صنعاء - اليمن اليوم
على الرغم من كونها أحجارا كريمة، فإنها بعد ست سنوات من حرب وحشية غير كريمة باتت قيمتها تكمن فقط في الجهد الكبير الذي يبذله مستخرجوها من عمق الجبال وبطون الصخور.تحاول صناعة العقيق اليماني، وهو من أنواع الأحجار الكريمة التي اشتهر بصناعته هذا البلد، البقاء “على قيد الحياة” وسط ظروف صعبة للغاية بسبب الحرب الطاحنة التي تشهدها البلاد منذ أكثر من ست سنوات.
وتتركز هذه الصناعة العريقة في “سمسرة النحاس”، وهي مجموعة من المحلات أو الدكاكين صغيرة يمتلكها النحاسون والذين يصنعون الأدوات النحاسية، وسط المدينة التاريخية في العاصمة صنعاء.
كفاح امرأة في مهنة “ذكورية”
منى علي، امرأة يمنية حرفية ومدربة نحت، تأتي كل يوم إلى مركز نحت وصياغة الأحجار الكريمة في مركز “سمسرة النحاس”، كي تتمكن من مساعدة زوجها الذي فقد عمله بسبب الأوضاع الراهنة وتلبية حاجات أسرتها المكونة من خمسة أفراد.
تمكنت هذه السيدة من اكتساب مهارة عالية في نحت وصياغة الأحجار الكريمة التي يتم جلبها إلى المركز بأحجام مختلفة وإخضاعها لعدة مراحل إلى أن تصبح جاهزة.
تمارس منى حرفتها، شغل العقيق، بالطريقة القديمة (البدائية)، وتشرح عملها بالقول: “بدايةً، نأخذ قطة حجر ونقوم بتقطيعها إلى شرائح بالمنشار، ومن ثم ننتقل إلى المرحلة الثانية، وهي جلخ الفص (شرائح الحجر)”.
وتستمر منى في عملها، على الرغم من معارضة المجتمع، بسبب طبيعة المكان الذي يرتاده الرجال ولكونها تمارسه بطرق بدائية وآلات حادة وخطيرة قد لا تقوى على ممارستها امرأة.
تقول منى: “واجهتنا صعوبات، ولكننا تجاوزناها واستمرينا في العمل واشتغلنا بنجاح، واستطعنا إثبات وجودنا كنساء في شغل العقيق والأحجار الكريمة”.
تعلق روحي
ويُستخرج العقيق اليماني من جبال في اليمن، بطريقة يدوية وجهد ذاتي عن طريق الحفر من جانب المواطنين، قبل أن يتم تحويله إلى مصوغات وخواتم وأحزمة وسلاسل للزينة للرجال والنساء.
إلى جانب منى، يعمل في المركز حرفيون آخرون، مثل مجاهد الآنسي، رئيس قسم الأحجار الكريمة وشبة الكريمة في المركز الذي يحتضن هذه الصناعة منذ عقود طويلة.
ويُعد الآنسي من المناضلين القدامى في هذا العمل، على الرغم من شح الدعم والإمكانات. وهو متعلق بهذا الحجر “روحياً” لكون أسرته توارثت هذه المهنة أباً عن جد.
يقول مجاهد: “لدي شغف في الحرفة منذ الصغر، وقد طوّرتُ مهارتي من عملية التنقيب والاستخراج إلى عملية الشغل والتجهيز في المعمل. وكذلك قمت بعملية التدريب والتأهيل، فأنا أعشق هذه الحرفة لأنها حضارة وتاريخ وتراث مرتبط بحضارة الأجداد القدامى”.
ويرى أن عملية اكتشاف واستخراج الأحجار الكريمة وإنتاج أشكال جديدة تتم بشكل عشوائي في البلاد، ولا تخضع لقواعد أو قوانين علمية أو حتى فنية.
ويشير إلى أن “عملية استخراجها، وتجهيزها وتسويقها، تتم من دون رقابة من جانب المعنيين وذوي الخبرة والدراية بطرق الاستخراج الصحيحة والآمنة”.
ويقول: “ثمة ضرورة قصوى لوجود جهة رسمية تنظم هذه العملية، سواء كانت وزارة الثقافة أو هيئة المعادن والمساحة الجيولوجية أو أي جهة أخرى تمثل الدولة في إطار ضبط الجودة والمنتج والمحافظة على مستواه”.
صناعة.. إلى تراجع
وعلى الرغم من شهرة اليمن بتميز عقيقها، فإن عملية إنتاجه وتجارته تدهورت بشكل كبير بسبب الحرب التي دمرت الاقتصاد اليمني وأدت إلى توقف السياحة الداخلية وكذلك الخارجية، وتضاعفت تكاليف استخراجه وصناعته، وباتت تجارة الحجر الكريم ضئيلة ومحصورة داخليا.
يشكو يحيى جابر الشيخ، وهو من أوائل الحرفيين في مركز “سمسرة النحاس”، من تردي الطلب على العقيق اليماني، مقارنة بما كان سابقا قبل الحرب التي أدت إلى انقطاع توافد السياح.
“كما أن استيراد الأحجار الكريمة المزيفة من الخارج كان له تأثير على تجارة العقيق اليماني الأصلي الطبيعي”، وفق تعبير الشيخ.
ويقول: “إذا أردت ترويج عملك وإنتاجك، لا تجد من يقدر أو يثمن قيمته ويشتريه، كما كان سابقا من جانب السياح العرب أو الأجانب، بعدما أغلقت الحرب المنافذ وأعاقت تصدير العقيق إلى الخارج”.
ويعبر تاجر الأحجار الكريمة يحيى جابر الشيخ واحدا من عشرات التجار الذين لا زالوا يكافحون من أجل فتح متاجرهم واستقبال زوارها المحليين والنادر زيارتهم لها بعد أن أغلقت عشرات المحلات الأخرى أبوابها عقب إفلاسها وعدم قدرة مالكيها حتى على دفع إيجار المحلات.
وتختلف أنواع العقيق من حيث الثمن والجودة، اعتمادا على اللون الجذاب الذي يعطي الحجارة قيمة أعلى، فضلاً عن ارتباطها ببعض الأساطير التي تزعم بأنه يجلب الرزق ويعزز الثقة بالنفس لمن يحمله.
وفي حي “باب اليمن” داخل المدينة القديمة في صنعاء، لا تزال تجارة العقيق قائمة في الكثير من المحلات التجارية، المليئة بأصناف مختلفة منه.
وبعدما كانت هذه المحلات، قبل سنوات، مزارا مهما للسياح من انحاء العالم، باتت اليوم تقتصر على المتسوقين المحليين.
ويرى تجار وبائعو العقيق اليماني والأحجار الكريمة أن الحرب أثرت بشكل كبير على كل العاملين في مجال صناعة العقيق وتجارته، ولم تعد كما كانت عليه قبل الحرب.
ويشهد اليمن حربا منذ أكثر من ست سنوات، أودت بحياة 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
قد يهمك ايضا: