لندن ـ كاتيا حداد
كشفت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، الإثنين، أن الاقتصاد البريطاني سيزدهر إن توصلت البلاد إلى اتفاقية متوازنة للخروج من الاتحاد الأوروبي، تلعب فيها الحكومة دورًا استراتيجيًا لدعم النمو عبر بريطانيا، وأكدت في خطابها خلال المؤتمر السنوي لاتحاد الصناعة البريطاني "سي بي آي"، في لندن، أنّ مفاوضات "بريكست" تشهد تقدمًا ملحوظًا منذ زيارتها إلى فلورنسا في أيلول الماضي، وأنّها ستدعم إقرار فترة انتقالية مصاحبة لعملية الخروج لمنح الشركات مزيدًا من الثقة، مضيفة أنّ فترة التنفيذ المحددة ستكون حاسمة لنجاح بريطانيا في المستقبل.
وأوضحت رئيسة الوزراء أنّها تعي أهمية عدم مواجهة الاستثمارات والصناعات في البلاد انحداراً قائلة "أريد توفير الوضوح التام للمستثمرين، في هذا الوقت الذي يشهد المستثمرون وأرباب الأعمال، توترًا من مستقبل البلاد بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، علمًا أن العاصمة البريطانية هي المقر الرئيس لأكثر من 300 بنك عالمي.
وشدّدت ماي، على أهمية التمسك بالاقتصاد الحر، معتبرة إياه المسار الأكثر فعالية لانتشال المواطنين من تحت خط الفقر، ودعت إلى المزيد من التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص خصوصًا في قطاع الخدمات، كما عبرت ماي على اعتزام حكومتها توفير الدعم الكامل للحفاظ على مكانة بريطانيا كرائدة في قطاع الابتكار والتقنية، وقالت إنها تأمل بأن تصبح بريطانيا الرائدة في قطاع الذكاء الاصطناعي أيضًا، مستطردة "لنجعل بريطانيا مركزًا لتكنولوجيا المستقبل، علينا أن نرى التطورات التقنية كقوى خير ستساهم في تحسين حياتنا واقتصادنا"
وناقشت ماي أهمية زياراتها إلى الهند واليابان خلال السنة الماضية، معتبرة إياها مبادرات جدية ومباشرة لتحريك الاستثمارات الأجنبية بعد نجاح تجارب استثمارات من شركات مثل "تويوتا" و"بي إم دبليو"و"غوغل" التي استثمرت مليار جنيه إسترليني في لندن، ووفر المؤتمر الفرصة للاستماع إلى وجهة نظر حكومة الظل في آخر تطورات مفاوضات "بريكست"، إذ نوه رئيسها زعيم حزب العمال جيريمي كوربن، أن "بريطانيا بأمس الحاجة إلى "بريكست" يولي الأهمية الأكبر إلى توفير فرص عمل، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين"، وطالب كوربن حكومة ماي بمزيد من الوضوح والشفافية في مفاوضات الخروج، محذرًا من أنّ الوقت ليس حليف بريطانيا، قائلًا "الاستمرار في تأجيل اتفاق انتقالي بات غير مقبول وخطر عدم التوصل لأي اتفاق سيكون كابوسًا يلحق بالسوق ضررًا.
وشدد كوربن أنّ بريطانيا لن تتحول إلى جزيرة معزولة عقب الخروج، ولن تعتبر الاتحاد الأوروبي كـعدو لها، بل كشريك، كما دعا إلى تطبيق نموذج اقتصادي جديد في البلاد لجعلها أكثر ثراءً ومساواة، وعلى الرغم من أنّ زعيم حزب العمال رأى أنّ ملكية شركات الخدمات يجب أن تكون عامة، وأنّه كان ضد قرار خصخصتها، فإنه أكد على أنّ حكومة الظل ترى القطاع الخاص شريكًا في تنمية البلاد اقتصاديًا، واستضاف المؤتمر وزير التجارة الأميركي ويلبور روس في زيارته الرسمية الأولى إلى بريطانيا، وألقى كلمة مختصرة قبل توجهه إلى الصين لمرافقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في جولته الآسيوية التي تنطلق من الصين. واعتبر روس، الرئيس ترامب أكثر الرؤساء الأميركيين واقعية في مجال الأعمال.
وشدد الوزير الأميركي على العلاقة الوطيدة والمميزة التي لطالما شهدتها بريطانيا وأميركا، مؤكدًا أن العلاقة أفضل وأقوى من أي وقت مضى، وأكد روس أنّ ترامب يدعم وبقوة اتفاق تجارة ثنائي مع بريطانيا عقب خروجها من الأوروبي، وأنه سبق وناقش ذلك مع رئيسة الوزراء تيريزا ماي، وقال "بريطانيا هي سابع أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، ونأمل أن تصبح الأولى، كما كشف عن حزمة من المعوقات والتحديات التي يواجهها المستثمرون الأميركيون في الاتحاد الأوروبي، داعيًا بريطانيا للتعاون في حلها، واختتم الوزير حديثه بالتأكيد على أنّ الولايات المتحدة لا تعتزم الانسحاب اقتصاديًا من آسيا، لكنّها ستستمر بتواجدها وفقا لشروطها.
وافتتح المؤتمر إلى جانب نخبة من رجال الأعمال والمستثمرين والإعلاميين رئيس اتحاد الصناعة البريطاني بول دريشلر، معتبرًا دورة هذا العام الأكبر منذ 10 سنوات، وأكد دريشلر، متحدثًا بالنيابة عن نحو 190 ألف شركة بريطانية على التزامها بإنجاح "بريكست" اقتصاديًا قائلًا نحن بحاجة إلى استراتيجية واضحة، وخطة تحقق مطالبنا وطبيعة العلاقة التي نريدها مع الاتحاد الأوروبي عقب الخروج" وشدد دريشلر على أنّ طريق الوصول إلى ذلك هو التعاون والتكاتف بين سياسات الحكومة والشركات لضمان ازدهار الاقتصاد وإبرام اتفاق مناسب للخروج.
وتضمن المؤتمر جلسات حوارية وكلمات لنخبة من عالم المال والأعمال في بريطانيا أدارها إعلاميون بارزون، وحاورت مذيعة بلومبيرغ آنا ايدواردز المدير التنفيذي لمجموعة "بي تي"، غافين باترسون، الذي أكد أهمية التطور التقني للاقتصاد البريطاني، إذ يحمل فرصًا ًلتطوير الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى الفرص التي يجب أن تغتنمها لندن لتكون الرائدة في تلك المجالات، رغم تحديات وضبابية "بريكست".
وبدوره، ألقى رئيس مايكروسوفت والمدير القانوني لدى الشركة براد سميث، كلمة أعاد الحضور فيها إلى الثورات الصناعية الثلاث الماضية، شارحًا خصائص الثورة الصناعية الرابعة الراهنة التي تعتمد على التطور التكنولوجي المتسارع، وقال سميث إن 30 في المائة من الوظائف في بريطانيا مهددة بالانقراض ويتم استبدالها بروبوتات، كما قال إن 90 في المائة من الوظائف الجديدة التي سيتم خلقها مع الثورة الصناعية الرابعة بحاجة إلى مهارات جديدة، داعيًا بريطانيا إلى مواكبة التطور وتدريب الكوادر.
واتفق نائب رئيس "تويتر" بروس دايسلي، مع سميث بشأن ظاهرة التطور، وقال إن مفهوم المستهلك تغير في يومنا الحالي، مشددًا على أهمية مواكبة احتياجات المستهلك الجديد في عصرنا الحالي، الذي باتت تتقلب وتتغير احتياجاته، وقال ديسلي إن أمام الشركات البريطانية فرصة عظيمة لتطويع التطور التكنولوجي والنمو، لكن عليهم فهم المستهلك.
وناقشت أولى جلسات المؤتمر أهمية توظيف العولمة لإثراء الاقتصاد، وتوفير فرص عمل جديدة ولائقة عن طريق التعاون بين الحكومة البريطانية والقطاع الخاص، وخرجت بخلاصة أن انعدام الوضوح في مستقبل التجارة سيؤدي إلى إبطاء نمو الشركات، أمّا الجلسة الثانية فبحثت توظيف التطور التكنولوجي في التنمية الاقتصادية وشهدت عرض قصص نجاح، فيما ناقشت الجلسة الثالثة والأخيرة سبل توفير فرص للجميع وسط اقتصاد يعتمد على التطور التقني والذكاء الاصطناعي، واختتمت مديرة اتحاد الأعمال البريطاني الجلسة بحث الشركات على "البحث عن سبل جديدة لتأهيل كوادرها بالمهارات اللازمة للابتكار، كي لا يؤدي التطور التكنولوجي إلى إبطالهم عن العمل".