المكتبة الوطنية الفلسطينية مشروع استراتيجي

تعدّ المكتبة الوطنية رمزا من رموز السيادة الوطنية، وعنوان أساس من عناوين الدولة، وهي من الناحية العملية، ضرورة بنيوية، وعلى نحو استراتيجي بكونها بيت الذاكرة الوطنية الذي عليه أن يحفظ تاريخ الشعب منذ لحظة التدوين الأولى، وصعودا من الحاضر إلى المستقبل، بمختلف تجلياته المدونة الحضارية والثقافية والجمالية، العلمية والفكرية والأدبية والفنية، ثم على المكتبة الوطنية أن تحفظ كل ما يصدر عن الدولة من قرارات ومراسيم وقوانين، وفيها ستسكن سجلات الأراضي والنفوس وكل نص له علاقة بالعقد الاجتماعي، وكل ذلك لأغراض الحكم الرشيد، ولسلامة البناء والتطور للدولة والمجتمع.

وأصدر الرئيس محمود عباس، الإثنين الماضي، مرسوما بتعيين وزير الثقافة السابق، إيهاب بسيسو، رئيسا للمكتبة الوطنية الفلسطينية، الواقعة في بلدة سردا شمال رام الله.

جاء في المرسوم "استنادا لأحكام النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولأحكام القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، وبعد الاطلاع على أحكام المرسوم الرئاسي رقم 6 لعام 2019، بشأن إنشاء المكتبة الوطنية الفلسطينية، وبناء على الصلاحيات المخولة لنا وتحقيقا للمصلحة العامة، تقرر تعيين السيد إيهاب ياسر عارف بسيسو رئيساً للمكتبة الوطنية الفلسطينية".

ونستعرض مع د.إيهاب بسيسو تعريف المكتبة الوطنية الفلسطينية، وأهم المخططات لإنشاء هذا الصرح الثقافي والمشاريع التي ستقوم بها.

يقول بسيسو: "مشروع المكتبة الوطنية الفلسطينية هو مشروع استراتيجي، وتمثل المكتبة الوطنية الفلسطينية رمزا من رموز السيادة الفلسطينية التي نستطيع من خلالها أن نواجه الرواية الإسرائيلية وما تمت سرقته ونهبه من تراثنا ومخطوطاتنا بسبب النكبة وما تلاها من حروب واحتلال في أراضينا الفلسطينية"، مؤكدا أن دول العالم تسعى دائماً لإنشاء المكتبات الوطنية لصون هذا التراث.

وأضاف بسيسيو "في ما يتعلق بالتجربة الفلسطينية فنحن بأمس الحاجة إلى أن تكون لدينا مكتبة وطنية نستطيع من خلالها أن نسجل الإبداعات الفلسطينية بمختلف المجالات، وأن نحافظ على تراثنا ليس في فلسطين فحسب وأيضا في الشتات الفلسطيني، لأن هذا يعتبر متمما للرواية الفلسطينية فكل فلسطيني من حقه أن يجد صدى لإبداعاته في المكتبة الوطنية الفلسطينية"، وأشار إلى أنه بعد تجميع وحفر هذا التراث وتسجيله وفق نظام الإيداع الوطني المتعارف عليه دوليا تكون هناك تنمية للبحث العلمي في كل المجالات، ويكون هناك أيضاً مساومة في التخطيط الثقافي من خلال الفرص التي يمكن أن تخلقها المكتبة الوطنية في هذا السياق.

وذكر أن هناك فرقا كبيرا بين المكتبة الوطنية والمكتبة العامة، فالمكتبة الوطنية ليست مكانا فقط للقراءة بقدر أنها منظومة ثقافية متكاملة فيها الأبحاث والتسجيل والترميم للمخطوطات والكثير من الفعاليات الثقافية ولا يقتصر عملها فقط على الكتب، وإنما يمتد ليشمل مختلف أنواع الإبداع، سواء كان مخطوطات أو أعمال فنية وثقافية وغيرها.

وأوضح بسيسو أنه مع بدء إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية كان هناك سعي من الرئيس الراحل ياسر عرفات لإنشاء دار الكتب الوطنية في غزة، مبيّناً أن هذه مناسبة للقول أن المكتبة الوطنية الفلسطينية سيكون لها فرع في غزة، وبالتالي هذه المكتبة الفلسطينية سيكون مقرها الرئيسي في مدينة القدس العاصمة، ولكن سيكون هناك مقرات للمكتبة الوطنية، مقر في المحافظات الشمالية وفي المحافظات الجنوبية.

ولفت إلى جزء من خطة عمل المكتبة إنشاء مقر لها في المحافظات الجنوبية وتحديداً في غزة من أجل حفر هذا التراث، وتسجيله ويكون هناك علاقة وترابط ما بين المقر في المحافظات الجنوبية والشمالية، مشدداً على أنه منذ صدور مرسوم الرئيس بإنشاء المكتبة الوطنية قبل حوالي ما يقرب العامين وهناك سعي دؤوب من أجل إنجاز هذا الطرح بكل ما نحتاجه.

وبحسب بسيسو فإن المكتبة الوطنية هيئة ثقافية بحاجة إلى الكثير من الخطوات والإجراءات منها الأنظمة واللوائح الإدارية والهيكلية والقوانين التي تسند عمل المكتبة الوطنية في ما يتعلق في المرجعية الفكرية والإيداع الوطني والأرشفة وغيرها من القوانين التي تنظم عملها، وهذا كله بحاجة إلى الكثير من العمل.

وبيّن أن المكتبة الوطنية تتمتع بمجلس إدارة يكون نخبة من المؤسسات الثقافية والجامعات، عليها أن تثري هذا العمل لذلك هي خطة وطنية جامعة تمد ذراعيها لكل أطياف العمل الفلسطيني، منوها إلى أن لدينا كفاءات وطنية داخل وخارج فلسطين في مجال عمل فلسطين وهذا بحاجة إلى تنمية العلاقات وتوظيفها لصالح المكتبة الوطنية، وعن خطة عمل المكتبة الوطنية، يقول بسيسو: "إن هذه الهيئة الثقافية التي تسمى المكتبة الوطنية ستعمل خطة عمل خلال المرحلة القادمة من أجل أن يكون لها إطلالة على الحياة الثقافية الفلسطينية كمتممة للكثير من الإجراءات، هي تأتي مكملة ومظلة للمكتبات العامة الفلسطينية فيها مكتبات عامة تتوفر فيها الكتب"، مشيرا إلى أن دور المكتبة الوطنية هو تسجيل الإبداعات، أن القارئ يستطيع أن يتوجه إلى المكتبات العامة ومكتبات الجامعات والمكتبات المتخصصة للقراءة والاطلاع.

وأضاف أن الدور الأساسي للمكتبة الوطنية تسجيل الإبداعات وتنمية المجموعات المعرفية المتعلقة بفلسطين والتي تكتب عن فلسطين سواء بأيد فلسطينيين أو بغيرهم من أجل تنمية البحث العلمي وبالتالي المسألة لا تنحصر فقط بالكتب وهي مختلف أطياف المعرفة.

وتابع "علينا أن نحرر أفكارنا بالأفكار النمطية للمكتبة الوطنية. بمعنى أن المكتبة الوطنية هي مظلة وهيئة ثقافية تنظم من جهة عمل المكتبات العامة والمتخصصة وتتكامل في الدور معها تسجل الإبداعات الوطنية بمختلف المجالات وفق نظام العمل الوطني تعرف بالإنتاجات الفلسطينية ضمن النشر الوطني تسهم في نشر التراث الوطني الموحد في عمل المكتبات الفلسطينية، وهذا يؤدي إلى تنمية البحث العلمي والمساهمة في التخطيط الثقافي وصون وحفظ الرواية الفلسطينية والتاريخ والتراث الفلسطيني من التشويه والتزوير".

وذكر بسيسو أن لديهم خطة في تنمية الخبرات والكفاءات في مجال عمل المكتبات، وهذا يتطلب تواصل مع الجامعات من أجل تعزيز وخلق التخصصات المهمة في المكتبات، لأن هذه التخصصات غير موجودة في الجامعات الفلسطينية.

وأوضح أنه تم اعتماد مؤخراً تخصص المكتبات في جامعة القدس المفتوحة، مستدركاً "لكن نحن بحاجة إلى خلق هذه التخصصات التي بدوره أن يخلق فرص عمل بشكل واضح وينمي المعرفة"، كما وأشار بسيسو إلى أنه تم البدء في الاتصالات مع الكثير من المكتبات الوطنية مع الدول العربية الشقيقة وحول العالم من أجل تعزيز التنسيق والتعاون والاستفادة من الخبرات، لافتا إلى أن هناك تجربة رائدة في دول مثل المغرب والجزائر وتونس والكويت والسعودية في مجال المكتبات، بالإضافة إلى تجربة جمهورية مصر العربية سواء من خلال دار الكتب الوطنية أو مكتبة الإسكندرية.

وأكد أنه على صعيد الخارطة العالمية فهناك تعاون من أجل تدريب والتمكين في حقل عمل المكتبة الوطنية في الدول الأوروبية وبخاصة الدول الإسكندنافية، مشددا على أن تأسيس المكتبة الوطنية يحتاج إلى خطة عمل بدأنا بإعدادها منذ التكليف بإنشاء المكتبة الوطنية قبل أقل من عامين والآن نؤسس لهذا الفعل.

وأردف بسيسو قائلا "سنعمل على تعزيز وتنمية العلاقات وبناء الأبنية اللازمة سواء في المحافظات الشمالية أو الجنوبية"، منوها في الوقت ذاته إلى أن المكتبة الوطنية للكل الفلسطيني، ومقرها في غزة لا يقل أهمية عنه في المحافظات الشمالية بالاستناد إلى أن المقر الرئيسي سيكون في العاصمة القدس.

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

المكتبة الوطنية في المغرب تحتفل باليوم العالمي للتنوع البيولوجي

منظمة التحرير تُحذِّر من فرض الاستسلام على الشعب تحت غطاء "صفقة القرن"