث آشيا» التي تعمل في الاستشارات العقارية: «توفر طرق البناء التقليدية أسساً قوية لا تزال قابلة للتطبيق في وقتنا الحالي».
وتعد الاستدامة المتاحة للجميع النوع الوحيد الذي يهم يوجين باندالا، حيث قاد فريقه بعض مبادرات الحفاظ على التراث في كيرالا، وقضى وقتاً طويلاً في تقديم حلول تتمحور حول تصميمات غير مكلفة ذات مظهر جمالي مع استهلاك قدر أقل من الطاقة. كذلك استخدم طريقة مزج الطين والقش والماء وأحياناً كثيرة الحصى في عملية البناء. ويُعرف يوجين بدمج الطين في صناعة قطع الأثاث والتجهيزات داخل المنازل التي يبنيها.

العامة يتعلمون تشييد منازل صديقة للبيئة
قضت نيدهي رانا، مسؤولة تنفيذية في التسويق الرقمي في مومباي تبلغ 32 عاماً، أسبوعاً في الهيمالايا لبناء منزل من المواد الطبيعية. وتعلمت كيفية التعرف على الأنواع المختلفة من التربة، واستخدام الجير لصناعة الجصّ الطيني، وتغطية الجدران به. وتقول: «لقد أدركت أن العمل باستخدام المواد الطبيعية ليس صعباً، فكل ما يتطلبه هو المعرفة إلى جانب قدر من الممارسة». وتعتزم رانا تطبيق تلك الطرق في شقتها في مومباي، حيث توضح قائلة: «أعتزم استخدام الجصّ الطيني في أجزاء من منزلي. كذلك أود استكشاف كيفية استخدام الجير في جصّ الجدران».
تقيم شاغون سينغ في منزل مشيّد بطريقة أجولة الطين لأكثر من عام، وهو ذو تصميم دائري قطره 19 قدماً له سطح من البامبو، ومكون من غرفة نوم ومطبخ صغير وحمام. تقول شاغون: «تبين أن تلك المنازل أكثر مقاومة للفيضانات والزلازل. وقد شهدت ولاية أوتار كاند هطولاً غزيراً للأمطار خلال العام الماضي، حيث استمرت الأمطار لثلاثة أشهر ومع ذلك لم تدخل أي نقطة منها إلى منزلي».
وأضافت قائلة إن تلك المنازل قادرة على الصمود أمام الزلازل والحرائق والفيضانات بشكل أفضل. وتنظم شاغون ورش عمل عن طرق البناء المستدامة. ويستخدم دروفانغ هينغماير وبريانكا غونجيكار، الزوجان المعماريان المقيمان في بونا، طرقاً قديمة لبناء المنازل باستخدام الطين والجير والحجارة والخشب، داعمين بذلك المنازل المستدامة منخفضة التكلفة الصديقة للبيئة، والتي يزعمان أنها توفر 50% من المياه، ولا تتطلب أي نظام تكييف للهواء. وقد استعان الزوجان بفنيين وعمال محليين لديهم خبرة في بناء المنازل الطينية مساهمين بذلك في اقتصاد القرية أيضاً. كذلك يقولان: «نحاول دائماً الحد من استخدام الآلات».
ويدير الزوجان موقعهما الإلكتروني الخاص أيضاً، ويقول الزوجان إنهما يستطيعان بناء منزل من طابقين إضافة إلى الطابق الأرضي باستخدام الطين. كذلك يستخدمان الأحجار السوداء والطين في الطابق الأرضي وذلك لدعم أساس المنزل، وحماية البناء خلال الرياح الموسمية الشديدة. ويقرّ الزوجان بأن من عيوب المنازل الصديقة للبيئة سُمك الجدران الطينية وهو ما يجعلها غير ذات جدوى ونفع في مدينة مثل مومباي حيث المساحات صغيرة.
جذبت أعمال بوجا آرتي وروهان شينوي، مؤسسي «بيلد إن»، اهتمام وزارة النقل والشحن والطرق السريعة الهندية حيث دعتهما إلى الاشتراك في مسابقة على مستوى الهند لتصميم نقاط تحصيل رسوم المرور على الطرق من مواد صديقة للبيئة وتعمل بالطاقة الشمسية. وامتد الأمر إلى تصميم مستشفيات ومدرسة ومركز ترفيهي ووحدات مياه معدنية مستدامة للحكومة المحلية. ويجمع المعماريان بين الأصالة والمعاصرة من خلال استخدام فتحات في السقف، وتبريد إشعاعي، وقوالب تقوم على تعديل التربة، ومبانٍ مسبقة التجهيز، ومياه الأمطار، وحدائق عضوية مزروعة فوق الماء.
يقول بيجو باسكار، أحد مؤسسي «تانال هاند سكالبتد هومز»: «يمكن الانتهاء من بناء منزل مساحته 500 قدم خلال شهرين إذا كان لديك أصدقاء يساعدونك».
وتعد تكلفة ذلك أقل من تكلفة المنزل المتعارف عليه حالياً، حيث تبلغ أقل من ألف روبية للقدم المربعة حسب الموقع والمواد المستخدمة والعمالة. على الجانب الآخر تتراوح تكلفة بناء المنزل المتعارف عليه حالياً بين 1500 وألفي روبية. وهناك دليل إرشادي خطوة بخطوة لبناء المنازل الطينية يمكن الحصول عليه عبر الموقع الإلكتروني للشركة على الإنترنت.

التحدي
مع رغبة المرء في الالتزام بمفهوم المنازل الطينية إلى جانب التحضر، ربما يكون من المستحيل البناء باستخدام المواد المتاحة في نطاق خمسة أميال. يقول كورياكوس: «ربما يكون من الصعب الاستغناء عن الإسمنت والصلب. حتى التربة لا بد الحصول عليها من الخارج حين نفكر في البناء داخل المدن». ينبغي أن يتم التركيز على الاستدامة والحد من تكاليف النقل وإعادة استخدام المياه ومعالجة الروث. ويضيف: «المخيف اليوم هو اعتقاد أهل القرى أن استخدام الخرسانة مؤشر يدل على علو مكانتهم الاجتماعية، لذا بدأوا في محاكاة أهل المدن».

طرق مختلفة لبناء المنازل الطينية
منزل من الطين والقش والماء: في تلك الطريقة من طرق البناء يتم استخدام كتل من التراب الممزوج بالرمال والقش والماء. نظراً لأن المخرج ليس له شكل محدد يعدّ مناسباً لعمل الأشكال العضوية مثل الجدران المنحنية، والأقواس، والكوّات، ويعمل كذلك كمواد عازلة. هناك طريقة مشابهة لتلك الطريقة هي البناء بالطوب النيء (اللبن)، الذي يتم فيه عمل مزيج مجفف في الشمس على هيئة قوالب طوب.
الجصّ والتعريش: يتم في هذه الطريقة بناء جدران من خلال تعشيق عصيٍّ خشبية رأسية أو أسيجة مع أغصان وفروع شجر أفقية يتم تغطيتها بالجصّ أو الطين. يقول بيجو باسكار، المعماري ومؤيد طرق البناء الطبيعية: «هذه الطريقة مناسبة للمنازل المبنية في المناطق الحضرية، حيث تحتاج إلى مواد أقل ويمكن توفير جدران رفيعة مدعمة بأعمدة».
الطوب النيئ: يتم مزج التراب بالماء لعمل عجين يشبه ملمس عجين الكعكة، ثم يتم صبه في قوالب. بمجرد تماسك الطوب يتم تركه تحت أشعة الشمس ليجف ليتم استخدامه بعد ذلك في عملية البناء.
منازل أجولة الطين: يتم تكديس أجولة الخيش أو الإسمنت المهملة المملوءة بمواد من التربة لبناء منزل. يقول شاغون سينغ الذي ينظم ورش عمل عن طرق البناء المستدامة: «في السبعينات ابتكر نادر خليل، المعماري الإيراني الذي أسس لاحقاً (معهد كاليفورنيا لفن وعمارة التربة) هذه الطريقة لبناء منازل بتكلفة منخفضة، تلك الطريقة لبناء منازل منخفضة التكلفة. يمكن لتلك المنازل الصمود أمام الزلازل والحرائق والفيضانات بشكل أفضل».
على عكس ما يعتقده أكثر الناس، لا تنهار وتتآكل المباني المشيّدة من الطين سريعاً شريطة أن تتم صيانتها بشكل ملائم ودوري. من أسباب اكتساب الطين كمادة بناء لسمعة سيئة هو نسيان أو تجاهل طرق البناء العريقة باستخدام الطين، ورغم بناء الناس للمنازل الطينية لآلاف السنوات لم يتم تطوير تلك الطريقة بشكل كافٍ أو نشرها على نطاق واسع.

قد يهمك ايضا:

رد فعل نانسي عجرم على غناء طفلة من الهند لها

باكستان تتهم الهند باستخدام المياه سلاحا في نزاع كشمير